(صفحه102)
أواستصحابا ببقاءالوضوء، ولابدّ في الاستصحاب من كون المستصحب حكمشرعيّا أو ذا أثر شرعي، فلذا نحتاج إلى استصحاب بقاء الوضوء لترتّبالأثار الشرعيّة عليه، مثل جواز الدخول في الصلاة والطواف وأمثال ذلك.
وبذلك تندفع الشبهة عن الرواية المذكورة.
فتحصّل من ذلك: أنّ معنى الرواية على هذا الاحتمال: «أنّه إنلميستيقن أنّهقد نام فلا يجب عليه الوضوء؛ لأنّه على يقين منه، وكلّ من كان على يقين منشيء لاينقض يقينه بالشكّ أبدا».
وهذا الاحتمال اختاره وقوّاه الشيخ الأنصاري قدسسره (1) ولكنّ المحقّق النائيني رحمهالله قائل بأنّه في غاية الضعف، واستدلّ له بأنّه على هذا الاحتمال يلزم التكرار فيالجواب وبيان حكم المسؤول عنه مرّتين بلا فائدة؛ فإنّ معنى قوله عليهالسلام : «لا،حتّى يستيقن» عقيب قول السائل: «فإن حرّك في جنبه شيء» هو أنّه لايجبعليه الوضوء؛ فلو قدّر جزاء قوله: «وإلاّ» بمثل «فلا يجب عليه الوضوء» يلزمالتكرار في الجواب، من دون أن يتكرّر السؤال، وهو لايخلو عن حزازة،فاحتمال أن يكون الجزاء محذوفا ضعيف غايته(2).
ويمكن ردّه دفاعا عن رأي الشيخ قدسسره بأنّ مراد الإمام عليهالسلام في الذيل لايكونبيان وظيفة خصوص المورد مكرّرا، بل هو بصدد إلقاء القاعدة والضابطةبعنوان الاستصحاب في جميع أبواب الفقه، فالمراد من بيان علّة الجزاءالمحذوف تأسيس قاعدة كلّيّة، لاتكرار الجواب، فالإنصاف أنّ هذا الإشكالليس بوارد عليه.
الاحتمال الثاني في الرواية: ما التزم به المحقّق النائيني رحمهالله بقوله: «أنّه لاينبغي
- (2) فوائد الاُصول 4: 336.
(صفحه 103)
الإشكال في كون الجزاء هو نفس قوله: «فإنّه على يقين من وضوئه» بتأويلالجملة الخبريّة إلى الجملة الإنشائيّة، فمعنى قوله: «فإنّه على يقين من وضوئه»هو أنّه يجب البناء والعمل على طبق اليقين بالوضوء(1).
ويرد عليه: أوّلاً: أنّ تأويل الجملة الخبريّة إلى الإنشائيّة وإرجاعها إليهيتصوّر على أحد وجهين: إمّا أن يكون معنى قوله: «فإنّه على يقين من وضوئه»هو: «يجب أن يكون على يقين من وضوئه» ومعناه: لابديّة تحصيل اليقينبالوضوء للدخول في الصلاة، وهو ينافي مدلول سائر الجمل ومراد الرواية منعدم لزوم اليقين بالوضوء، وعدم وجوب الوضوء عليه مجدّدا لإتيان الصلاة.
وإمّا أن يكون معنى قوله: «فإنّه على يقين من وضوئه» تعبّد الشارع الشاكّفي النوم بأنّه متيقّن بالوضوء، فيجوز له إتيان الصلاة والطواف كالمتيقّن بهوجدانا؛ فإنّه بنظر الشارع كان متيقّنا.
وهو أيضا ينافي جملة «لاينقض اليقين بالشكّ» إذ مع كونه متيقّنا بنظرالشارع لامعنى لقوله: «لاينقض اليقين بالشكّ»؛ لعدم الشكّ في البين حتّىينقض أو لاينقض، يعني اعتبار إلغاء الشكّ تعبدا في جملة واعتبار بقائه فيجملة اُخرى متضادّان.
وثانياً: أنّ تأويل الجملة الخبريّة بالجملة الإنشائيّة بالكيفيّة المذكورة فيكلامه لايوجد في اللغة العربيّة؛ لزيادته في الجملة الإنشائيّة كلمة «البناء» التيلاأثر منها في الرواية ولا خبر؛ فلا ملاك لهذا التغيير والتبديل ولاوجه له، ولينطبق مع الضوابط والموازين.
وثالثاً: أنّه لو جعلنا الجزاء قوله: «فإنّه على يقين من وضوئه» لايمكناستفادة الكبرى الكلّيّة من الرواية المقصودة من الاستدلال بها؛ فإنّ معناه بعد
- (1) فوائد الاُصول 4: 336.
(صفحه104)
التأويل بالجملة الإنشائيّة كما ذكره «يجب البناء على طبق اليقين بالوضوء»،وكيف تكون هذه الجملة صغرى القياس؟ بل هي النتيجة المترتّبة علىالقياس؛ إذ لافرق بينه وبين القول بأنّه: «لاينقض اليقين بالوضوء بالشكّ فيالوضوء»، مع أنّه لابدّ من مغايرة الصغرى والنتيجة، فلا محالة يصير قوله:«لاينقض اليقين بالشكّ» عطفا على الجزاء ولا يفيد إلاّ مفاده؛ أي يكونعبارة اُخرى عن قوله: «فيجب البناء على طبق اليقين بالوضوء» ولا يصحّجعله كبرى كلّيّة؛ للخروج عن قانون المحاورة والاستدلال؛ فإنّ قانونالاستدلال على نحوين:
أحدهما: ذكر الصغرى والكبرى ثمّ الاستنتاج، فيقال: «العالم متغيّر، وكلّمتغيّر حادث، فالعالم حادث» أو يقال: «إنّه على يقين من وضوئه فشكّ، وكلّمن كان على يقين من شيء فشكّ يجب البناء على يقينه، فيجب عليه البناءعلى يقينه من وضوئه».
وثانيهما: ذكر النتيجة أوّلاً، ثمّ الاستدلال عليها، وحينئذٍ لابدّ من تخلّلكلمة «لأنّ» وأمثالها فيقال: «العالم حادث؛ لأنّه متغير» ويقال: «يجب البناءعلى اليقين بالوضوء؛ لأنّه من كان كذلك لاينقض يقينه بالشكّ».
فلو جعلنا قوله: «فإنّه على يقين من وضوئه» جزاء يكون المعنى: «يجبعليه البناء العملي على يقينه السابق من وضوئه»، وهذه نتيجة البرهان، فقوله:«ولا ينقض اليقين بالشكّ» لوكان برهانا عليها لابدّ وأن يصدّر بما يفيد العلّيّة،فجعل قوله: «فإنّه على يقين من وضوئه» صغرى لكبرى القياس لايجتمع معجعله جزاء للشرط وجملة إنشائيّة، فإنّه على الإنشائيّة يصير نتيجة للبرهان،لاصغرى له.
ورابعاً: أنّ إشكال لزوم التكرار في الجواب من غير تكرّر السؤال يرد
(صفحه 105)
عليه؛ فإنّ معنى كلمة «لا» هو «لايجب عليه الوضوء قبل الاستيقان»، ومعنىقوله: «فإنّه على يقين من وضوئه» على هذا الاحتمال هو «يجب عليه البناء علىاليقين من وضوئه»، أي لايجب عليه الوضوء، وقوله: «لاينقض اليقين بالشكّ»على كونه عطفا على الجزاء أيضا يدلّ على هذا المعنى، فيلزم تكرار الجواببلاموجب ثلاث مرّات.
وأمّا على احتمال الشيخ فلم يذكر الجواب، وذكر قوله: (وإلاّ) توطئة لإقامةالبرهان وبيان القاعدة الكلّيّة، فاحتمال كون قوله: «فإنّه على يقين» جزاء ليسبتامّ أصلاً.
الاحتمال الثالث: أن يكون الجزاء قوله: «ولا ينقض اليقين أبدا بالشكّ»،ويكون قوله: «فإنّه على يقين» توطئة للجزاء.
وقال اُستاذنا السيّد الإمام قدسسره : «وهذا الاحتمال أقوى من الثاني، وأسلم منالإشكالات، ولا يرد عليه ما تقدّم من إجراء الأصل المسبّبي مع وجودالأصل السببي؛ لأنّ قوله: «لاينقض اليقين أبدا بالشكّ» لايكون حينئذٍ كبرىلقوله: «فإنّـه على يقين من وضوئه»، بل لقوله: «فإن لم يستيقن أنّه قد نام»المقدّر»(1).
فالاستصحاب الجاري هنا هو استصحاب عدم النوم، لا استصحاب عدمالوضوء.
والتحقيق: أنّ هذا الاحتمال لايكون قابلاً للالتزام، ويرد عليه: أوّلاً: أنّتخلّل قوله: «فإنّه على يقين من وضوئه» بين الشرط والجزاء، وكونه بعنوانمقدّمة الجزاء مانع من ارتباط قوله: «لاينقض اليقين أبدا بالشكّ» بقوله: «إنلميستيقن أنّه قد نام»، بل هو شاهد على ارتباط الجزاء به.
(صفحه106)
وثانياً: أنّ الرواية على هذا الاحتمال لاتدلّ على قاعدة كلّيّة إلاّ بالإشعارومناسبة الحكم والموضوع، مع أنّا بصدد استفادة القاعدة الكلّيّة السارية فيجميع أبواب الفقه من ظهور الرواية ودلالتها عليها، ومعنى الرواية على هذالاحتمال يشبه قولنا: «إن لميستيقن أنّه قد نام لايجب عليه الوضوء»، فليستفاد منها قاعدة كلّيّة.
وثالثاً: أنّ خلوّ الجزاء عن الفاء، وتصدير مقدّمته وهو قوله: «فإنّه علىيقين» بها خلاف الاُسلوب الكلامي، وعلى فرض صحّته لغة لايصحّ تصديرالجزاء بـ «واو» العطف بعد تصدير مقدّمته بالفاء، نقول: «إن جاءك زيد فزيدعالمٌ أكرمه» لانقول: «إن جاءك زيد فزيد عالم وأكرمه» ـ مثلاً ـ وذكر «الواو»دليل على عدم ارتباط قوله: «ولا ينقض اليقين» بالجملة الشرطيّة، فهذالاحتمال خلاف الظاهر ولا يكون قابلاً للالتزام.
فالمتعيّن من الاحتمالات مااختاره الشيخ الأنصاري قدسسره ؛ لتناسبه مع فهمالعرف والقواعد العربية، وخلوّه عن الإشكال في استفادة القاعدة الكلّيّة منالرواية، وهو كون الجزاء مقدّرا أي «فلا يجب عليه الوضوء»، وقوله: «فإنّهعلى يقين من وضوئه» في مقام التعليل صغرى للقياس، وقوله «لاينقض اليقينأبدا بالشكّ» الكبرى الكلّي.
بقي هنا ما ذكره المحقّق النائيني رحمهالله بعنوان التوهّم، وهو: أنّ غاية ما تدلّعليه الرواية هو سلب العموم لا عموم السلب، فلا يستفاد منها عدم جوازنقض كلّ فرد من أفراد اليقين بالشكّ، بل أقصى مايستفاد منها هو عدم جوازنقض مجموع أفراد اليقين بالشكّ؛ وهذا لاينافي جواز نقض بعض الأفراد.
والحقّ في الجواب: أنّ المفرد المحلّى باللام لايدلّ على العموم ولا يكونناظرا إلى الأفراد، بل يدلّ على الماهيّة والطبيعة، ويكون «الألف واللام»