(صفحه 97)
استدلال الشيخ على القول بالتفصيل
ثمّ إنّه تمسّك بالأخبار المعتبرة والمستفيضة الواردة في الباب للتفصيل بينالشكّ في المقتضي والشكّ في الرافع:
الاُولى منها: صحيحة زرارة قدسسره قال: قلت له: الرجل ينام وهو على وضوء،أتوجب الخفقة والخفقتان عليه الوضوء؟ قال: «يا زرارة، قد تنام العين ولا ينامالقلب والاُذن، فإذا نامت العين والاُذن والقلب فقد وجب الوضوء»، قلت: فإنحرّك على جنبه شيءٌ وهو لايعلم؟
قال: «لا، حتّى يستيقن أنّه قد نام، حتّى يجيء من ذلك أمر بيّن، وإلاّ فإنّه علىيقين من وضوئه، ولا ينقض اليقين أبدا بالشكّ، ولكن ينقضه بيقين آخر».
ومعلوم أن إضمار مثل زرارة لايضرّ باعتبار الحديث، وأمّا السّؤال: الأوّل«الرجل ينام وهو على وضوء، أتوجب الخفقة والخفقتان عليه الوضوء؟» ففيبيان المراد منه ثلاثة احتمالات:
الأوّل: أنّ زرارة عالمٌ بأنّ الخفقة والخفقتين لاتكونان من النوم، كما أنّه عالمبناقضيّة النوم للوضوء بلاإشكال، مع ذلك لايعلم أنّ الخفقة والخفقتين مععدم كونهما من النوم، هل يكونان ناقضين أم لا؟
الثاني: أنّ زرارة يعلم أنّ النوم ناقض فقط لا ما يشبهه، ولكن لايعلم أنّالخفقة والخفقتين من مصاديق النوم وأنّ النوم له معنى وسيع حتّى يشمل
(صفحه98)
الخفقة والخفقتين أم لا؟
الثالث: أنّ زرارة يعلم أنّ الخفقة والخفقتين من مصاديق النوم ومرتبةضعيفة من مراتب النوم، ولكن لايعلم أنّ الشارع جعل الناقضيّة لجميعمراتب النوم أو لسائر المراتب غيرالخفقة والخفقتين، وعلى جميع التقاديرالثلاثة يكون السؤال عن الشبهة الحكميّة.
وفي جملة «الرجل ينام» أيضا يحتمل أن يكون المراد منه تحقّق النوم بمراتبهالضعيفة، ويعلم أنّ الرجل نام ولكن لايعلم أنّ لهذه المرتبة من النوم ناقضيّةأم لا؟ وهذا الاحتمال في هذه الجملة مؤيّد للاحتمال الثالث المذكور.
ويحتمل أن يكون المراد منه إرادة النوم، يعني الرجل يريد النوم ولكن قبلتحقّق النوم عرضت له الخفقة والخفقتان، كما هو الظاهر من التعبير بصيغةالمضارع، فالشبهة شبهة حكميّة، وقال الإمام عليهالسلام في الجواب: «يا زرارة، قد تنامالعين ولا ينام القلب والاُذن، فإذا نامت العين والاُذن والقلب فقد وجبالوضوء». والمراد من القلب فيه هو مركز الحواسّ لا القلب الاصطلاحي؛ فإنّهلاينام ولا يسكن في جميع الحالات إلاّ عند الموت.
والعمدة السؤال الثاني في الرواية، فإنّه محلّ البحث في باب الاستصحاب،وهو قوله: «فإن حرّك على جنبه شيء وهو لايعلم؟» يعني عدم التفاته إلىحركة الأشياء بجنبه أمارة على تحقّق النوم؟ قال: «لا، حتّى يستيقن أنّه قد نام،حتّى يجيء من ذلك أمر بيّن». وهذه الجملة بوحدها دليل على اعتبارالاستصحاب بعد العلم بأنّ الناقض هو النوم الواقعي، لا العلم واليقين بالنوم،وهكذا في سائر النواقض، فمعناها أنّ في مورد الشكّ في تحقّق النوم يستصحبعدمه إلى زمان اليقين بتحقّقه.
ثمّ قال الإمام عليهالسلام : «وإلاّ» يعني: وإن لميستيقن أنّه قد نام «فإنّه على يقين من
(صفحه 99)
وضوئه»، وكلمة «إلاّ» بلحاظ كونها قضيّة شرطيّة واشتمالها على أداة الشرطتحتاج إلى الجزاء، ويحتمل أن يكون الجزاء هنا محذوفا، ويستفاد ممّا قبله،وهو جملة «فلا يجب عليه الوضوء»، وقوله عليهالسلام : «فإنّه على يقين من وضوئه»تعليل للجزاء المحذوف، «ولا ينقض اليقين أبدا بالشكّ»، فيكون التعليلالمشتمل على الصغرى والكبرى في مقام إفادة القاعدة الكلّيّة السارية في جميعأبواب الفقه لجريان الاستصحاب، وذكر الوضوء إنّما هو لكونه مورد السؤال،لا لدخله في موضوع الحكم.
ويرد على هذا الاحتمال: أوّلاً: أنّ ذكر كلمة «من وضوئه» في الصغرى،واحتمال كون «الألف واللام» في كلمة «اليقين» للعهد الذّكري يوجب القولبأنّ الرواية في مقام إفادة القاعدة الكلّيّة لجريان الاستصحاب في باب الوضوءفقط، لا في سائر الأبواب.
وتوهّم التمسّك بأصالة الإطلاق لعدم قيديّة «من وضوئه» لكلمة «اليقين»مدفوع بأنّه لايمكن التمسّك به في الكلام المحفوف بما يصلح للقيديّة، مثل عدمإمكان التمسّك بأصالة عدم التخصيص في الاستثناء المتعقّب للجُمل في غيرالأخيرة؛ لصلاحيّة رجوع الاستثناء إلى الجميع.
ولكنّ الحقّ في المسألة أنّ العرف بملاحظة التناسب بين الحكم والموضوعيفهم ويستفاد من الرواية القاعدة الكلّيّة، وأنّ الشيء المبرم والمستحكمكاليقين لاينقض بالشكّ والترديد، سواء كان في باب الوضوء أو سائرالأبواب، ونحن بما أنّنا من العرف نفهم ذلك.
ويرد عليه:
ثانيا: أنّ الظاهر على هذا الاحتمال أنّ قوله: «فإنّه على يقين من وضوئه»يكون صغرى لقوله: «ولا ينقض اليقين بالشكّ»، فأراد الإمام عليهالسلام إجراء
(صفحه100)
استصحاب الوضوء، مع أنّه محكوم باستصحاب عدم النوم الناقض؛ لأنّالشكّ في الوضوء ناشٍ ومسبّب من الشكّ في حصول النوم، وأصالة عدمحصوله مقدّمة على استصحاب الوضوء، لتقدّم الأصل السببي على المسبّبي.
كما أنّ الظاهر من قوله: «حتّى يستيقن أنّه قد نام» أنّه تمسّك بأصالة عدمالنوم، مع أنّ جريان الأصل المحكوم ـ مقدّما على الحاكم أو في عرضه ـ خلافالتحقيق.
وأجاب عنه اُستاذنا السيّد الإمام قدسسره (1) بقوله: «ويمكن أن يجاب بأنّه عليهالسلام كان بصدد بيان جواب المسألة، أي شبهة نقض الوضوء وعدمه، لابنحوالصناعة العلميّة، وأنّ نكتة عدم وجوب الوضوء ـ بعد كونه على يقين منوضوئه ويقين من عدم نومه ـ هي جريان الأصل الحاكم أو المحكوم.
نعم، أفاد زائدا على جواب الشبهة بأنّ هذا ليس مختصّا بباب الوضوء، بلالميزان هو عدم نقض اليقين بالشكّ، وهذا كجواب المفتي للمستفتي في نظيرالمسألة، مع إرادة المفتي إلقاء قاعدة كلّيّة تفيده في جميع الموارد، لابيان المسألةالعلميّة وكيفيّة جريان الاُصول، وتمييز حاكمها من محكومها، فلا محيصحينئذٍ إلاّ من بيان نتيجة المسألة؛ وأنّ الوضوء المتيقّن لاينقض بالشكّ فيالنوم، وأمّا كون عدم نقضه لجريان أصالة بقاء الطهارة أو أصالة عدم الناقضللوضوء فهو أمر غيرمرتبط بالمستفتي، فإنّ منظوره بيان تكليفه من حيثلزوم الإعادة وعدمه، لا الدليل عليه موافقا للصناعة».
ولكن التحقيق: أنّ هذا الجواب ليس بتامّ أوّلاً: أنّ موقعيّة زرارة ومقامهعند الإمام وعلمه بجزئيّات المسائل لايناسب سؤاله عن الشبهة فقطكالمستفتي.
(صفحه 101)
وثانياً: أنّ نفس الرواية أقوى شاهد على كون الإمام بصدد بيان الصغرىوالكبرى والاستدلال للحكم، وتأسيس القاعدة بقوله: «وإلاّ فإنّه على يقينمن وضوئه، ولا ينقض اليقين أبدا بالشكّ، ولكنّه ينقضه بيقين آخر»، فكيفيصحّ تمسّك الإمام في مقام الاستدلال بالاستصحاب المحكوم وغير الجاري؟
وكان لاُستاذنا السيّد الإمام قدسسره بيان في مسألة تعارض الاستصحابينيوجب حلّ الشبهة هنا، وهو قوله(1): «والتحقيق في الجواب أن يقال: إنّاستصحاب عدم النوم لايثبت بقاء الوضوء إلاّ على القول بالأصل المثبت؛ لمعرفت من أنّ الميزان في تقدّم الأصل السببي على المسبّبي هو إدراج الأصلالسببي المستصحب تحت الكبرى الكلّيّة الشرعيّة حتّى يترتّب عليه الحكمالمترتّب على ذاك العنوان، كاستصحاب العدالة لإدراج الموضوع تحت كبرىجواز الطلاق والشهادة والاقتداء والقضاء ونحوها.
وأنت خبير بأنّه لمترد كبرى شرعيّة بـ «أنّ الوضوء باق مع عدم النوم»،وإنّما هو حكم عقلي مستفاد من أدلّة ناقضيّة النوم، كقول أبي عبداللّه عليهالسلام :«لاينقض الوضوء إلاّ ما خرج من طرفيك أو النوم»(2)، فيحكم العقل بأنّالوضوء إذا تحقّق وكانت نواقضه محصورة في اُمور غيرمتحقّقة وجدانا ـ إلالنوم المنفي بالأصل ـ هو باق، فالشكّ في بقاء الوضوء وإن كان مسبّبا عنالشكّ في تحقّق النوم، لكنّ أصالة عدم النوم لاترفع ذلك الشكّ إلاّ بالأصلالمثبت».
وحاصل كلامه: أنّ ترتّب الوضوء على عدم النوم لايكون مسبّبا وأثرشرعيّا مأخوذا في الأدلّة الشرعيّة، بل يحكم العقل بعد عدم تحقّق النوم قطع
- (2) الوسائل 1: 248، الباب 2 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 1.