فالمراد بـ «اليقين» ـ كما في «اليقين» الوارد في الموثّقة الآتية على ما صرّح بهالسيّد المرتضى قدسسره (1)، واستفيد من قوله في أخبار الاحتياط: «إن كنت قدنقصت فكذا، وإن كنت قد أتممت فكذا»(2) ـ هو اليقين بالبراءة، فيكون المرادوجوب الاحتياط وتحصيل اليقين بالبراءة، بالبناء على الأكثر وفعلِ صلاةٍمستقلّةٍ قابلةٍ لتدارك ما يحتمل نقصه.
وقد اُريد من «اليقين» و«الاحتياط» في غير واحد من الأخبار هذا النحومن العمل، منها قوله: في الموثّقة الآتية: «إذا شككت فابن على اليقين».
فهذه الأخبار الآمرة بالبناء على اليقين وعدم نقضه، يراد منها البناء على مهو المتيقّن من العدد، والتسليم عليه مع جبره بصلاة الاحتياط، ولهذا ذكر فيغيرواحد من الأخبار ما يدلّ على أنّ هذا العمل محرز للواقع، مثل قوله عليهالسلام :«ألا اُعلّمك شيئا إذا صنعته، ثمّ ذكرت أنّك نقصت أو أتممت لميكن عليكشيء»(3).
وعلى هذا المعنى لاربط للرواية بالاستصحاب أصلاً.
والشكّ في إتيانها، وقوله: «قام فأضاف إليها اُخرى» مطلق لايدلّ على إتيانالركعة المشكوكة متّصلة أو منفصلة، ولا مانع من تقييده بالروايات الواردة فيباب الشكّ من الاحتياط بالبناء على الأكثر والإتيان بالمشكوك بعد التسليممفصولة، فدلالة الرواية على الاستصحاب وموافقتها مع مذهب الخاصّةلاإشكال فيها.
ويرد عليه: أنّ معنى دلالة قوله: «لاينقض اليقين بالشكّ» علىالاستصحاب هو عدم الإتيان بالركعة المشكوكة في صورة الشكّ، فلابدّ منالإتيان بها متّصلة، وهو موافق لمذهب العامة، فكيف يمكن الجمع بين الروايةالصحيحة والروايات الواردة في الباب بالإطلاق والتقييد بعد منافاتهما منحيث الدلالة بالاتّصال والانفصال؟
ومنها: ما ذكره اُستاذنا السيّد الإمام قدسسره بقوله: «وهو أن يراد من اليقينوالشكّ في جميع الجمل نفس حقيقتهما الجامعة بين الخصوصيّات والأفراد كمهو ظاهرهما، ولا ينافي ذلك اختلاف حكمهما باختلاف الموارد.
فيقال: إنّ طبيعة اليقين لاتنقض بالشكّ، ولعدم نقضها به فيما نحن فيهمصداقان:
الأوّل: عدم نقض اليقين بالركعات المحرزة وعدم إبطالها لأجل الشكّ فيالركعة الزائدة.
والثاني: عدم نقض اليقين بعدم الركعة الرابعة بالشكّ في إتيانها، وكلاهمداخلان تحت حقيقة عدم نقض اليقين بالشكّ.
وعدم إدخال حقيقة الشكّ في اليقين، وعدم خلط أحدهما بالآخر له أيضمصداقان:
أحدهما: عدم الاكتفاء بالركعة المشكوك فيها من تدارك.
(صفحه130)
وثانيهما: عدم إتيان الركعة المضافة المشكوك فيها متّصلة بالركعاتالمحرزة.
هذا إذا لمنقل بظهور النهي عن الإدخال والخلط في الفصل الاختياري، وإليكون له مصداق واحد.
«ولكنّه ينقض الشكّ باليقين» بالإتيان بالركعة المتيقّنة، وعدم الاعتدادبالمشكوك فيها.
«ويتمّ على اليقين» بإتيان الركعة اليقينيّة، وعدم الاعتداد بالمشكوك فيها.
و«لا يعتدّ بالشكّ في حال من الحالات» وعدم الاعتداد به فيما نحن فيه هوبالبناء على عدم الركعة المشكوك فيها، والإتيان بالركعة.
وعلى هذا تكون الرواية مع تعرّضها للمذهب الحقّ ـ أي الإتيان بالركعةمنفصلة ـ متعرّضة لعدم إبطال الركعات المحرزة، واستصحاب عدم الركعةالمشكوك فيها، وتكون على هذا من الأدلّة العامة لحجّيّة الاستصحاب».
ثمّ ذكر قدسسره مؤيّدات ومرجّحات لبيانه، وقال: «وهذا الاحتمال أرجح منسائر الاحتمالات؛ أمّا أوّلاً فلعدم التفكيك حينئذٍ بين الجمل؛ لحمل الروايةعلى بيان قواعد كلّيّة، هي عدم نقض اليقين بالشكّ، وعدم إدخال الشكّ فياليقين ونقض الشكّ باليقين، وعدم الاعتداد بالشكّ في حال من الأحوال،وهي قواعد كلّيّة يفهم منها حكم المقام لانطباقها عليه.
وأمّا ثانيا فلحفظ ظهور اللام في الجنس، وعدم حملها على العهد، وحفظظهور اليقين بإرادة نفس الحقيقة، لا الخصوصيّات والأفراد.
وأمّا ثالثا فلحفظ الظهور السياقي؛ فإنّ الظاهر أنّ قوله: «لاينقض اليقينبالشكّ» في جميع الروايات يكون بمعنى واحد، هو عدم رفع اليد عن اليقينبمجرّد الشكّ، والاستصحاب أحد مصاديق هذه الكلّيّة، تأمّل.