والثاني: عدم نقض اليقين بعدم الركعة الرابعة بالشكّ في إتيانها، وكلاهمداخلان تحت حقيقة عدم نقض اليقين بالشكّ.
وثانيهما: عدم إتيان الركعة المضافة المشكوك فيها متّصلة بالركعاتالمحرزة.
هذا إذا لمنقل بظهور النهي عن الإدخال والخلط في الفصل الاختياري، وإليكون له مصداق واحد.
«ولكنّه ينقض الشكّ باليقين» بالإتيان بالركعة المتيقّنة، وعدم الاعتدادبالمشكوك فيها.
«ويتمّ على اليقين» بإتيان الركعة اليقينيّة، وعدم الاعتداد بالمشكوك فيها.
و«لا يعتدّ بالشكّ في حال من الحالات» وعدم الاعتداد به فيما نحن فيه هوبالبناء على عدم الركعة المشكوك فيها، والإتيان بالركعة.
وعلى هذا تكون الرواية مع تعرّضها للمذهب الحقّ ـ أي الإتيان بالركعةمنفصلة ـ متعرّضة لعدم إبطال الركعات المحرزة، واستصحاب عدم الركعةالمشكوك فيها، وتكون على هذا من الأدلّة العامة لحجّيّة الاستصحاب».
ثمّ ذكر قدسسره مؤيّدات ومرجّحات لبيانه، وقال: «وهذا الاحتمال أرجح منسائر الاحتمالات؛ أمّا أوّلاً فلعدم التفكيك حينئذٍ بين الجمل؛ لحمل الروايةعلى بيان قواعد كلّيّة، هي عدم نقض اليقين بالشكّ، وعدم إدخال الشكّ فياليقين ونقض الشكّ باليقين، وعدم الاعتداد بالشكّ في حال من الأحوال،وهي قواعد كلّيّة يفهم منها حكم المقام لانطباقها عليه.
وأمّا ثانيا فلحفظ ظهور اللام في الجنس، وعدم حملها على العهد، وحفظظهور اليقين بإرادة نفس الحقيقة، لا الخصوصيّات والأفراد.
وأمّا ثالثا فلحفظ الظهور السياقي؛ فإنّ الظاهر أنّ قوله: «لاينقض اليقينبالشكّ» في جميع الروايات يكون بمعنى واحد، هو عدم رفع اليد عن اليقينبمجرّد الشكّ، والاستصحاب أحد مصاديق هذه الكلّيّة، تأمّل.
(صفحه 131)
نعم، لايدخل الشكّ الساري فيها؛ لأنّ الظاهر فعليّة الشكّ واليقين، كما فيالاستصحاب وفي الركعات الغير المنقوضة بالركعة المشكوك فيها، وأمّا فيالشكّ الساري فلا يكون اليقين فعليّا» هذا تمام كلامه قدسسره .
والتحقيق: أنّ هذا البيان مع دقّته لايخلو عن إشكال؛ فإنّا ذكرنا أنّ قوله:«لاتنقض اليقين بالشكّ» حكم من أحكام نفس اليقين والشكّ بلادخلللمتيقّن وقابليّته للاستمرار وعدمه في هذا الحكم، ومعناه ـ على ما ذكرهالمحدّث الكاشاني قدسسره في هذه الرواية ـ أن لايبطل الركعات المتيقّنة بالشكّ فيإتيان الركعة الرابعة.
ولا يمكن استعمال كلمة «اليقين» في الجملة الواحدة في نفس اليقين بما هويقين وفي المتيقّن ـ أي الركعات المحرزة ـ وإن كان المراد من اليقين جنسهوطبيعته؛ لعدم تحقّق قدر الجامع بين المصداقين المذكورين في كلامه.
ومنها: ماذكره بعض الأعاظم، وهو أنّ معنى قوله: «لاينقض اليقينبالشكّ» هو استصحاب عدم الإتيان بالركعة الرابعة، ولازم ذلك الإتيان بهمتّصلة، إلاّ أنّ المصلّي في صورة اليقين بعدم الإتيان بها لابدّ له من الإتيان بهمتّصلة، وفي صورة الشكّ لابدّ له من ملاحظة الروايات الواردة في باب صلاةالاحتياط الدالّة على إتيانها منفصلة.
فيكون موضوع صلاة الاحتياط مركّب من الجزئين:
أحدهما: الشكّ في إتيان الركعة الرابعة.
وثانيهما: عدم الإتيان بالركعة الرابعة، والأوّل محرز بالوجدان، والثانيمحرز بالاستصحاب، فبعد تحقّق كلا الجزئين يجب الإتيان بالركعة المشكوكةمنفصلة.
ويؤيّد هذا المعنى بظهور قوله: «لايدخل الشكّ في اليقين»، وقوله:
(صفحه132)
«لايخلط أحدهما بالآخر» في الانفصال، فلا إشكال في دلالة الرواية علىالاستصحاب وعلى مذهب الحقّ»(1).
ويرد عليه: أوّلاً: ـ بعد ما قال في جواب صاحب الكفاية قدسسره فليس التنافيبين الصحيحة على تقدير دلالتها على الاستصحاب وبين الروايات الاُخربالإطلاق والتقييد حتّى يجمع بينهما بتقييد الصحيحة بها، بل التباين؛ لدلالةالصحيحة على وجوب الإتيان بركعة اُخرى متّصلة، والروايات الاُخر علىوجوب الإتيان بها منفصلة ـ أنّ كون عدم الإتيان بالركعة الرابعة جزءالموضوع لانفصال الركعة مع كونه تمام الموضوع لاتّصال الركعة ـ كما هوالظاهر من الإشكال على المحقّق الخراساني قدسسره ـ كيف يتصوّر؟ وكيف يمكنالجمع بين كون شيء واحد جزء الموضوع لإتيان الركعة منفصلة وتمامالموضوع لضدّه؟
وثانياً: أنّ جعل الشكّ جزء الموضوع لصلاة الاحتياط واستصحاب عدمالإتيان جزء آخر ليس بصحيح؛ فإنّ الاستصحاب حكم مترتّب على الشكّومتأخّر عنه، لا أنّه واقع في عرضه، ومعلوم أنّ الحكم والموضوع متغايرانمن حيث الرتبة ولا يمكن جعلهما في رتبة واحدة.
والتحقيق في الرواية ـ بعد ملاحظة المعاني والاحتمالات ـ : أنّه لاتقيّة فيهأصلاً، والشاهد عليه: أوّلاً: بيان الإمام عليهالسلام ـ بعد الجواب عن سؤال زرارة فرعا آخر من قِبَل نفسه بقوله: «وإذا لميدر في ثلاث أو في أربع وقد أحرزالثلاث، قام فأضاف إليها اُخرى»، وهذا لايناسب مقام التّقية.
وثانياً: أنّ قوله: «قام فأضاف إليها اُخرى» ليس بمعنى القيام من القعود؛ إذيمكن أن يتحقّق الشكّ بين الثلاث والأربع في حال القيام، بل بمعنى الابتداء في
(صفحه 133)
العمل الجديد بعد الفراغ عن العمل السابق، فهذا شاهد على الإتيان بالركعةمنفصلة.
ثمّ إنّ قوله: «ولا ينقض اليقين بالشكّ، ولا يدخل الشكّ في اليقين، ولا يخلطأحدهما بالآخر» تعبيرات مختلفة بالنسبة إلى الاستصحاب، وتوهّم ارتباطقوله: «لايدخل» وقوله «لايخلط» بغير الاستصحاب لايناسب قوله: «ولكنّهينقض الشكّ باليقين»؛ لبداهة ارتباطه بالاستصحاب، ولا معنى لذكرالجملتين الغير المرتبطين بين ما يرتبط به.
فالحاصل: أنّ هذه الجملات وما في قوله: «ويتمّ على اليقين فيبني عليه، وليعتدّ بالشكّ في حال من الحالات» مربوط بالاستصحاب بلااختلاف فيها، فلشبهة في دلالة الرواية على الاستصحاب.
ومنها: موثّقة إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن عليهالسلام قال: «إذا شككت فابنعلى اليقين». قلت: هذا أصل؟
قال: «نعم»(1).
ودلالتها على الاستصحاب ظاهرة؛ لظهورها في فعليّة الشكّ واليقين معوحدة المتعلّق، فلا تنطبق إلاّ على الاستصحاب؛ إذ المراد منها البناء علىالمتيقّن والإتيان بالمشكوك فيها منفصلة، لأجل الأخبار الخاصّة، ولاختصاص لها بالشكّ في عدد الركعات، بل قاعدة كلّيّة في باب الصلاة وغيرهممّا شكّ فيه، فإنّ الاختصاص يوجب الالتزام إمّا بحملها على التقيّة، وإمّبدلالتها على عدم الإتيان بالركعة المشكوكة وإتيانها منفصلة بالأدلّةالخاصّة، والأوّل خلاف الظاهر، والثاني ممّا لاينافي الاستصحاب.
وليس المراد من اليقين هو اليقين بالبراءة بالبناء على الأكثر، والإتيان
- (1) وسائل الشيعة 5: 318، الباب 8 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الحديث 2.