(صفحه134)
بالمشكوك فيها منفصلة على ماذكره الشيخ قدسسره ؛ إذ مع كونه خلاف الظاهر تحقّقفي نفس الموثّقة ظهور في أنّ المراد من اليقين هو اليقين الموجود، لاتحصيلاليقين فيما بعد؛ فإنّ قوله: «فابن على اليقين» أمر بالبناء على اليقين، لا أمربتحصيل اليقين.
فدلالتها على الاستصحاب ممّا لا إشكال فيه.
ومنها: ما عن الخصال بسنده عن محمّد بن مسلم عن أبي عبداللّه عليهالسلام قال:«قال أمير المؤمنين عليهالسلام : من كان على يقين فشكّ فليمض على يقينه؛ فإنّ الشكّلاينقض اليقين»(1).
وفي نسخة اُخرى: «من كان على يقين فأصابه شكّ فليمض على يقينه، فإنّاليقين لايدفع بالشكّ»(2).
واستشكل في دلالتها على حجّيّة الاستصحاب بأنّ صريحها سبق زماناليقين على زمان الشكّ، فهي دليل على قاعدة اليقين؛ لاعتبار تقدّم اليقين علىالشكّ فيها، كأنّه قال: «من كان على يقين فتبدّل يقينه إلى الشكّ» بخلافالاستصحاب، فإنّ المعتبر فيه كون المتيقّن سابقا على المشكوك فيه، أمّا اليقينوالشكّ فقد يكونان متقارنين في الحدوث، كحصول اليقين عند الغروببطهارة الثوب عند الزوال، والشكّ في بقائها الآن، بل قد يكون الشكّ سابقعلى اليقين كالشكّ في نجاسة الثوب عند الغروب بدون الالتفات إلى نجاستهوطهارته عند الزوال، وبعد مضي زمان يحصل له اليقين بأنّه كان نجسا عندالزوال، فلا ترتبط الرواية بالاستصحاب.
وأجاب عنه صاحب الكفاية بماحاصله: أنّ اليقين طريق إلى المتيقّن،
- (1) الخصال: 619، الوسائل 1: 175، الباب 1 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 6.
- (2) الإرشاد للمفيد: 159، مستدرك الوسائل 1: 228، الباب 1 من أبواب الوضوء، الحديث 4.
(صفحه 135)
والمتداول في التعبير عن سبق المتيقّن على المشكوك فيه هو التعبير بسبقاليقين على الشكّ؛ لما بين اليقين والمتيقّن من نحو من الاتّحاد، فالمراد هو سبقالمتيقّن على المشكوك فيه(1).
ولكنّه ليس بتامّ؛ إذ قلنا سابقا: إنّ قوله: «لاينقض اليقين بالشكّ» فيصحيحة زرارة نظير قولنا: «اليقين حجّة»، كما أنّ الحجّيّة وصف عارض علىنفس اليقين، لا على المتيقّن كالطهارة والعدالة ونحو ذلك، كذلك عدم جوازالنقض حكم عارض على نفس اليقين والشكّ، لا على المتيقّن. وكذا في هذهالرواية لا دليل على كون اليقين والشكّ بمعنى المتيقّن والمشكوك وإن كان بينهمنحو من الاتّحاد، واليقين هو اليقين الطريقي، ولكن لا مناسبة لأن يكون التقدّموالتأخّر الزماني بالنسبة إلى المتيقّن والمشكوك.
والتحقيق في الجواب أنّه: سلمنا ظهور قوله: «من كان على يقين فشكّ» فيتقدّم زمان اليقين على الشكّ، وهذا يتحقّق في قاعدة اليقين دون الاستصحاب،ولكنّه مذيّل بقوله: «فليمض على يقينه»، ومعلّل بقوله: «فإنّ الشكّ لاينقضاليقين»، والحكم يدور مدار التعليل، والظاهر منه فعليّة اليقين والشكّ في آنواحد، فكأنّه قال: «لاينقض بالشكّ الفعلي اليقين الفعلي»، وهذا الكلام ظاهرفي الاستصحاب لا الشكّ الساري، وظهور التعليل مقدّم على ظهور صدرالرواية، فلا مانع من دلالتها على الاستصحاب.
ولكنّ الرواية ضعيفة غيرقابلة للاستدلال بها؛ لكون قاسم بن يحيى فيسندها، ولم يوثّقه الرجاليّون، بل ضعّفه العلاّمة.
ومنها: مكاتبة عليّ بن محمّد القاساني، قال: كتبت إليه وأنا بالمدينة عناليوم الذي يشكّ فيه من رمضان، هل يصام أم لا؟ فكتب: «اليقين لايدخله
- (1) كفاية الاُصول 2: 296.
(صفحه136)
الشكّ، صم للرؤية وأفطر للرؤية»(1).
ويرد عليها: أوّلاً: كونها مضمرة مع أنّ المكاتبة بلحاظ بقائها بعنوان السندأقرب إلى التقيّة وشبهها بخلاف القول؛ فإنّه يوجد وينعدم.
وثانياً: أنّ الراوي عليّ بن محمّد القاساني من أصحاب الإمام الهادي عليهالسلام بلحاظ رواية محمّد بن حسن الصفّار عنه، وضعّفه أعاظم الرجاليّين، لا عليّبن محمّد بن شيرة القاساني الموثّق.
قال الشيخ الأنصاري قدسسره : «والإنصاف أنّ هذه الرواية أظهر ما في هذالباب من أخبار الاستصحاب، إلاّ أن سندها غيرسليم»(2).
وأنكر المحقّق الخراساني قدسسره دلالتها عليه، فضلاً عن أظهريّتها(3).
ويحتمل أن يكون مقصود السائل من يوم الشكّ مطلق يوم الشكّ، سواءكان من آخر شعبان أو آخر رمضان، ويحتمل أن يكون المراد يوم الشكّ بينشعبان ورمضان، أو بين رمضان وشوّال، ولكنّ الظاهر من قول السائل: «هليصام أم لا؟» هو يوم الشكّ بين شعبان ورمضان، ولو كان المراد يوم الشكّبين رمضان وشوّال فلابدّ من السؤال بأنّه: هل الصيام فيه واجب أم حرام؟
واستدلّ الشيخ قدسسره بأنّ تفريع تحديد كلّ من الصوم والإفطار ـ برؤية هلاليرمضان وشوّال ـ على قوله: «اليقين لايدخله الشكّ» لايستقيم، إلاّ بإرادة عدمجعل اليقين السابق مدخولاً بالشكّ، أي مزاحما به، فدلالتها علىالاستصحاب أظهر من روايات الباب.
وقال المحقّق الخراساني قدسسره : إنّ مراجعة الأخبار الواردة في يوم الشكّ يشرفالقطع بأنّ المراد باليقين هو اليقين بدخول شهر رمضان، وأنّه لابدّ في وجوب
- (1) الوسائل 7: 184، الباب 3 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 13.
- (3) كفاية الاُصول 2: 296.
(صفحه 137)
الصوم ووجوب الإفطار من اليقين بدخول شهر رمضان وخروجه، وأين هذمن الاستصحاب؟
فراجع ما عقد في الوسائل(1) لذلك من الباب تجده شاهدا عليه.
وقال المحقّق النائيني رحمهالله تأييدا لصاحب الكفاية قدسسره : أنّه يمكن أن يكون المرادمن اليقين هو اليقين بدخول رمضان، فيكون المعنى: إنّ اليقين بدخول رمضانالذي يعتبر في صحّة الصوم لايدخله الشكّ في دخوله، ومعناه: أنّه لايجوزصوم يوم الشكّ من رمضان، وقد تواترت الأخبار على اعتبار اليقين بدخولرمضان فيصحّةالصوم، وعلى هذاتكونالرواية أجنبيّة عن باب الاستصحاب.
والتحقيق: أن مراجعة الأخبار الواردة في الباب يوجب القطع بموضوعيّةاليقين بالنسبة إلى دخول شهر رمضان، لا بالنسبة إلى خروجه، ويستكشفمن ذلك أنّ تفريع قوله: «صم للرؤية وأفطر للرؤية» في سياق واحد على قوله:«اليقين لايدخله الشكّ» لاينطبق إلاّ على الاستصحاب، وأنّه لاترتبط هذهالرواية بسائر الروايات.
ولا منافاة بين موضوعيّة اليقين بدخول شهر رمضان في سائر الرواياتواستفادة استصحاب عدم دخول شهر رمضان بعنوان القاعدة الكلّيّة من هذهالرواية، وهكذا بالنسبة إلى عدم خروجه.
ولا فرق بين قوله: «اليقين لاينقض بالشكّ» وقوله: «اليقين لايدخلهالشكّ»، كما قلنا في الصحيحة الثالثة أنّ قوله: «لاينقض اليقين بالشكّ» وقوله:«لايدخل الشكّ في اليقين»، وقوله «لايخلط أحدهما بالآخر» عبارات شتّىبمعنى واحد.
فهذه الرواية مع ضعف سندها ظاهرة في الاستصحاب، لكنّ بعض
- (1) الوسائل 7: 182، الباب 3 من أبواب أحكام شهر رمضان.
(صفحه138)
الروايات المتقدّمة مثل صحيحة زرارة الاُولى أظهر منها.
تذييل
حول الاستدلال بأدلّة قاعدتي الحلّيّة والطهارة على الاستصحاب وجوابه:
ربما يستدلّ على اعتبار الاستصحاب بقوله: «كلّ شيء نظيف حتّى تعلم أنّهقذر، فإذا علمت فقد قذر، وما لمتعلم فليس عليك»(1)، وقوله: «الماء كلّه طاهرحتّى يعلم أنّه قذر»(2)، وقوله: «كلّ شيء هو لك حلال حتّى تعلم أنّه حرام بعينهفتدعه من قبل نفسك»(3).
وفي معنى الروايات احتمالات:
الأوّل: مايستفاد من كلام المشهور، وهو أنّ الغاية فيها ـ أي «حتّى تعلم» قيد للموضوع ـ أي قوله: «كلّ شيء» وقوله: «الماء» ـ والحكم فيها يترتّبعلى الموضوع المقيّد، فالموضوع في الحقيقة ليس الأشياء بعناوينها الواقعيّة، بلبوصف كونها غيرمعلومة الطهارة والحرمة، فالمستفاد منها: أنّ كلّ شيء قبلأن يكون معلوم الحرمة فهو حلال، وكلّ شيء قبل أن يكون معلوم النجاسةفهو طاهرٌ، والغاية تهدينا إلى هذا المعنى، فلا ربط للروايات بالاستصحابولا تكون مبيّنة للأحكام الواقعيّة، فإنّها في مقام جعل قاعدتي الطهارةوالحلّيّة في مورد الشكّ فيهما.
الاحتمال الثاني: مايستفاد من كلام المحقّق الخراساني قدسسره فقد ذهب فيالكفاية إلى دلالة صدر الروايات على الحكم الواقعي، ودلالة غايتها علىالاستصحاب، وفي «تعليقته» إلى دلالة الصدر على الحكم الواقعي وقاعدة
- (1) الوسائل 2: 1054، الباب 37 من أبواب النجاسات، الحديث 4.
- (2) الوسائل 1: 100، الباب 1 من أبواب الماء المطلق، الحديث 5.
- (3) الوسائل 12: 60، الباب 4 من أبواب مايكتسب به، الحديث 4.