(صفحه192)
لاوجود لها، بل ما هو الموجود هو الحركة القطعيّة والزمان، لكنّ نحو وجودهيكون بالامتداد التصرّمي والاستمرار التجدّدي، فلا إشكال في صدق البقاءعرفا على استمرار النهار والليل وكذا الحركات، فإذا تحرّك شيء تكونحركته موجودة باقية عرفا إلى انقطاعها بالسكون، ولا تكون الحركة مجموعدقائق وساعات منضمّ بعضها إلى بعض، وهذا ممّا لا إشكال فيه.
إنّما الإشكال في كونه مثبتا، فإنّ استصحاب بقاء النهار أو الليل،لايثبتكون الجزء المشكوك فيه متّصفا بكونه من النهار أو الليل، حتّى يصدق علىالفعل الواقع فيه أنّه واقع في الليل أو النهار، إلاّ على القول بالأصل المثبت، فإنّوقوع الإمساك في النهار أو الليل لازم عقلي لبقاء النهار.
ولذا عدل الشيخ قدسسره عن جريان الاستصحاب في الزمان في مثله إلى جريانهفي الحكم، بأن نقول بعد الشكّ في بقاء النهار: إنّ وجوب الإمساك الواقع فيالنهار كان ثابتا قبل هذا، فالآن كما كان(1).
وعدل صاحب الكفاية قدسسره أيضا عن جريان الاستصحاب في الزمان، وفيالحكم إلى جريانه في فعل المكلّف المقيّد بالزمان، بأن يقال بعد الشكّ في بقاءالنهار: إنّ الإمساك قبل هذا كان واقعا في النهار، والآن كما كان(2).
فلابدّ لنا من ملاحظة أنّ استصحاب بقاء النهار مثبت أم لا؟ وعلى فرضمثبتيّته هل يكفي ماذكره العلمين لحلّ الإشكال أم لا؟
والتحقيق: أنّ ما ذكره الشيخ قدسسره لايكون جوابا عن الإشكال؛ إذ المشكوكلنا ليس وجوب الإمساك في النهار؛ لكونه متيقّنا أبدا، وما هو المشكوك أنّهذا الزمان من الليل أو النهار؟ ولا يمكن باستصحاب بقاء وجوب الإمساك
- (2) كفاية الاُصول 2: 317.
(صفحه 193)
في النهار إثبات كون الإمساك في هذه اللحظة المشكوكة في النهار؛ إذ لايمكنللحكم إثبات موضوعه؛ لتقدّمه عليه رتبة.
وما ذكره صاحب الكفاية قدسسره من الاستصحاب وإن كان جاريا في مثلالإمساك إلاّ أنّه غير جارٍ في جميع موارد الشكّ في الزمان، فإنّ من أخّر صلاةالظهرين حتّى شكّ في بقاء النهار لايمكنه إجراء الاستصحاب في الفعل، بأنيقال: الصلاة قبل هذا كانت واقعة في النهار والآن كما كانت؛ إذ المفروض أنّالصلاة لمتكن موجودة إلى الآن.
الّلهمّ إلاّ أن يتشبّث بذيل الاستصحاب التعليقي، فيقال: لو أتى بالصلاة قبلهذا لكانت واقعة في النهار، فالآن كما كانت، ولكنّ الاستصحاب التعليقي مععدم صحّته في نفسه مختصّ عند قائله بالأحكام، مثل العصير العنبي إذا غلىينجس، فلا يجري في الموضوعات كما يأتي التعرّض له قريبا إن شاء اللّه تعالى.
ولكن يستفاد من روايات باب الاستصحاب أنّه لا إشكال في جرياناستصحاب بقاء النهار، فإنّ استصحاب بقاء الطهارة يستفاد من قوله عليهالسلام :«فإنّه على يقين من وضوئه، ولا ينبغي له أن ينقض اليقين بالشكّ»(1)، مع أنّالمأمور به عبارة عن الصلاة مع الطهارة، ولا يثبت باستصحاب بقاء الطهارةوقوع الصلاة في حال الطهارة إلاّ بالأصل المثبت، فإنّ معنى قوله: «صلّ معالطهارة ـ مثلاً ـ لاتكون الصلاة المتّصفة بكونها واقعة في حال الطهارة، بلمعناه أنّ الواجب هو مركّب عن الصلاة والطهارة في حال الصلاة، وبعد الشكّفي الطهارة وإتيان الصلاة بالطهارة المستصحبة يحرز أحد الجزئين بالوجدانوهو الصلاة، والآخر بالتعبّد وهو الطهارة، وهكذا في ما نحن فيه يحرزالإمساك بالوجدان وبقاء النهار بالاستصحاب، وقد ثبت في محلّه كفاية كون
- (1) الوسائل 2: 175، الباب 1 من أبواب نواقض الوضوء، الحديث 1.
(صفحه194)
المستصحب جزء الموضوع للحكم الشرعي؛ لجريان الاستصحاب، فبقاءالنهار بعنوان جزء الموضوع للحكم الشرعي يمكن جريان الاستصحاب فيه.
ثمّ إنّ ما ذكرناه في الزمان يتحقّق في الحركة أيضا من تحقّق التصرّموالتدرّج في ذاتها، وكيفيّة وجودها كذلك لاينافي البقاء والاستمرار، بل هيموجود قابل للبقاء والدوام عرفا وعقلاً، ولذا لا إشكال في جريانالاستصحاب فيها في صورة الشكّ في بقائها، مثلاً: حركة زيد من المنزل إلىالمدرسة وجود واحد متصرّم ومستمرّ، ففي صورة الشكّ فيها يجريالاستصحاب لترتّب الأثر الشرعي عليها.
استصحاب الزمانيّات
قال اُستاذنا السيّد الإمام قدسسره : «وأمّا غير الحركة من الزمانيّات المتصرّمةالمتقضّية فهي على أقسام:
منها: ما يكون تصرّمه وتقضّيه ممّا لايراه العرف، بل يكون بنظرهم ثابتكسائر الثابتات، كشعلة السراج التي يراها العرف باقية من أوّل الليل إلىآخره من غيرتصرّم وتغيّر، مع أنّ الواقع خلافه، وكشعاع الشمس الواقع علىالجدار الذي يرونه ثابتا غيرمتغيّر.
ومنها: مايرى العرف تصرّمه وتغيّره، لكن يكون نحو بقائه كبقاء نفسالزمان والحركة ممّا يكون واحدا عقلاً وعرفا وإن كانت وحدته وبقاؤه بعينتصرّمه وتقضّيه، كصوت ممتدّ مثل الرعد وأمثاله.
ومنها: ما تكون وحدته وبقاؤه بنحو من الاعتبار، مثل ما فرضه الشيخالأنصاري قدسسره بالنسبة إلى الزمان والزمانيّات مطلقا.
ولعلّ هذا الاعتبار محتاج إليه في هذا القسم، وهو مثل التكلّم وقرعات
(صفحه 195)
النبض والساعة، [والصلاة المركّبة من المقولات المختلفة].
ولا إشكال في جريان الاستصحاب في الأوّل منها، سواء جرى في الزمانوالحركة أم لا، والقسم الثاني حاله حال نفس الزمان والحركة، وقد عرفتجريانه فيهما من غير احتياج إلى الاعتبار الذي اعتبره الشيخ الأعظم.
والقسم الثالث أسوء حالاً من الزمان والحركة، وإن كان الأقوى جريانهفيه أيضا؛ لمساعدة العرف في صدق البقاء، وأنّ رفع اليد عنه هو نقض اليقينبالشكّ، وهذا ممّا لا شبهة فيه، لكنّ الظاهر أنّه من قبيل القسم الثاني من القسمالثالث من الكلّي»(1).
وقد عرفت أنّ القسم الثاني منه ما إذا علمنا بوجود زيد في الدار وخروجهمنها، واحتمال دخول عمرو فيها مقارنا لخروج زيد منها، وقلنا بجرياناستصحاب كلّي الإنسان فيه دون استصحاب الفرد، وهكذا في ما نحن فيه،فإنّ التكلّم في مجلس وعظ واحد عبارة عن وجودات وأفراد متعدّدة منالتكلّم، وفي صورة الشكّ في بقاء واعظ في حال التكلّم وعدمه علمنا بتحقّقأفراد من التكلّم وانعدامها، ونحتمل تحقّق أفراد اُخرى من طبيعة التكلّممقارنة لانعدامها، فنستصحب بقاء كلّي التكلّم دون بقاء الأفراد؛ لترتّب الأثرالشرعي عليه.
والقسم الآخر من الزماني وهو ما يكون له الثبات في نفسه، ولكنّه قيّدبالزمان في لسان الدليل، كالإمساك المقيّد بالنهار، فقد يكون الشكّ فيه منجهة الشبهة الموضوعيّة، وقد يكون من جهة الشبهة الحكميّة؛ أمّا القسم الأوّلفتارة يكون الفعل فيه مقيّدا بعدم مجيء زمان، كما إذا كان الإمساك مقيّدا بعدمغروب الشمس أو كان جواز الأكل والشرب في شهر رمضان مقيّدا بعدم
(صفحه196)
طلوع الفجر.
وعليه فلا إشكال في جريان الاستصحاب العدمي، فباستصحاب عدمغروب الشمس يحكم بوجوب الإمساك، كما أنّه باستصحاب عدم طلوعالفجر يحكم بجواز الأكل والشرب.
واُخرى يكون الفعل مقيّدا في لسان الدليل بوجود الزمان لابعدم ضدّه، كمإذا كان الإمساك مقيّدا بالنهار وجواز الأكل والشرب مقيّدا بالليل، فيجريالاستصحاب في نفس الزمان على ما تقدّم من الإشكال والجواب.
وأمّا القسم الثاني ـ وهو ما كان الشكّ فيه في بقاء الحكم لشبهة حكميّة فقد يكون الشكّ فيه لشبهة مفهوميّة، كما إذا شككنا في أنّ الغروب الذي جعلغاية لوجوب الإمساك هل هو عبارة عن استتار القرص، أو ذهاب الحمرةالمشرقيّة؟
وقد يكون الشكّ فيه لتعارض الأدلّة كما في آخر وقت العشائين، لتردّدهبين انتصاف الليل كما هو المشهور، أو طلوع الفجر كما ذهب إليه بعض، معالالتزام بحرمة التأخير عمدا عن نصف الليل.
وكيف كان، فذهب الشيخ قدسسره ـ وتبعه جماعة ممّن تأخّر عنه، منهم صاحبالكفاية قدسسره ـ إلى أنّ الزمان إذا اُخذ قيدا للفعل فلا يجري الاستصحاب فيه، وإذاُخذ ظرفا فلا مانع من جريانه.
فإذا كان الجلوس المقيّد بما قبل الزوال واجبا وشككنا بعد الزوال ببقاءالوجوب وعدمه فلامعنى لاستصحاب وجوب الجلوس؛ فإنّ متعلّق الوجوبعنوان قد ارتفع وانتفى قطعا، والجلوس بعد الزوال عنوان آخر، وإذا كانالجلوس قبلالزوال واجبا بمعنى كونظرف وجوبهعبارة عنقبل الزوال بدونالإثبات أو النفي بالنسبة إلى ما بعد الزوال، فيمكن جريان الاستصحاب في