(صفحه 21)
المعنونات وتكثّرها، وحينئذ فلا يبقى فرق بين القسمين.
وثانياً: لو قطع النظر عن ذلك نقول: إنّ تعلّق العلم الإجمالي بعنوان يوجبتنجيز متعلّقه إذا كان متعلّقه موضوعا للحكم الشرعي، وأمّا إذا لم يكن ممّيترتّب عليه الحكم في الشريعة فلا أثر له بالنسبة إليه، كما في المثال الذيذكره، فإنّ الموضوع للحكم بالحرمة ووجوب نفي البلد ـ مثلاً ـ إنّما هو الحيوانالموطوء بما أنّه موطوء، وأمّا كونه أبيض أو أسود فلا دخل له في ترتّبالحكم، وحينئذ فالعلم الإجمالي بموطوئيّة البيض من هذا القطيع لايؤثّر إلبالنسبة إلى ما علم كونه موطوءا؛ لكونه الموضوع للأثر الشرعي.
وكذا المقام، فإنّا إنّما نكون مأخوذين بالأحكام الواقعيّة الثابتة في الشريعة،وأمّا عنوان كونها مضبوطة في الكتب التي بأيدينا فهو ممّا لاارتباط له بذلكأصلاً، كما هو واضح.
ومن المعلوم أنّ العلم الإجمالي بتلك الأحكام الثابتة في الشريعة يكون منأوّل الأمر مردّدا بين الأقلّ والأكثر، كما أنّ في مثال البيض يكون العلمالإجمالي بالعنوان الموضوع للحكم الشرعي مردّدا بين الأقلّ والأكثر بنفسهومن أوّل الأمر.
وحينئذ نقول: لو صحّ ما ادّعاه من أنّ تعلّق العلم الإجمالي بعنوان يوجبالتّنجز بالنسبة إلى جميع الأفراد الواقعيّة لذلك العنوان يصير القسم الأوّل أيضكالقسم الثاني في عدم الانحلال، بل أولى منه؛ لأنّ العنوان فيه يكون متعلّقللحكم الشرعى بخلاف القسم الثاني.
وثالثاً: أنّ ما أجاب به عن المناقشة الثانية لايتمّ بناءً على مذهبه من أنّالمقام من قبيل القسم الثاني من العلم الإجمالي؛ لأنّ العلم الإجمالي العامّ تعلّقبعنوان «ما في الكتب» أعمّ من الكتب التي بأيدينا، أو بعنوان «ما في الشريعة»
(صفحه22)
وقد فرض أنّ تعلّقه به يوجب تنجّزه بجميع أفراده الواقعيّة، ولا يعرض لهالانحلال وإن تردّد بين الأقلّ والأكثر، كما هو غير خفي.
ثمّ إنّ مثال الطومار الذي ذكره لايكون مرتبطا بالمقام؛ لأنّ وجوبالفحص التامّ في جميع صفحات الطومار ليس من آثار العلم الإجمالي باشتغالذمّته لزيد، بل يجب الفحص فيها ولو بدون العلم الإجمالي وكون الشبهةبدوية، كما سيأتي أنّ هذا المحقّق يلتزم بوجوب الفحص في مثل المثال ولو مععدم العلم الإجمالي، فتدبّر جيّدا(1). إنتهى كلامه رفع مقامه.
ولكن الجواب عن هذا الوجه ما ذكرناه من عدم ارتباطه بالمقام، وبحثشرائط جريان البراءة خارج عن دائرة العلم الإجمالي.
والحاصل: أنّ قاعدة قبح العقاب بلابيان قاعدة عقليّة لاتجري مع عدمالفحص، فالصحيح الاستدلال لذلك بحكم العقل بوجوب الفحص وعدمحكمه بقبح العقاب قبل المراجعة إلى مظانّ ثبوت التكليف وبيانه، ومع ذلك لمجال لدعوى الإجماع القطعي على وجوبه؛ ضرورة أنّه على تقدير ثبوتهلايكون حجّة بعد قوّة احتمال أن يكون مستند المجمعين هو هذا الحكم العقليالضروري، كما أنّ التمسّك بالكتاب والسنّة لذلك نظرا إلى اشتمالها على الأمربالتفقّه والتعلّم ونظائرهما ممّا لايخلو من مناقشة؛ لأنّه من البعيد أن يكونالمقصود منهما هو بيان حكم تأسيسي تعبّدي، بل الظاهر أنّها إرشاد إلى حكمالعقل بذلك.
فالدليل في المقام ينحصر في حكم العقل بعدم جواز القعود عن تكاليفالمولى؛ اعتمادا على البراءة قبل الرجوع إلى مظانّ ثبوته، هذا كلّه بالنسبة إلىأصل وجوب الفحص في جريان البراءة العقليّة في الشبهات الحكميّة.
- (1) معتمد الاُصول 2: 311 ـ 312.
(صفحه 23)
في مقدار الفحص
وأمّا مقداره فالظاهر أنّه يجب إلى حدّ اليأس عن الظفر بالدليل، وهويتحقّق بمراجعة المحالّ التي يذكر فيها أدلّة الحكم غالبا، ولا يجب التفحّص فيجميع الأبواب وإن كان قد يتّفق ذكر دليل مسألة في ضمن مسألة اُخرىلمناسبة، إلاّ أنّ ذلك لندرته لايوجب الفحص في جميع المسائل لأجل الاطّلاععلى دليل مسألة منها، كما لا يخفى.
دليل استحقاق العقوبة على ترك الفحص
ثمّ إنّ المكلّف بعد جريان البراءة بدون التعلّم والفحص يستحقّ العقوبة،ولكنّ البحث في أنّ استحقاق العقوبة يحتمل أن يكون على مخالفة الواقع، أوعلى ترك الفحص والتعلّم أو على ترك الفحص والتعلّم فيما إذا كان الترك مؤدّيإلى مخالفة الواقع لا مطلقا، وجوه، بل أقوال:
أمّا وجه الاحتمال الأوّل فهو أنّ لزوم الفحص والتعلّم عقلاً لايكون لزومنفسيّا، بل كان له عنوان الطريقيّة والمقدّميّة للإيصال إلى الأحكام الواقعيّةالإلهيّة، فيكون استحقاق العقوبة على مخالفة حكم المولى من ارتكاب المحرّمأو ترك الواجب، كما هو واضح.
وأمّا وجه الاحتمال الثاني فهو عبارة عن عدّة من الروايات التي نتعرّضهفي بحث البراءة الشرعيّة إن شاءاللّه.
وأمّا وجه الاحتمال الثالث فهو أنّ بعد ملاحظة أنّه لامعنى للعقوبة على تركالطريق والمقدّمة، ولا معنى للعقوبة على مخالفة الواقع المجهول للمكلّف، نقول:أنّ استحقاق العقوبة يكون على ترك الفحص المؤدّي إلى مخالفة الواقع لمحالة.
(صفحه24)
والجواب عنه: أوّلاً: أنّه لايستفاد الإثبات من ضميمة عدم إلى عدم آخرحتّى نقول بترتّب العقوبة على ترك هذا المجموع.
وثانياً: أنّ استحقاق العقوبة يكون على مخالفة الواقع، فإنّ الجهل بما هولايكون مانعا عن تنجّز الواقع واستحقاق العقاب ما لم يستند إلى البراءةالعقليّة وقاعدة قبح العقاب بلابيان، والمفروض عدم جريانها قبل الفحص.
فما هو المسلّم استحقاق العقوبة على مخالفة الواقع عند تمسّك المكلّفبالبرائة وارتكاب محتمل الحرمة، أو ترك محتمل الوجوب بدون الفحص عنبيان المولى على التكليف.
ولكنّ البحث في أنّ استحقاق العقوبة على المخالفة يكون مطلقا أو في بعضالصور المتصوّرة في المقام؟ إذ الصور المتصوّرة ثلاثة:
الاُولى: إيصال المكلّف بعد الفحص إلى بيان من المولى وأمارة معتبرةظاهرة الدلالة على إثبات التكليف المحتمل.
الثانية: عدم إيصاله إليه نفيا أو إثباتا على فرض تتبّعه وتفحّصه في مظانّوجود الدليل.
الثالثة: إيصاله على فرض الفحص والتتبّع إلى دليل معتبر مخالف للحكمالواقعي.
ربّما يقال: بتحقّق استحقاق العقوبة في جميع الصور الثلاثة، فإنّ تمام الملاكله هو عدم الفحص ومخالفة الواقع ولا عذر للمكلّف في مخالفة التكليفالواقعي، ولا حجّة له لاستناد عمله إليها عقلاً، بل العقل يحكم في الشبهاتالبدويّة قبل الفحص بالاحتياط كحكمه به في الشبهات المقرونة بالعلمالإجمالي، وحكم العقل بلزوم الاحتياط بيان كأنّه صدر من المولى، فاستحقاقالعقوبة أمرٌ موجّه بلافرق بين كون نتيجة الفحص على تقدير الفحص بيان
(صفحه 25)
على ثبوت التكليف أو على عدم التكليف أو اليأس عن الظفر بالدليل.
ولكنّ التحقيق أنّ استحقاق العقوبة منحصر بالصورة الاُولى ـ أي كوننتيجة الفحص هو الإيصال إلى البيان على التكليف ـ فإنّ عدم العذر والحجّةللمكلّف في مقام مخالفة الواقع يتحقّق في هذه الصورة دون غيرها؛ ضرورةعدم البيان على تقدير الفحص، أو وجود الدليل على خلاف الواقع عذرللمكلّف. وإن لم يكن ملتفتا إليه في مقام العمل، فمع تحقّق العذر الواقعيلايتحقّق عنوان المعصية ومخالفة المولى حتّى يترتّب عليه استحقاق العقوبة.نعم، يتحقّق هنا عنوان التجرّي ولكنّه خارج عن البحث، كما لا يخفى.
وأمّا حكم العقل بلزوم الاحتياط في الشبهات البدويّة قبل الفحص فلإشكال فيه، ولكنّه ليس بملاك التحفّظ على الواقع، فإنّ هذا الملاك يتحقّق بعدالفحص أيضا، بل يكون بملاك إمكان تحقّق البيان في مظانّ ثبوته.
ومن هنا يستفاد انحصار استحقاق العقوبة على مخالفة الواقع بصورةمصادفة البيان على التكليف على تقدير الفحص، بخلاف الصورة الثانيةوالثالثة. هذا كلّه في الواجبات المطلقة.
وأمّا في الواجبات المشروطة المحتملة فيقال أيضا: هل يجب الفحص قبلتحقّق الشرط أم لا؟
ربّما يقال بعدم وجوب الفحص فيها، فإنّ وجوب الفحص وجوب مقدّمي،قد ثبت في باب مقدمة الواجب أنّ وجوب المقدّمة تابع لوجوب ذي المقدّمة،فإذا لم يكن وجوب ذي المقدّمة فعليّا كيف يمكن كون الوجوب الغيريالمترشّح منه فعليّا؟ فلا يجب الفحص في الواجبات المشروطة والموءقّتة قبلتحقّق الشرط والوقت على القاعدة، إذ لايجب ذي المقدّمة بعد حتّى تجبمقدّماته التي منها الفحص.