(صفحه222)
وإن شئت قلت: إنّ الشكّ في الطهارة والنجاسة شكّ واحد وحالة ترديديّةواحدة يكون أحد طرفيها الطهارة والآخر النجاسة، فإن قيست هذه الحالةالترديديّة بالنسبة إلى وجود الطهارة وعدمها تكون شكّاً في الطهارة وعدمها،وبالنسبة إلى وجود النجاسة وعدمها تكون شكّاً في النجاسة وعدمها.
وإن قيست بالنسبة إلى الطهاره والنجاسة تكون شكّاً فيهما، فلا تكون فيالنفس إلاّ حالة واحدة ترديديّة، يكون أحد طرفيها الطهارة والآخر النجاسة،فإذا كان مفاد أصل هو الطهارة بلسان الأصل السببي يكون رافعاً للشكّالمتقوّم بطرفي الترديد، فيصير حاكما على الأصل المسببّي.
وما نحن فيه يكون الحال كذلك؛ لأنّ الشكّ في بقاء الإباحة الفعليّة للعصيرالزبيبي المغلي مسبّب عن بقاء القضيّة الشرعيّة التعليقيّة بالنسبة إلى الزبيبقبل غليانه، ولمّا كان التعليق شرعيّاًً تكون فعليّة الحرمة مع فعليّة الغليانبحكم الشرع، كما أشرنا إليه سابقاً، فترتّب الحرمة على العصير المغلي ليسبعقلي، بل شرعي، فحينئذ يكون استصحاب الحرمة التعليقيّة حاكما؛ لأنّالحرمة متحقّقة بالفعل عند الغليان، ومترتّبة على الغليان الفعلي، فيرفع الشكّفي الحرمة والاباحة الفعليّتين؛ لأنّ الشكّ في الحرمة والإباحة متقوّم بطرفيالترديد، فإذا كان لسان جريان الأصل في السبب هو التعبّد بحرمة المغلي يرفعالترديد بين الحرمة والحلّيّة، فيصير الأصل السببي حاكما على المسبّبي(1).
والحاصل: أنّه يترتّب بحكم الشرع على استصحاب الحرمة التعليقيّةالشرعيّة حرمة فعليّة شرعيّة بعد الغليان، كأنّ الشارع حكم بأنّ الزبيب بعدالغليان حرام، فلا مجال هنا لاستصحاب الحلّيّة المطلقة.
ثمّ قال اُستاذنا السيّد الإمام رحمهالله : وإن شئت قلت: إنّ استصحاب الحرمة على
- (1) الاستصحاب: 143 ـ 145.
(صفحه 223)
تقدير الغليان جار قبل حصوله، فيتعبّد لأجله ببقاء المستصحب، وهو الحرمةعلى تقدير غليان عصير الزبيب ـ مثلاً ـ وهذا الحكم التعليقي قبل الغليان وإنكان ثابتاً لعصير الزبيب الذي شكّ في حكمه لكن لسان المستصحب هو حرمةالعصير على فرض الغليان لا حرمة المغلي المشكوك فيه، فإذا حصل الغليانيكون لسان الدليل الاجتهادي المستصحب بضميمة الوجدان هو حرمةالمغلي، لا المغلي المشكوك فيه، واستصحاب الحلّيّة المنجّزة متقوّم بالشكّ،فيكون لسانه إثبات الحلّيّة للمغلي المشكوك فيه بما هو كذلك، ولا ريب فيتقديم الأوّل على الثاني وحكومته عليه، لأنه بإثبات الحرمة لذات المغلي يرفعالشكّ الذي هو موضوع استصحاب الحلّيّة، فالاستصحاب الأوّل يجري قبلالغليان، وبعد الغليان يكون المستصحب ـ أي الحكم التعليقي الذي يصير فعليّمتعلّقاً بذات الموضوع ورافعاً للشكّ، فلا يبقى مجال لاستصحاب الحلّيّةالتنجيزيّة(1).
والتحقيق: أنّ بيان الإمام رحمهالله في مقام الجواب عن المعارضة بيان دقيقلحكومة استصحاب الحرمة التعليقيّة على استصحاب الحلّيّة المطلقة، إلاّ أنّهصرّح بأنّ الحرمة التعليقيّة قبل تحقّق المعلّق عليه شرعيّة، وهكذا الحرمةالفعليّة بعد تحقّق المعلّق عليه، وهكذا ترتّبها عليها.
وهو لايخلو عن مناقشة بأنّه كما أنّ الملازمة بين وجوب ذى المقدّمةووجوب المقدّمة في باب مقدّمة الواجب تكون عقليّة، كذلك لايبعد أن يكونترتّب الحرمة الفعليّة الشرعيّة بعد المعلّق عليه على الحرمة التعليقيّة الشرعيّةعقليّة، ولكنّه لايوجب الخلل في أصل غرضه من رفع الشكّ عن المسبّبتعبّدا بجريان الاستصحاب في السبب.
- (1) الاستصحاب: 145 ـ 146.
(صفحه224)
أمّا ماذكره صاحب الكفاية رحمهالله من ارتباط الاستصحاب التنجيزي بالحلّيّةالمغيّاة فهو أجنبي عن مراد المستشكل، فإنّ مراده من الاستصحاب التنجيزيعبارة عن الحلّيّة المطلقة، ويقول: إنّ الزبيب قبل الغليان حلال قطعا بالحلّيّةالمطلقة، وبعد الغليان نشكّ في بقائها وزوالها فنجري استصحاب بقاء الحلّيّة.
وبيان بعض الأعلام بعنوان الجواب عنه وإن لم ينطبق على كلام صاحبالكفاية كما ذكرناه، ولكن يمكن جعله مؤيّداً لما ذكرناه في المقام، وحاصله: أنّبعد تبدّل العنب بالزبيب نسلّم أنّه حلال يقيناً ولكن نشكّ في أنّ هذه الحلّيّةحلّيّة جديدة أو حلّيّة حال العنبيّة؟ وبأصالة عدم تحقّق حكم جديد له ينفىاستصحاب الحلّيّة بعد الغليان، فلا مجال له أصلاً، فلا مانع من جريانالاستصحاب التعليقى.
(صفحه 225)
(صفحه226)
التنبيه السادس
في استصحاب عدم النسخ
والمعروف صحّة جريان الاستصحاب عند الشكّ فيه، بل عدّه المحدّثالإسترآبادي من الضروريّات، ولكنّه قد استشكل فيه بإشكالين: الأوّلمشترك بين الاستصحاب في أحكام هذه الشريعة المقدّسة وبين الاستصحابفي أحكام الشرائع السابقة، فلو تمّ لكان مانعاً عن جريان الاستصحاب فيالمقامين.
الثاني مختصّ باستصحاب أحكام الشرائع السابقة.
أمّا الإشكال الأوّل فهو: أنّه يعتبر في الاستصحاب وحدة القضيّة المتيّقّنهوالمشكوكة، كمامرّ مراراً، والمقام ليس كذلك؛ لتعدّد الموضوع في القضيّتين فإنّمن ثبت في حقّه الحكم يقيناً قد انعدم، والمكلّف الموجود الشاكّ في النسخ لميعلم ثبوت الحكم في حقّه من الأوّل، فالشكّ بالنسبة إليه شكّ في ثبوتالتكليف لافي بقائه بعد العلم بثبوته ليكون مورداً للاستصحاب، فيكون إثباتالحكم له إسراء حكم من موضوع إلى موضوع آخر.
وهذا الإشكال يجري في أحكام هذه الشريعة أيضا، فإنّ من علم بوجوبصلاة الجمعة عليه هو الذي كان موجوداً في زمان الحضور، وأمّا المعدوم فيزمان الحضور فهو شاكّ في ثبوت وجوب صلاة الجمعة عليه من الأوّل.