(صفحه230)
الأوّل: لو فرضنا أنّ شخصاً أدرك رسول اللّه صلىاللهعليهوآله وعاش في زمانه ـ مثلاً وعمل بالأحكام الشرعيّة، ثمّ سافر إلى بلاد بعيدة، وحصل له الشكّ بعد مدّةفي أنّ حكم كذا الذي كان مورد عمله إلى الآن هل إنتهى أمده أم لا؟ ومعلومأنّه لاملجأ له سوى استصحاب عدم النسخ.
الثاني: أنّ حكم كذا ومفاد آية كذا التي يكون عنوانها «الذين آمنوا» ولميصرّح من حيث الدليل بتوقيته، إن شككنا في زماننا هذا في انتهاء أمدهونسخه في زمان رسول اللّه صلىاللهعليهوآله فأيّ مانع يمنع من استصحاب عدم نسخه؟فالظاهر أنّه لامانع من جريان استصحاب عدم النسخ في شريعتنا، كما أنّهعند الشيخ والمحقّق الخراسانيوسائر المحقّقين مفروغ عنه.
وأمّا الإشكال الثاني على استصحاب عدم النسخ المختصّ باستصحابأحكام الشرائع السابقة، فهو ما يستفاد من كلام المحقّق النائيني رحمهالله من أنّ تبدّلالشريعة السابقة بالشريعة اللاحقة إن كانٍ بمعنى نسخ جميع أحكام الشريعةالسابقة ـ بحيث لو كان حكم في الشريعة اللاحقة موافقاً لما في الشريعة السابقةلكان الحكم المجعول في الشريعة اللاحقة مماثلاً للحكم المجعول في الشريعةالسابقة لا بقاء له ـ فيكون مثل إباحة شرب الماء الذي هو ثابت في جميعالشرائع مجعولاً في كلّ شريعة مستقلاًّ، غاية الأمر أنّها أحكام متماثلة، فعدمجريان الاستصحاب عند الشكّ في النسخ واضح؛ للقطع بارتفاع جميع أحكامالشريعة السابقة، فلا يبقى مجال للاستصحاب. وإن كان تبدّل الشريعة بمعنىنسخ بعض أحكامها لا جميعها فبقاء الحكم الذي كان في الشريعة السابقة وإنكان محتملاً إلاّ أنّه يحتاج إلى الإمضاء في الشريعة اللاحقة، ولا يمكن إثباتالإمضاء باستصحاب عدم النسخ إلاّ على القول بالأصل المثبت(1).
- (1) فوائد الاُصول 4: 480.
(صفحه 231)
وجوابه: أنّ نسخ جميع أحكام الشريعة السابقة وإن كان مانعاً عن جرياناستصحاب عدم النسخ إلاّ أنّ الالتزام به بلا موجب، فإنّه لا داعي إلى جعلإباحة شرب الماء ـ مثلاً ـ في الشريعة اللاحقة مماثلة للإباحة التي كانت فيالشريعة السابقة، والنبوّة ليست ملازمة للجعل، فإنّ النبيّ هو المبلّغ للأحكامالإلهيّة.
وأمّا ماذكره من أنّ بقاء حكم الشريعة السابقة يحتاج إلى الإمضاء فيالشريعة اللاحقة فهو صحيح، إلاّ أنّ نفس أدلّة الاستصحاب كافية في إثباتالإمضاء، وليس التمسّك به من التمسّك بالأصل المثبت، فإنّ الأصل المثبت فيهإنّما هو إذا وقع التعبّد بما هو خارج عن مفاد الاستصحاب.
و في المقام نفس دليل الاستصحاب دليل على الإمضاء، فكما لو ورد دليلخاصّ على وجوب البناء على بقاء أحكام الشريعة السابقة إلاّ فيما علم النسخفيه يجب التعبّد به، فيحكم بالبقاء في غير ما علم نسخه، ويكون هذا الدليلالخاصّ دليلاً على الإمضاء.
فكذا في المقام فإنّ أدلّة الاستصحاب تدلّ على وجوب البناء على البقاء فيكلّ متيقّن شكّ في بقائه، سواء كان من أحكام الشريعة السابقة أو من أحكامهذه الشريعة المقدّسة أو من الموضوعات الخارجيّة، فلا إشكال فياستصحاب عدم النسخ من هذه الجهة. والعمدة في منعه ماذكرناه.
و أمّا ماقيل في وجه المنع ـ من أنّ العلم الإجمالي بنسخ كثير من الأحكاممانع عن التمسّك باستصحاب عدم النسخ ـ فهو مدفوع بأنّ محلّ الكلام إنّما هوبعد انحلال العلم الإجمالي بالظفر بعدّة من موارد النسخ التي يمكن انطباقالمعلوم بالإجمال عليها، فتكون الشبهة فيما عدا ذلك بدويّة، ويجري فيه
(صفحه232)
الاستصحاب بلا مزاحم(1).
والإشكال من ناحية العلم الإجمالي غير مختصّ بالمقام فقد استشكل به فيموارد، منها: العمل بالعامّ مع العلم الإجمالي بالتخصيص، ومنها: العمل بأصالةالبراءة مع العلم الإجمالي بتكاليف كثيرة، ومنها المقام.
والجواب في الجميع هو ما ذكرناه من أنّ محلّ الكلام بعد الانحلال.
- (1) كفاية الاُصول 2: 324.
(صفحه 233)
(صفحه234)
التنبيه السابع
في حجّيّة الأمارات المثبتة دون الاُصول
ذهب المشهور إلى أنّ مثبتات الاُصول ليست بحجّة بخلاف مثبتاتالأمارات ووقع الخلاف بين المحقّقين في دليل ذلك، ولكن لابدّ لنا قبل ملاحظةالآراء وأدلّتهم من بيان محلّ النزاع.
فنقول: إنّ المستصحب قد يكون موضوعاً من الموضوعات الخارجيّة، وقديكون حكماً من الأحكام الشرعيّة، فإن كان من الأحكام الشرعيّة فلا شكّفي ترتّب الآثار واللوازم العقليّة والعاديّة عليه، كما إذا شككنا في وجوبصلاة الجمعة في عصر الغيبة ـ مثلاً ـ وبعد جريان الاستصحاب فيه يستفاد أنّصلاة الجمعة واجبة بالوجوب الظاهري المماثل للحكم الواقعي، وتترتّب عليهالآثار العقليّة، مثل: حكم العقل بوجوب الإطاعة ووجوب الوفاء بالنذر إنكان متعلّق النذر الشركة فيها دائماً في صورة كونها واجبة.
وأمّا إن كان المستصحب موضوعاً للأحكام الشرعيّة فيترتّب عليه الحكمالشرعي الذي يتوقّع ترتّبه عليه بلاواسطة، مثل: ترتّب الحرمة علىاستصحاب خمريّة المائع المشكوك الخمريّة.
وأمّا إذا كان للمستصحب لازم عقلي أو عادي أيضا في عرض الأثرالشرعي، وكان هذا اللازم العقلي أو العادى موضوعاً للحكم الشرعي الآخر،