(صفحه 277)
فيكون احتمال الارتفاع ملازماً لاحتمال العلم بالارتفاع، كما إذا كان زيد محدثوشكّ في الطهارة من الوضوء أو الغسل، فإنّ احتمال ارتفاع الحدث بالوضوءأو الغسل ملازم لاحتمال العلم؛ لأنّ الوضوء والغسل من الاُمور العباديّة التيلايمكن تحقّقها إلاّ مع العلم والالتفات، فلابدّ من القول بعدم جريانالاستصحاب على المبنى المذكور؛ لاحتمال العلم بالانتقاض، ولا يلتزم به أحد.
ومن الموارد التي يتوهّم أنّها من الشبهة المصداقيّة ما ذكره المحقّق النائينيردّاً على السيّد رحمهالله في العروة، وبيانه: أن السيّد رحمهالله ذكر في العروة: أنّه إذا علمنبنجاسة إنائين ـ مثلاً ـ ثمّ علمنا بطهارة أحدهما، فيتصوّر ذلك بصور ثلاث:الاُولى: أن نعلم بطهارة أحدهما علماً تفصيليّاً، فاشتبه الطاهر المعلوم بالتفصيلبغيره.
الثانية: أن نعلم بطهارة أحدهما لابعينه بحيث لايكون للطاهر تعيّن وامتيازبوجه من الوجوه، بل يمكن أن لايكون له في الواقع أيضا تعيّن، كما إذا كانكلاهما طاهراً في الواقع.
الثالثة: أن نعلم بطهارة أحدهما بعنوان معيّن ونشكّ في انطباقه، كما لوعلمنبطهارة إناء زيد وشككنا في انطباق هذا العنوان على هذا الإناء أو ذاك.
و حكم السيّد رحمهالله بنجاسة الإنائين في جميع هذه الصور الثلاث؛ عملبالاستصحاب.
ولا يخفى أنّ الدليل لعدم جريان الاستصحاب في أطراف العلم الإجمالي قديكون لزوم التناقض في الدليل صدراً وذيلاً، كما في قوله: «لاتنقض اليقينبالشكّ أبدا، بل انقضه بيقين آخر»، فيحكم صدر الدليل بنجاسة الإنائينبالاستصحاب، وذيله بطهارة أحدهما للعلم الإجمالي، وقد يكون لزوم المخالفةالعمليّة مع التكليف المعلوم بالإجمال، وعلى هذا لايجري الاستصحاب فيم
(صفحه278)
كانت الحالة السابقة في الإنائين عبارة عن الطهارة، فإنّ جريان استصحابالطهارة في كليهما يوجب المخالفة العمليّة مع العلم الإجمالي بنجاسة أحدهما،بخلاف ما إذا كانت الحالة السابقة فيهما عبارة عن النجاسة كما في ما نحن فيه،فإنّ استصحاب نجاستهما والاجتناب عنهما لايوجب المخالفة، وهذا المبنىاختاره صاحب العروة في ما نحن فيه ولذا قال بجريان استصحاب النجاسة.
و ردّ عليه المحقّق النائيني رحمهالله واختار عدم جريان الاستصحاب في جميعها،لكن لا بمناط واحد، بل حكم بعدم جريانه في الصورة الاُولى والثالثة، لكونالشبهة مصداقيّة، فإنّا نعلم بانتقاض اليقين بالنجاسة بالطهارة بالنسبة إلىأحد الإنائين، إمّا باليقين التفصيلي ـ كما في الصورة الاُولى ـ وإمّا باليقينالمتعلّق بعنوان معيّن شككنا في انطباقه ـ كما في الصورة الثالثة ـ فلا مجاللجريان الاستصحاب في شيء من الإنائين؛ لأنّ كلّ واحد منهما يحتمل أنيكون هو الإناء الذي انتقض العلم بنجاسته بالعلم بطهارته.
وأمّا الصورة الثانية فحكمه بعدم جريان الاستصحاب فيها ليس مبنيّاً علىاحتمال انفصال زمان الشكّ عن زمان اليقين بيقين آخر ـ كما في الصورة الاُولىوالثالثة ـ فإنّ الشكّ في بقاء النجاسة في كلّ منهما متّصل باليقين بالنجاسة، ولميتخلّل بين زمان اليقين وزمان الشكّ يقين آخر، والعلم الإجمالي بطهارةأحدهما لابعينه يكون منشأ للشكّ في بقاء النجاسة في كلّ منهما، بخلافالصورة الاُولى والثالثة، فإنّ منشأ الشكّ في بقاء النجاسة فيهما هو اجتماعالإنائين واشتباه الطاهر بالنجس، لا العلم بطهارة أحدهما، فإنّ متعلّق العلمكان معلوماً بالتفصيل أو بالعنوان، فحكمه بعدم جريان الاستصحاب فيالصورة الثانية مبنيّ على أنّ العلم الإجمالي بنفسه مانع عن جريانالاستصحاب، ولو لم تلزم منه مخالفة عمليّة قطعيّة. هذا ملخّص مختاره رحمهالله (1).
(صفحه 279)
وجوابه: أوّلاً: ماذكرناه في جواب صاحب الكفاية رحمهالله من أنّ المندرج فيمعنى الشبهة المصداقيّة ارتباط أحد طرفي الاحتمال بالعنوان المأخوذ في الدليل،وهذا لايتحقّق في دليل الاستصحاب، فإنّا نعلم بطهارة أحد الإنائين بالعلمالتفصيلي ولكنّه اشتبه علينا بغيره في الصورة الاُولى، فيكون أحد الإنائينمعلوم الطهارة والآخر معلوم النجاسة، ففي كليهما يتحقّق نقض اليقين باليقين،إمّا بالوفاق وإمّا بالخلاف، ولا يصدق في أيّ من الطرفين نقض اليقين بالشكّ،فكيف تتصوّر الشبهة المصداقيّة لقوله: «لاتنقض اليقين بالشكّ»؟
وثانياً: أنّه لايعتبر في الاستصحاب كون اليقين سابقاً على الشكّ، بل يمكنأن يكون بالعكس ـ كما إذا شككنا بطهارة الثوب ونجاسته، وعلمنا بعد ساعةبطهارته قبل يومين ـ بل المعتبر كون المتيقّن سابقاً على المشكوك فيه، فالميزانفي جريان الاستصحاب هو اليقين الفعلي بالحدوث والشكّ الفعلي في البقاء،وهما موجودان بالنسبة إلى كلّ واحد من الإنائين بخصوصه، ولا يقدح فيالاستصحاب احتمال كون هذا الإناء متعلّقاً لليقين بالطهارة سابقاً، فإنّالاستصحاب جار باعتبار اليقين الفعلي بحدوث النجاسة مع الشكّ في بقائها،لا باعتبار اليقين السابق.
ومنه يظهر الحال فيما إذا كان اليقين متعلّقاً بعنوان شكّ في انطباقه، فإنّ عدمقدح احتمال انطباق عنوان تعلّق به اليقين في جريان استصحاب النجاسةأوضح من عدم قدح احتمال اليقين التفصيلي بطهارة أحدهمابعد كون الميزانفيه هو اليقين الفعلي لا اليقين السابق.
وما يحتمل في كلام المحقّق الخراساني رحمهالله في بيان عدم اتّصال زمان الشكّباليقين: من فرض زمانين ـ أي يوم الجمعة ويوم السبت ـ بعد زمان العلم
- (1) فوائد الاُصول 4: 510 ـ 515.
(صفحه280)
بعدم حدوثهما ـ أي يوم الخميس ـ أحدهما: زمان حدوث واحد منهما،والثاني: زمان حدوث الآخر، والشكّ في الآن الأوّل منهما ـ أي يوم الجمعة وإن كان شكّاً في وجود كلّ منهما بالإضافة إلى أجزاء الزمان ولكن لايكونشكّاً فيه بالإضافة إلى الآخر، إلاّ في الآن الثاني، أي يوم السبت؛ لأنّ الشكّ فيالمتقدّم والمتأخّر منهما لايمكن إلاّ بعد العلم بوجودهما، فزمان الثالث ـ أي يومالسبت ـ زمان الشكّ في المتقدّم والمتأخّر أو الشكّ في وجود أحدهما بالإضافةإلى زمان وجود الآخر، وهو ظرف العلم الإجمالي بوجود كلّ منهما، إمّا فيالزمان المتقدّم أو في الزمان المتأخّر، ولما شكّ في أنّ أيّهما مقدّم وأيّهما مؤخّرلم يحرز اتّصال زمان الشكّ باليقين، بل يحرز الانفصال بين زمان الشكّواليقين(1).
وفيه: أوّلاً: أنّ هذا الاحتمال لايناسب ظاهر استدلاله رحمهالله ، فإنّ تعبيره أنّه:«لم يحرز اتّصال زمان الشكّ بزمان اليقين»، ومعناه تحقّق الاحتمالين: احتمالالانفصال، واحتمال الاتّصال، ولا يمكن حمل هذه العبارة على تحقّق الانفصالالقطعي بينهما.
وثانيا: على فرض استفادة هذا الاحتمال من كلامه رحمهالله فإنّ الملاك في تحقّقاليقين السابق والشكّ اللاحق هو تحقّقهما في حال جريان الاستصحاب، ولدخل لزمان حدوث الشكّ واليقين هنا، فعدم جريان استصحاب عدم كرّيّة فيحال الملاقاة في يوم الجمعة ـ بلحاظ عدم تحقّق كلا الحادثين ـ لايكون مانعمن جريانه في يوم السبت، فإنّ بعد العلم بتحقّق الحادثين ـ أي يوم السبت لايتحقّق الفصل بين اليقين والشكّ؛ لأنّنا نعلم بعدم الكرّيّة في حال الملاقاة،والآن نشكّ في بقائه، فنجري الاستصحاب. إلى هنا تمّ كلام صاحب
- (1) كفاية الاُصول 2: 336.
(صفحه 281)
الكفاية رحمهالله .
ويتحقّق نوع من التهافت بين صدر كلام اُستاذنا السيّد الإمام رحمهالله وذيله،فإنّه يقول في ابتداء البحث: إنّ الشكّ في الاتّصال والانفصال عبارة اُخرى عنالشبهة المصداقيّة لقوله «لاتنقض اليقين بالشكّ»، وفي ذيل كلام صاحبالكفاية رحمهالله قائل بعدم ارتباط مسألة عدم إحراز الاتّصال بالشبهة المصداقيّة، ثمّيقول في بحث معلوم التأريخ: «ولعلّ الشبهة المصداقيّة أحد محتملات الكفاية».
وحاصل البحث في مجهولي التأريخ: أنّ الأثر إن كان مترتّباً على عدمأحدهما بنحو ليس التامّة في زمان وجود الآخر فيجري الاستصحابويترتّب الأثر وفاقاً للشيخ الأنصاري رحمهالله وخلافاً للمحقّق الخراساني رحمهالله لإحراز اتّصال زمان الشكّ باليقين هنا.
وبعبارة اُخرى: يتحقّق عنوان نقض اليقين بالشكّ ولا تكون الشبهةمصداقيّة لقوله «لاتنقض اليقين بالشكّ».
و لازم ذلك أنّ الأثر إن كان مترتّباً على عدم كلّ واحد منهما في زمانوجود الآخر يجري الاستصحاب في كليهما، ولكنّهما يتساقطان بالمعارضة. إلىهنا تمّ البحث في مجهولي التأريخ.
وأمّا لو علم بتأريخ أحدهما فهو كما لو علمنا بعدم الكرّيّة وعدم الملاقاة فييوم السبت، وعلمنا يوم الإثنين ـ مثلاً ـ بتحقّق الملاقاة مع النجاسة، وعلمنيوم الثلاثاء بحدوث الكرّيّة، وشككنا في أنّها تحقّقت قبل الملاقاة أو بعدها،فإن تحقّقت قبل الملاقاة ـ أي يوم الأحد ـ فلا توجب الملاقاة الانفعال، وإنتحقّقت بعدها ـ أي يوم الثلاثاء ـ اتّصف الماء بالنجاسة والانفعال؛ لعدم الكرّيّةحال الملاقاة.
وذكر صاحب الكفاية رحمهالله ههنا جميع الفروض المذكورة في مجهولي التأريخ،