(صفحه282)
ولا فرق بينهما من حيث الأحكام، فلا فائدة لتكرارها إلاّ فرضا واحدا، وهوأن يكون الأثر مترتّباً على عدمه ـ أي عدم الكرّيّة حال الملاقاة ـ الذي هومفاد ليس التامّة في زمان الآخر. وقال صاحب الكفاية بجريان الاستصحابهنا.
والسرّ في ذلك: أنّ بعد العلم بتأريخ الملاقاة ـ سواء لاحظنا عدم الكرّيّةبالنسبة إلى الزمان أو بالنسبة إلى الملاقاة أي يوم الإثنين ـ يتّصل زمان شكّهبزمان يقينه.
هذا بالنسبة إلى ما كان الأثر مترتّباً على عدم مجهول التأريخ، في زمانوجود معلوم التأريخ وأمّا إن كان الأثر مترتّباً على عدم معلوم التأريخ فهو كملو علمنا بحدوث الكرّيّة يوم الاثنين، وعلمنا يوم الثلاثاء بتحقّق الملاقاة،ولكن شككنا في أنّها تحقّقت قبل الكرّيّة أو بعدها، والمفروض أنّه لا أثرلاستصحاب عدم الملاقاة حال الكرّيّة، بل الأثر لاستصحاب عدم الكرّيّةحال الملاقاة.
وقال صاحب الكفاية رحمهالله بعدم جريان الاستصحاب هنا؛ لانتفاء الشكّ فيهفي زمان، فإنّا نعلم حدوث الكرّيّة يوم الإثنين وإنّما الشكّ فيه بإضافة زمانهإلى الآخر، وأنّ عدم الكرّيّة المتيقّنة انتقض في حال الملاقاة أم لا؟ فإن كانتالملاقاة يوم الثلاثاء انتقض قطعا بالكرّيّة يوم الإثنين، وإن كانت يوم الأحد لمينتقض بل يبقى عدم الكرّيّة حال الملاقاة، فلا يجري الاستصحاب؛ لعدمإحراز اتّصال زمان الشكّ باليقين وكونه الشبهة المصداقيّة لقوله «لاتنقضاليقين بالشكّ»(1).
والتحقيق: أنّه لافرق بين ما نحن فيه ومجهولي التأريخ من حيث جريان
- (1) كفاية الاُصول 2: 337.
(صفحه 283)
الاستصحاب فيهما؛ إذ الشكّ في الكرّيّة حال الملاقاة محفوظ في كلا الموردين،سواء علم تأريخ الملاقاة أم لا؟
وقال صاحب الكفاية رحمهالله في ذيل هذا البحث: «أنّه لا مورد للاستصحابأيضا فيما تعاقب حالتان متضادّتان ـ كالطهارة والنجاسة ـ وشكّ في ثبوتهموانتفائهما للشكّ في المقدّم والمؤخر منهما؛ وذلك لعدم إحراز الحالة السابقةالمتيقّنة المتّصلة بزمان في ثبوتهما وتردّدها بين الحالتين، وأنّه ليس من تعارضالاستصحابين، فافهم وتأمّل في المقام فإنّه دقيق(1).
وحكي عن المشهور الحكم بلزوم التطهير؛ لمعارضة استصحاب الحدثلاستصحاب الطهارة وتساقطهما، وحكم العقل بتحصيل الطهارة للصلاةلقاعدة الاشتغال(2). ونتيجة القولين واحدة ولا تتحقّق هنا ثمرة عمليّة، وعلىأيّ تقدير نحتاج إلى طهارة جديدة.
وعن المحقّق في المعتبر لزوم الأخذ بضدّ الحالة السابقة؛ لأنّها ارتفعت يقينوانقلبت إلى ضدّها، وارتفاع الضدّ غير معلوم.
قال على ما حكي عنه: «يمكن أن يقال: ينظر إلى حاله قبل تصادمالاحتمالين، فإن كان حدثاً بنى على الطهارة؛ لأنه تيقّن انتقاله عن تلك الحالةإلى الطهارة ولم يعلم تجدد الانتقاض، فصار متيقّناً للطهارة وشاكّاً في الحدث،فيبنى على الطهارة، وإن كان قبل تصادم الاحتمالين متطهّرا بنى على الحدث؛لعين ما ذكرنا من التنزيل»(3). وهذه الفتوى وقعت مورد تأييد اُستاذنا السيّدالإمام رحمهالله في مورده(4).
- (1) كفاية الاُصول 2: 338.
- (2) جواهر الكلام 2: 350 و 351.
- (3) المعتبر: 45، السطر 17.
(صفحه284)
ومن هنا يظهر أنّه تتحقّق للمسألة صورتان: بأنّا قد لانعلم بالحالة السابقةعلى الحالتين، وقد نعلم بها، أمّا في صورة عدم العلم بالحالة السابقة فحكمالمسألة مبتنٍ على النزاع المذكور، من جريان استصحاب بقاء الطهارةواستصحاب بقاء الحدث، وتساقطهما بالمعارضة، والاحتياج إلى الطهارةالجديدة عندنا، وعدم جريان الاستصحاب؛ لعدم إحراز اتّصال زمان الشكّباليقين عند صاحب الكفاية رحمهالله .
و أمّا في صورة العلم بالحالة السابقة فقد تكون عبارة عن الطهارة، وقدتكون عبارة عن الحدث، فلابدّ من ملاحظة الخصوصيّات في محلّ البحث،وهي كما يلي:
الخصوصيّة الاُولى: أن يكون تأريخ كلا الحادثين مجهولاً.
الثانية: أن يكون الحدث السابق على الحالتين من سنخ الحدث الجديدالمسلّم حدوثه من حيث كونهما أصغرين أو أكبرين، ولا بدّ لنا قبل الورود فيالبحث من ذكر الأمرين بعنوان المقدّمة:
الأمر الأوّل: أنّ المتوضّي والمتطّهر إذا صدر منه الحدث فإنّه يوجب بطلانالوضوء ويوجب الاحتياج إلى وضوء جديد بالحدث الأوّل، ولا يكونالحدث الثاني الواقع بعده مؤثّراً فعليّاً وإن كان مؤثّراً شأنيّاً، فالسببيّة الفعليّةللحدث الأول، هذا من المسلّمات في الفقه.
الأمر الثاني: أنّه من المسلم أيضا كفاية مسبّب واحد ـ من الوضوءوالغسل ـ عقيب أسباب متعدّدة، سواء قلنا في باب التداخل: إنّ مقتضىالقاعدة هو التداخل أو عدمه.
إذا عرفت ذلك فنقول: إنّ المكلّف إذا كان متيقّناً بكونه محدثاً في أوّل النهار،
(صفحه 285)
فعلم بحدوث طهارة وحدث أثناء النهار وشكّ في المتقدّم والمتأخّر، فيكوناستصحاب الطهارة المتيقّنة ممّا لا إشكال فيه، كما قال به المحقّق في المعتبر.
ولايجري استصحاب الحدث؛ لعدم تيقّن الحالة السابقة، لاتفصيلاً ولإجمالاً، فإنّ الحدث المعلوم بالتفصيل الذي كان متحقّقا أوّل النهار قد زاليقيناً، وليس له علم إجمالي بوجود الحدث إمّا قبل الوضوء أو بعده؛ لأنّالحدث قبل الوضوء معلوم تفصيلي وبعده مشكوك فيه بالشكّ البدوي.
وهذا نظير العلم الإجمالي بإصابة قطرة دم إمّا في الإناء المعلوم طهارته وإمّفي الإناء المعلوم نجاسته، ولا يترتّب على هذا العلم أثر بوجه أصلاً فإنّمنجزيّة العلم الإجمالي مشروطة بكونه ذا أثر في كلّ من الطرفين، وليسالمثال كذلك، فإنّ إصابة الدم الإناء المعلوم نجاسته تكون بلاأثر، وإصابةالآخر مشكوكة بالشكّ البدوي، فيجرى استصحاب الطهارة.
وما نحن فيه من هذا القبيل فإنّ وقوع الحدث قبل الوضوء بلحاظمسبوقيّته بالحدث في أوّل النهار لايترتّب عليه أثر، وترتّب الأثر مختصّبوقوعه بعد الوضوء، فلا أثر لهذا العلم الإجمالي، فيجري استصحاب الطهارةبلا معارض.
وأمّا إذا كان المكلّف متيقّناً بكونه متطهّرا في أوّل النهار فعلم بحدوثالحدث والطهارة أثناء النهار وشكّ في المتقدّم والمتأخّر فيكون استصحابالحدث المتيقّن ممّا لاإشكال فيه بعين ماذكرناه في الفرع السابق، فيجب عليهتحصيل الطهارة للصلاة، كما قال به في المعتبر، هذا كلّه بالنسبة إلى مجهوليالتاريخ.
فيما إذا كان أحدهما معلوم التاريخ
(صفحه286)
وأمّا إذا جهل تأريخ الحدث وعلم تأريخ الطهارة مع كون الحالة السابقة هيالحدث، كما إذا علم كونه محدثاً في أوّل النهار، وعلم أنّه تطهّر ظهرا، وعلمبحدوث حدث إمّا بعد الطهارة وإمّا قبلها، فلا يجري استصحاب الحدث؛للعلم بزوال الحدث المعلوم تفصيلاً وعدم العلم بتحقّق حدث غيره، فلا تكونحالة سابقة متيقّنة للحدث، وأمّا استصحاب الطهارة المتحقّقة في أوّل الظهرفلا مانع من جريانه؛ للعلم بوجودها والشكّ في زوالها، ففي هذه الصورة نحكمبكونه متطهّرا، والعلم الإجمالي بحدوث الحدث الثاني بمنزلة الشكّ البدويلايترتّب عليه أثر، فنأخذ بضدّ الحالة السابقة.
وأمّا إذا جهل تأريخ الطهارة مع كون الحالة السابقة المتيقّنة هي الحدث،وعلم تأريخ الحدث، كما إذا علم كونه محدثاً في أوّل النهار، وعلم بصدورالحدث منه ثانيا في أوّل الظهر، وعلم أنّه تطهّر إمّا قبل الظهر وإمّا بعده،فيجري استصحاب الحدث المعلوم التأريخ، ويجري استصحاب الطهارةالمعلومة بالإجمال فيتساقطان بالمعارضة ونحكم بلزوم تحصيل الطهارة عقللقاعدة الاشتغال، ففي هذه الصورة لايمكن الأخذ بضدّ الحالة السابقة.
وأمّا إذا كانت الحالة السابقة المتيقّنة هي الطهارة وعلم أنّه أحدث في أوّلالظهر، وعلم أنّه تطهّر إمّا قبل الظهر وإمّا بعده، فلا يبقى مجال لاستصحابالطهارة، فإنّ الطهارة المعلومة بالإجمال مردّدة بين ماله الأثر وما لايترتّبعليه الأثر، فيجري استصحاب الحدث، فإنّه مؤثّر في نقض الطهارة، سواءتحقّق قبل الطهارة الثانية أو بعدها، ففي هذه الصورة نأخذ بضدّ الحالة السابقة.
وأمّا إذا كانت الحالة السابقة المتيقّنة هي الطهارة، وعلم أنّه تطهّر أيضا فيأوّل الظهر، وعلم بأنّه أحدث إمّا قبل الظهر وإمّا بعده فيجب تحصيل الطهارة؛لتعارض استصحاب الطهارة المعلومة في الظهر ـ للعلم بها والشكّ في زوالها