(صفحه 291)
شرعي مهمّ كما أشار إليه صاحب الكفاية.
وأمّا على ما هو التحقيق من كونها من المناصب المجعولة الإلهيّة لمن كانصالحاً وأهلاً لها، فهل يجري الاستصحاب فيها أم لا؟
وتفصيل الكلام في المقام: أنّ استدلال الكتابي لإثبات دينه بالاستصحابلايخلو من وجهين: إمّا أن يكون استدلاله لمعذوريّته في البقاء على اليهوديّةـ مثلاً ـ وإمّا أن يكون لإلزام المسلمين ودعوتهم إلى اليهوديّة، فإن كان مرادهالأوّل فنقول له: أنت شاكّ في بقاء نبوة نبيّك أم لا؟ فإن اختار الثاني فلا معنىللاستصحاب؛ إذ لابدّ فيه من الشكّ في بقاء المتيقّن، وإن اختار الأوّل فنقولله: لابدّ لك من الفحص، فإنّ النبوّة ليست بأقلّ من الفروع التي يتوقّفجريان الاستصحاب فيها على الفحص، وبعد الفحص يصل إلى الحقّ ويزولالشكّ عنه، ومع فرض بقاء شكّه لافائدة في الاستصحاب؛ لكون النبوّة منالاُمور التي تجب المعرفة واليقين بها، فليست قابلة للتعبّد الاستصحابي، ومعفرض كفاية الظنّ فيها نقول: الاستصحاب لايفيد الظنّ أوّلاً، ولا دليل علىحجّيّة الظنّ الحاصل منه ثانيا.
هذا كلّه في استصحاب النبوّة، وأمّا استصحاب بقاء أحكام الشريعةالسابقة فغير جار أيضا، إذ نقول له: الاستصحاب إن كان حجّة في الشريعةالسابقة لايمكن التمسّك به لبقاء أحكام الشريعة السابقة؛ إذ حجّيّةالاستصحاب من جملة تلك الأحكام، فيلزم التمسّك به لإثبات بقاء نفسه، وهودور ظاهر.
وإن كان الاستصحاب حجّة في الشريعة اللاحقة فصحّة التمسّكبالاستصحاب ـ لإثبات بقاء أحكام الشريعة السابقة ـ فرع حقّيّة الشريعةاللاحقة، وبعد الالتزام بحقّيّتها لم يبق مجال للاستصحاب؛ لليقين بارتفاع
(صفحه292)
أحكام الشريعة السابقة حينئذ.
وإن كان مراده الثاني ـ أي إلزام المسلمين ودعوتهم إلى اليهوديّة ـ فنقولله: جريان الاستصحاب متوقّف على اليقين بالحدوث والشكّ في البقاء، وليسلنا يقين بنبوّة موسى إلاّ من طريق شريعتنا، فإنّ التواتر لم يتحقّق في جميعالطبقات من زمان موسى إلى زماننا هذا، والتوراة الموجودة عند اليهود ليسهو الكتاب المنزل من اللّه سبحانه على موسى، ومن راجعه يجد فيه مايوجبالعلم بعدم كونه من عنداللّه؛ من نسبة الزنا والفواحش إلى الأنبياء وغير ذلكممّا يجده من راجعها.
نعم، علمنا بنبوّة موسى لأخبار نبيّنا بنبوّته، فتصديقه يوجب التصديقبنبوّته، وهذا الاعتراف من المسلمين لايضرّهم ولا يوجب جريانالاستصحاب في حقّهم ـ كما هو الظاهر ـ وهذا المعنى هو المحتمل من الحديثالمتضمّن لجواب الرضا عليهالسلام عن احتجاج الجاثليق بالاستصحاب، من أنّمعترفون بنبوّة كلّ موسى وعيسى أقرّ بنبوّة نبيّنا صلىاللهعليهوآله ، وننكر نبوّة كلّ من لميقرّ بنبوّة نبيّنا، فلا يرد ـ على الجواب المذكور ـ ماذكره الشيخ رحمهالله من أنّ موسىبن عمران أو عيسى بن مريم ليس كلّيّا حتّى يصحّ الجواب المذكور، بل جزئيحقيقي اعترف المسلمون بنبوّته، فعليهم إثبات نسخها.
والحاصل: أنّه ليس لنا علم بنبوّة موسى إلاّ بإخبار نبيّنا صلىاللهعليهوآله ، وهو كما يخبربها يخبر بارتفاعها، فلا مجال للاستصحاب.
ومع فرض حصول اليقين من غير هذا الطريق ليس لنا شكّ في بقائها، بلنعلم بارتفاعها، فإنّ المسلم لايكون مسلماً مع الشكّ في بقاء نبوّة موسى أوعيسى، فلا يمكن الكتابي إلزام المسلم باستصحاب النبوّة؛ لعدم تماميّة أركانهمن اليقين والشكّ.
(صفحه 293)
على أنّ الاستصحاب حكم من أحكام الإسلام وإثبات نبوّة أنبياء السلفبه يوجب بطلان الإسلام وإنكار نبوّة النبيّ الأكرم صلىاللهعليهوآله ، ومعناه بطلان نفسالاستصحاب أيضا، وما يلزم من وجوده عدمه محال.
(صفحه294)
(صفحه 295)
التنبيه الثالث عشر
في موارد التمسّك بالعموم واستصحاب حكم المخصّص
إذا ورد عموم أفرادي متعرّض للزمان إجمالاً ـ مثل: «أكرم العلماء كلّيوم» ـ يتعقّبه دليل مخرج لبعض أفراده عن حكمه في زمان ـ مثل: «لايجبإكرام زيد العالم يوم الجمعة» ـ بحيث لايكون للدليل المخرج إطلاق أو عمومبالنسبة إلى غير ذلك الزمان، فشكّ في حكم هذا الفرد بالنسبة إلى مابعد ذلكالزمان ـ يوم السبت مثلاً ـ فهل يتمسّك باستصحاب حكم دليل المخرج أوبعموم العامّ أو إطلاقه أو يفصّل بين المقامات؟
ثمّ إنّ الباعث لعقد هذا البحث ليس هو ملاحظة التعارض بين العموموالاستصحاب، فإنّ الاستصحاب أصل عملي لامجال للرجوع إليه مع وجودالدليل من عموم أو إطلاق، ولا مانع من الرجوع إليه إن لم يكن هناك دليل،بل الباعث لذلك هو تعيين موارد الرجوع إلى العموم وتمييزها عن مواردالتمسّك بالاستصحاب، فالإشكال والخلاف إنّما هو في الصغرى بعد الاتّفاق فيالكبرى.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنّه ذكر الشيخ رحمهالله أنّ العموم الأزماني تارة يكونعلى نحو العموم الاستغراقي، ويكون الحكم متعدّداً بتعدد الأفراد الطوليّة، وكلّحكم غير مرتبط بالآخر امتثالاً ومخالفة كوجوب الصوم ثلاثين يوماً، كما أنّ