(صفحه 307)
بخروجه كخيار التأخير وخيار الغبن ـ بناء على كون ظهور الغبن شرطشرعيّاً له ـ فيتمسّك بالعموم أو الإطلاق للقطع بعدم التخصيص الفردي، بلالأمر دائر بين قلّة التخصيص وكثرته أو قلّة التقييد وكثرته، فيؤخذ بالقدرالمتيقّن ويتمسّك في المشكوك فيه بأصالة العموم أو الإطلاق.
ثمّ قال: وهذا التفصيل تقريباً عكس التفصيل الذي اختاره المحقّقالخراساني وشيخنا العلاّمة الحائري في مجلس بحثه.
ثمّ أجاب عن التفصيل بقوله: ويمكن أن يقال: إنّ أصالة العموم جارية فيالعموم الأفرادي الفوقاني، ولا تعارضها أصالة العموم في العامّ التحتانيالزماني، ولا أصالة الإطلاق؛ لأنّ التعارض فرع كون المتعارضين في رتبةواحدة والعموم الأفرادي في رتبة موضوع العموم والإطلاق الزمانيّين، ففيالرتبة المتقدّمة تجري أصالة العموم من غير معارض، فيرجع التخصيص أوالتقييد إلى الرتبة المتأخّرة.
ثمّ قال: الّلهمّ إلاّ أن يقال: إنّ العقلاء في إجراء الاُصول لاينظرون إلى أمثالهذه التقدّمات والتأخّرات الرتبيّة.
وأجاب عنه بقوله: ويمكن أن يقال: إنّه بعد ورود قوله: «أكرم العلماء في كلّيوم» الذي هو الحجّة على مفاده إذا ورد دليل على عدم وجوب إكرام زيد،وكان المتيقّن منه هو عدمه يوم الجمعة ـ مثلاً ـ فرفع اليد عن العموم أوالإطلاق في غير يوم الجمعة رفع اليد عن الحجّة من غير حجّة لدى العقلاء.
ثمّ قال في ذيل كلامه: والتحقيق عدم جريان أصالة العموم والإطلاق فيالتحتاني؛ لما حقّقناه في العامّ والخاصّ من أنّ مورد جريانهما فيما إذا شكّ فيالمراد لافيما علم المراد ودارالأمر بين التخصيص والتخصّص، مضافاً إلى أنهذه الاُصول إنّما جرت في مورد يترتّب عليها أثر عملي لامطلقا، فحينئذ
(صفحه308)
نقول: إنّ جريانهما في التحتاني غير ذي أثر؛ للعلم بخروج اليوم الأوّل ـ مثلاً فلا يعقل جريانهما لإدخال ما علم خروجه.
و لو اُجري الأصل لإثبات لازمه وهو ورود التخصيص على الفوقاني فمعبطلانه في نفسه ـ لأنّ إثبات اللازم فرع إثبات الملزوم الممتنع في المقام ـ يلزممن إثبات اللازم عدم الملزوم؛ لأنّه موضوعه، ومع رفعه يرفع الحكم، فيلزممن وجوده عدم الوجود. وأيضا إنّا نعلم بعدم جريان، الأصل في التحتاني؛ إمّلورود التخصيص به أو بالفوقاني الرافع لموضوعه، فتدبّر جيّدا(1).
وحاصل كلامه: أنّ إكرام زيد في يوم السبت مشكوك فيتمسّك بأصالةالعموم الأفرادي ونستكشف بها المراد، وثمرتها المترتّبة عليها في مقام العملوجوب إكرامه فيه، ولا يترتّب على أصالة العموم أو الإطلاق الزمانيّين أثر،فلذا لايجريان في المقام ولا تعارض في البين؛ إذ التعارض فرع جريانالمتعارضين في نفسهما، فتبقى أصالة العموم الأفرادي بلامعارض، وعلى أيّتقدير لامجال للتمسّك بالاستصحاب، فلابدّ من الرجوع إلى العامّ في جميعالموارد إمّا بالعامّ الزماني وإمّا بالعامّ الأفرادي، وإمّا بالإطلاق الزماني.
تكملة:
لا يخفى أنّ المراجعة إلى أصالة العموم وأصالة الإطلاق تكون لتبيين الحكموالمراد منه، لا لتبيين كيفيّة المراد، والغرض من جريانهما إثبات حكم العامّوالمطلق في مورد الشكّ في التخصيص والتقييد، وأمّا إذا علمنا بخروج فرد منتحت العموم أو المطلق ولكن لانعلم أنّ خروجه منه بنحو التخصيص أوالتخصّص، فإن تُمسّك بأصالة العموم ويستفاد خروجه بنحو التخصّص وأنّهليس بعالم فهو ليس بجائز، وهكذا في أصالة الإطلاق.
- (1) الاستصحاب: 197 ـ 200.
(صفحه 309)
فإذا قال المولى في ليلة الجمعة: «أكرم العلماء في كلّ يوم»، ثمّ قال: «لاتكرمزيداً يوم الجمعة» وشككنا في يوم السبت وما بعده أنّه واجب الإكرام أم لا؟
إن قلت: إنّا نعلم إجمالاً إمّا بورود التخصيص على العموم الأفرادي وأنّهغير واجب الإكرام دائماً، وإمّا بوروده على العموم والإطلاق الزمانيّين، وأنّهبعد يوم الجمعة واجب الإكرام، ويتساقطان بعد التعارض، فيبقى استصحابحكم المخصّص بلامعارض.
و جواب اُستاذنا السيّد الإمام رحمهالله : أنّ التعارض فرع جريان كلا الأصلينفي أنفسهما، فإن لم يجرِ أحدهما لاتصل النوبة إلى التعارض، وجريان أصالةالعموم الأفرادي في حدّ نفسها لا إشكال فيه، وجريان أصالة العموم الأزمانيفاقد للشرط، فإنّ أصالة العموم الأفرادي في يوم السبت مبيّن للحكم، والمرادأنّه واجب الإكرام مثل سائر أفراد العلماء، بخلاف أصالة العموم الزماني، فإنّالمستفاد من جريانها أنّ خروج زيد في يوم الجمعة يكون بعنوان التخصيصالفردي، وأنّ بقاء أصالة العموم الأزماني بالنسبة إلى بقية أفراد العامّ لاريبفيه، فجريانها يكون لبيان كيفيّة خروج زيد ولا تجري في مثل هذا الموردعند العقلاء، ومن عدم جريانها في نفسها يستفاد أنّه لامجال للعلم الإجمالي،وهكذا في أصالة الإطلاق، فالمرجع ههنا عبارة عن أصالة العموم الأفرادي.
والإنصاف أنّ هذا التحقيق قابل للقبول وبيان جيّد في مقابل سائرالتفصيلات.
(صفحه310)
التنبيه الرابع عشر
في أنّالمراد منالشكّ في أدلّة الاستصحاب وكلمات الأصحاب هوخصوص تساوى الطرفين أو عدماليقين الشامل للظن غيرالمعتبر؟
والظاهر أنّ المراد منه خلاف اليقين الشامل للظنّ فإنّه هو المتعارف في لغةالعرب، وجعل الظنّ مقابلاً للشكّ واليقين اصطلاح مستحدث، فالشكّ فيمفهومه العرفي شامل للظنّ، مضافاً إلى وجود القرينة على جريانالاستصحاب مع الظنّ بارتفاع الحالة السابقة في أدلّة الاستصحاب، وهياُمور:
الأوّل: قوله عليهالسلام «ولكن تنقضه بيقين آخر» حيث أنّ ظاهره أنّه في مقام بيانتحديد ماينقض به اليقين، وأنّه ليس إلاّ اليقين.
الثاني: قوله عليهالسلام : «لا، حتى يستيقن أنّه قد نام» بعد السوءال عمّا إذا حرّك فيجنبه شيء وهو لايعلم، حيث دلّ بإطلاقه ـ مع ترك الاستفصال بين ما إذأفادت هذه الأمارة الظنّ وما إذا لم تفد؛ بداهة أنّها لو لم تكن مفيدة له دائملكانت مفيدة له أحياناً ـ على عموم النفي لصورة الإفادة.
الثالث: نفس مقابلة اليقين للشكّ في الأدلّة، مثل: قوله: «لا تنقض اليقينبالشكّ» ـ بعد ماذكرنا أنّ اليقين بما فيه من الاستحكام والإبرام لاينقض بملايكون كذلك ـ تدلّ على كون المقصود من الشكّ فيها هو ضدّ اليقين، أعمّ من
(صفحه 311)
الظنّ والوهم والشكّ المتساوي الطرفين، مضافاً إلى أنّه لايمكن تحصيل اليقينبالوضوء الصحيح الواقعي بالماء الطاهر الواقعي، فإنّ احتمال عدم إباحة الماءوتحقّق أجزاء النجاسة فيه، واحتمال عدم وصول الماء إلى البشرة، وأمثال ذلكليس بمنتفي، ومع ذلك قال الإمام عليهالسلام في رواية زرارة في استصحاب الوضوء:«لاتنقض اليقين بالشكّ» وهكذا في روايته الاُخرى في استصحاب طهارةالثوب.
و يستفاد من ذلك ـ كما ذكرنا سابقاً ـ أنّ المراد باليقين فيها هو الحجّة،فمقابله اللاحجّة، فكأنّه قال: «لاينبغي رفع اليد عن الحجّة بغير الحجّة»، فلذقلنا بجريان الاستصحاب في مؤدّى الأمارات الشرعيّة والعقلائيّة، كما إذقامت البيّنة على ملكيّة زيد لدار كذا، ثمّ شككنا في بقاء ملكيّته له، فيجرياستصحاب بقاء الملكيّة، وهكذا في مؤدّى الخبر الواحد وقاعدة اليد ونحوذلك من الأمارات والحجج، فلا يصحّ انحصار الاستصحاب بما قلّما يتّفق إن لمنقل بعدم اتّفاقه أصلاً.
و ذكرنا أيضا أنّ كلمة «نقض» في قوله: «لا تنقض اليقين» ناظرة إلى نفساليقين وما يقوم مقامه بلحاظ تحقّق الاستحكام والإبرام فيه، فلا يكون قابلللنقض بما ليس كذلك ولا يرتبط بالمتيقّن، فلذا لافرق في المتيقّن بين كونهمستعدّاً للبقاء أم لا؟
وبعبارة اُخرى: لافرق في جريان الاستصحاب بين الشكّ في المقتضيوالشكّ في الرافع.
وأمّا بناء على ماأفاده الشيخ الأنصاري رحمهالله ـ من كون اليقين بمعنى المتيقّنوملاحظة النقض بالنسبة إلى المتيقّن، وكون قوله: «لا تنقض اليقين بالشكّ»بمعنى لاتنقض الطهارة المتيقّنة بالشكّ، وعدم إمكان استعمال كلمة «النقض» في