(صفحه342)
الملكيّة للبايع أو المشتري سوى هذه القاعدة، ويتحقّق استصحاب عدمالملكيّة في أكثر موارد تحقّق الملكيّة بعنوان ذي اليد، ويتحقّق التعارض بينهما.
نعم، قد تكون القاعدة بلامعارض، كما إذا علمنا بملكية ذي اليد للمال فيزمان قطعا وعدم ملكيّته له في زمان آخر قطعا، وشككنا في تقدّم زمانالملكيّة وتأخّره، وبعد جريان استصحاب الملكيّة واستصحاب عدم الملكيّةوتساقطهما تبقى القاعدة بلامعارض، أو كما إذا كانت ملكيّة ذي اليد للشيءمن أوّل حدوثه مشكوكة، فلا يجري استصحاب عدم الملكيّة؛ لعدم تحقّقالحالة السابقة العدميّة إلاّ بنحو السالبة بانتفاء الموضوع، والاستصحاب فيهلايجري عندنا كما ذكرناه في محلّه، فتكون قاعدة اليد بلامعارض.
وإنّما الكلام في تقدّم القاعدة على الاستصحاب عند التعارض وعدمه،فنقول: يحتمل أن تكون قاعدة اليد أمارة شرعيّة وعقلائيّة، ويحتمل أن تكونأصلاً عقلائيّا أمضاه الشارع، وعلى الأوّل ـ كما هو الظاهر ـ لا إشكال فيتقدّمها على الاستصحاب، كما ذكرنا أنّ تقدّم الأمارات والطرق المعتبرة عليهيكون على نحو الورود.
وعلى الثاني أيضا تتقدّم القاعدة عليه بعد الالتفات إلى أمرين:
الأوّل: تحقّق الإجماع على اعتبار قاعدة اليد في جميع الموارد مطلقاً بلا فرقبين تحقّق الاستصحاب على خلافها وعدمه.
الثاني: أنّ بعد تحقّق التعارض بينهما في أكثر موارد القاعدة يهدينا قوله:«ولولا ذلك لما قام للمسلمين سوق» إلى عدم اختصاص القاعدة بالمواردالنادرة، وإلاّ يلزم أن تكون القاعدة قليلة الفائدة، بخلاف الاستصحاب؛ إذيبقى تحته جميع الشبهات الحكميّة والشبهات الموضوعيّة قليلة غير الملكيّة، فلشكّ في تقدّم القاعدة على الاستصحاب، سواء قلنا بأنّها أمارة شرعيّة أو قلن
(صفحه 343)
بأنّه أصل معتبر شرعا تبعا للعقلاء.
وأمّا قاعدة التجاوز ـ كما إذا شككنا في حال السجود بإتيان الركوع قبلهوعدمه ـ فهي تحكم بعدم الاعتناء بالشكّ، والإتيان به، ومقتضى الاستصحابعدم الإتيان به، وهكذا في قاعدة الفراغ ـ كما إذا شككنا بعد الفراغ من الصلاةبإتيان الركوع في الركعة الثالثة ـ مثلاً ـ وهي تحكم بعدم الاعتناء بالشكّوالإتيان به، ومقتضى الاستصحاب عدم الإتيان به، وهكذا في أصالة الصحّةالجارية في غير العبادات بالنسبة إلى عمل الغير أو عمل النفس بعد وقوعالعمل والشكّ في وقوعه صحيحاً أم لا؟ ففي جميع هذه الموارد يكون مقتضىالاستصحاب فساد العمل، فما هو الحكم في مقام التعارض؟
فإن قلنا بأماريّة هذه القواعد جميعا أو بعضها فلا يبقى مجال للاستصحابمع تحقّقها في مقام التعارض؛ لماذكرنا من تقدّم الأمارة عليه من باب الورود،وإن قلنا بعدم أماريّتها وأن سنخ حجّيّتها سنخ حجّيّة الاستصحاب يكونتقدّمها عليه من باب التخصيص لعموميّة دليل الاستصحاب، واختصاصأدلّتها بموارد خاصّة، ولزوم لغويّة جعلها بناء على تقدّم الاستصحاب عليها،ولا يكون سياق دليل الاستصحاب آبيا عن التخصيص، فلابدّ من كون تقدّمالقواعد الثلاث عليه بنحو التخصيص.
وأمّا تعارض الاستصحاب مع قاعدة القرعة فلابدّ من الإشارة الإجماليةإلى مفاد هذه القاعدة بأنّه قد يعبّر عنها بأنّ «القرعة لكلّ أمر مشكل»، وقديعبّر عنها بأنّ «القرعة لكلّ أمر مشتبه»، وقد يعبّر عنها بأنّ «القرعة لكلّ أمرمجهول» الظاهر منها المعنى العامّ الشامل لجميع الشبهات الحكميّة والموضوعيّةوجميع موارد جريان الأمارات والاُصول، كما يستفاد من كثير من الكلمات،ولازم ذلك المعنى الابتلاء بتخصيص الأكثر المستهجن بحيث لو استفدنا ممّا بقي
(صفحه344)
تحت العموم في مورد لابدّ من إحراز عمل الأصحاب على طبقها فيه، وهذكاشف من عدم كونها بهذا الحدّ من العموم والتوسعة من الابتداء.
فيمكن أن يكون معنى المشكل في قوله: «القرعة لكلّ أمر مشكل»،المشكل بقول مطلق بمعنى عدم العلم وعدم إحراز الحكم الواقعي والظاهري،فلا مصداق لها في الشبهات الحكميّة أصلاً لتكفّل الاُصول والأماراتلإحرازها، فلا يبقى مجال لجريانها فيها، وهكذا في كثير من الشبهاتالموضوعيّة لإحراز حكمها بالاُصول العمليّة.
نعم، إذا لم يمكن جريان الاُصول طرّاً وقاعدة اليد وسائر القواعد يكونمورد قاعدة القرعة، كما إذا ادّعى مدّعيان ملكيّة شيء في يد شخص ثالثبدون البيّنة لهما، مع اعتراف ذواليد بعدم ملكيّته له، فلا طريق لاستكشافمالكه سوى القرعة، وهذا المعنى يستفاد من كلام صاحب الكفاية رحمهالله (1).
ويمكن أن يكون معناه مايستفاد من كلام اُستاذنا السيّد الإمام رحمهالله وحاصلكلامه: أنّ التتّبع في الروايات الكثيرة الواردة في باب القرعة يرشدنا إلى أنّهمسألة إمضائيّة لدى الشارع لما هو المعمول به عند العقلاء، وقوله: «القرعةلكلّ أمر مشكل» ناظر إلى الموارد اللتي تمسّك العقلاء بها بقرينة الروايات،منها: ما إذا كانت الحقوق متزاحمة بدون أي طريق لتشخيص الحقّ وفصلالخصومة سوى القرعة، كما إذا ادّعى شخصان لملكيّة شيء في يد ثالث ـ مثلاً فيستفاد من القرعة لرفع الجهل عن الواقع المعيّن.
ومنها: مايستفاد منها في مقام تقسيم الأموال بين الورثة ورفع النزاعالمحتمل، ومن هنا نستكشف أنّ القرعة ليست بأمارة؛ إذ لا واقعيّة مجهولة فيالبين حتّى تكون هى أمارة لها وكاشفة عنها، بل يستعملها العقلاء لمحض رفع
- (1) كفاية الاُصول 2: 361.
(صفحه 345)
النزاع والخصام، فليس في جميع الموارد المنصوصة إلاّ ما هو الأمر العقلائي.
نعم، يبقى مورد واحد هو قضيّة اشتباه الشاة الموطوءة ممّا لايمكن الالتزامبها في أشباهها، فلابدّ من الالتزام فيه بالتعبّد في المورد الخاصّ لايتجاوز منهإلى غيره.
ويمكن أن يقال: إنّ التعبّد في هذا المورد أيضا إنّما يكون لأجل تزاحمحقوق الشياه لنجاة البقية كما أشار إليه في النصّ بقوله: «فإن لم يعرفها قسمهنصفين أبدا حتّى يقع السهم بها، فتذبح وتحرق وقد نجت سائرها»(1).
وربما يحتمل أن يكون مورده من قبيل تزاحم حقوق أرباب الغنم فإنّقطيع الأغنام يكون من أرباب متفرّقين غالبا فتتزاحم حقوقهم.
وبالجملة، من تتبّع موارد النصوص والفتاوى يظهر له أنّ مصبّ القرعةليس إلاّ ما أشرنا إليه(2).
إذا عرفت معنى قاعدة القرعة إجمالاً فنقول: إنّها إن كانت بالمعنىالعامّ الشامل لكلّ المشتبهات يكون تقدّم الاستصحاب عليها في موردالتعارض من باب المخصّص، فنستفيد من دليليهما أنّ القرعة لكلّ أمر مشكلإلاّ المشكل الذي كانت له حالة سابقة متيقّنة، وإن كانت بالمعنى الذي ذكرهصاحب الكفاية ـ أي المشكل الذي لايعلم حكمه الواقعي ولا حكمهالظاهري ـ يكون تقدّم الاستصحاب عليها وسائر الاُصول عليها بنحوالورود، وإن كانت بالمعنى الذي ذكره اُستاذنا السيّد الإمام رحمهالله ـ أيانحصارها بموارد تزاحم الحقوق وطريق رفع النزاع وحصول الأولويّة يكون أيضا تقدّمه عليها من باب الورود؛ إذ لايبقى مجال لتزاحم الحقوق بعد
- (1) الوسائل 16: 358، الباب 30 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 1.
- (2) الاستصحاب: 384 ـ 394.
(صفحه346)
جريان الاستصحاب.
و لكن يستفاد من كلام صاحب الكفاية رحمهالله في الابتداء أنّ دليلالاستصحاب أخصّ من دليل القرعة، وصرّح بخروج الشبهات الحكميّة عنالقاعدة بالإجماع، ثمّ يقول في جواب الإشكال الوارد عليه: «إنّ المشكل فيدليل القرعة مشكل بعنوانه الواقعي والظاهري وبقول مطلق، ونتيجته تقدّمالاستصحاب على القرعة بنحو الورود».
وفي ذيل كلامه يقول: «فلا بأس برفع اليد عن دليل القاعدة عند دورانالأمر بينه وبين رفع اليد عن دليل الاستصحاب؛ لوهن عموم القاعدة وقوّةعموم دليل الاستصحاب»(1).
ونتيجته تحقّق التعارض بين عموم الدليلين وإنكار نسبة العموموالخصوص المطلق والوارد والمورود بينهما، ومن تفريع هذه المسألة بفاءالتفريع على المبنى الثاني يستفاد كونها نتيجته ومتفرّعة عليه، مع أنّها مسألةمستقلّة لاربط لها بالمسألة الثانية، بل للقرعة ثلاثة معاني ومباني، ونتيجة كلّمنها غير نتيجة الآخر كما ذكرنا تفصيله.
هذا تمام الكلام في باب الاستصحاب.
- (1) كفاية الاُصول 2: 360 ـ 361.