(صفحه400)
العلماء» إلاّ وجوب إكرام العدول منهم ـ فلا شبهة حينئذٍ في أنّه لابدّ منملاحظته بعد التخصيص بدليل العقل مع الخاصّ الآخر، بل لايصدق عليهالتخصيص وانقلاب النسبة.
وإن كان الدليل اللبّي كالإجماع ونحوه فلا ترجيح له على الخاصّ اللفظيّأصلاً؛ لعين ما ذكر في الدليلين اللفظيين.
وأمّا الاحتمال الثالث فهو التفصيل بين المخصّص اللبّي المنفصل ـ كالإجماع والمخصّص اللفظيّ المنفصل، وإن نقل عن بعض المحقّقين ولكن لا وجه ولمناط له؛ لعدم الفرق بينهما أصلاً، لا في أنّه بعد ملاحظة الخاصّ يستكشفتضييق دائرة المراد الجدّى من أوّل الأمر وأنّ صدور العامّ كان بنحو التقنينوإفادة الحكم على النحو الكلّي، ولا في أنّه قبل العثور على المخصّص ـ لفظيّكان أو لبّيّاً ـ تكون أصالة العموم متّبعة، وبعد الظفر به ترفع اليد عنه، فلا فرقبينهما أصلاً.
وأمّا الكلام في المقام الثاني فقد عرفت أنّه ذهب الشيخ قدسسره إلى وقوعالتعارض بين العامّ ومجموع الخاصّين؛ نظرا إلى أنّ تخصيص العامّ بكلّ واحدمنهما لا يوجب محذورا، بل تخصيصه بهما يوجب الاستهجان أو الاستيعاب،فلابدّ من ملاحظة الترجيح فيهما، وفي صورة فقده التساقط أو التخيير.
ولكن اُستاذنا السيّد الإمام قدسسره مخالف لهذا النظر ويقول: إنّ مجموع الخاصّينلايكون أمرا ثالثا ورائهما، والمفروض أنّه لا معارضة لشيء منهما مع العامّ، فلوجه لترتيب أحكام المتعارضين عليه وعليهما، غاية الأمر أنّه حيث لايمكنتخصيص العامّ بمجموعهما يرجع ذلك إلى عدم إمكان الجمع بين الخاصّين،لامن حيث أنفسهما، بل من جهة أنّ تخصيص العامّ بهما يوجب الاستهجان أوالاستيعاب، فيقع التعارض بينهما تعارضاً عرضيّا ـ كما أنّ العلم الإجمالي
(صفحه 401)
بنجاسة أحد الإنائين يوجب التعارض العرضي بين استصحاب طهارة كلّمنهما ـ فلابدّ من معاملة الخاصّين حينئذٍ معاملة المتعارضين، وعلى هذا فإنقلنابعدم اختصاص الأخبار العلاجيّة بالتعارض الذاتي وشمولها للتعارضالعرضي أيضا فلابدّ من الرجوع إلى المرجّحات المذكورة فيها، وإن قلنا بعدمشمولها له فلابدّ من الرجوع إلى ما تقتضيه القاعدة في المتعارضين مع قطعالنظر عن تلك الأخبار من السقوط على ما هو التحقيق، أو التخيير كمسيأتي(1).
ومن المعلوم أنّ التحقيق والدقّة في المسألة يقتضي الالتزام بما ذكرهالإمام قدسسره بخلاف ما ذكره الشيخ قدسسره ومن تبعه. كما لا يخفى.
وما ذكرناه من وقوع التعارض بين الخاصّين إنّما هو فيما لو لم يعلم بثبوتالملازمة بينهما، وأمّا إذا علم من الخارج بتحقّق الملازمة بينهما بحيث لايمكنالتفكيك بينهما من حيث الحكم فتكون هنا صورتان؛ إذ يعلم تارة بعدماختلاف موردهما من حيث الحكم وثبوت الملازمة بين موردهما فقط، كما إذعلم في المثال المتقدّم بأنّه لو كان إكرام النحويّين من العلماء حراما لكان إكرامالصرفيّين منهم أيضا كذلك.
واُخرى يعلم بعدم الاختلاف بين جميع أفراد العامّ مع حيث الحكم أصلاً،كما إذا علم بأنّ حكم إكرام جميع أفراد العلماء واحد وأنّه إن كان الإكرام واجبفهو واجب في الجميع، وإن كان حراماً كذلك، وهكذا.
ففي الاُولى يقع التعارض بين العامّ وبين كلّ واحد من الخاصّين.
وفي الثاني يقع التعارص بين الجميع، العامّ مع كلّ واحد منهم، وهو معالآخر، كما لا يخفى، إلاّ أنّ العلم بالملازمة قليلاً مّا يتّفق وفرض نادر جدّا.
- (1) معتمد الاُصول 2: 367 ـ 368.
(صفحه402)
هذا كلّه فيما إذا كانت النسبة بين الخاصّين التباين كما فيما عرفت من المثال.
إذا ورد عامّ وخاصّان بينهما عموم وخصوص مطلق
وأمّا لو كانت النسبة بين الخاصّين أيضا العموم والخصوص مطلقا،كالنسبة بين كلّ واحد منهما مع العامّ كقوله: «أكرم العلماء»، و«لا تكرمالنحويّين منهم»، و«لا تكرم الكوفيّين من النحويّين»، فقد ذكر المحقّقالنائيني قدسسره على ما في التقريرات: «أنّ حكم هذا القسم حكم القسم السابق منوجوب تخصيص العامّ بكلّ من الخاصّين إن لم يلزم التخصيص المستهجن أوبقاء العامّ بلا مورد، وإلاّ فيعامل مع العامّ ومجموع الخاصّين معاملةالمتعارضين»(1).
والتحقيق أن يقال: إنّ لهذا الفرض صورا متعدّدة؛ فإنّه قد يكون الخاصّانمتوافقين من حيث الحكم إثباتا أو نفيا، وقد يكونان متخالفين، وعلىالتقديرين قد يلزم من تخصيص العامّ بكلّ منهما التخصيص المستهجن بمعنىاستلزام التخصيص بكلّ ذلك، وقد لا يلزم التخصيص المستهجن إلاّ منالتخصيص بالخاصّ دون الأخصّ، وقد لا يلزم شيء منهما، ومرجعه إلى عدملزوم التخصيص المستهجن من التخصيص بالخاصّ؛ ضرورة أنّه مع عدماستلزامه ذلك يكون عدم استلزامه من التخصيص بالأخصّ بطريق أولى، ثمّإنّه في صورة اختلاف الخاصّين من حيث الحكم قد يلزم من تخصيص الخاصّبالأخصّ الاستهجان، وقد لا يلزم.
وفي صورة توافق الخاصّين قد يستفاد وحدة الحكم من وحدة السببـ مثلاً ـ وقد لا يستفاد ذلك، بل لا طريق لنا لإحراز وحدة الحكم؛ لكونهم
- (1) فرائد الاُصول 4: 743.
(صفحه 403)
حكمين مستقلّين.
وتفصيل حكم هذا الصور أن يقال: إذا كان الخاصّان متوافقين من حيثالحكم، واُحرز وحدة الحكم المشتمل على النهي في مقابل العامّ من طريقوحدة السبب أو من طرق اُخر، فلابّد من تخصيص الخاصّ بالأخصّ إن لميلزم من تخصيصه به الاستهجان، ثمّ تخصيص العامّ بالخاصّ المخصّص، وإنلزم منه الاستهجان، فيصير الخاصّ والأخصّ متعارضين، فيعامل معهممعاملة المتعارضين؛ لإحراز وحدة الحكم وعدم إمكان التخصيص، فلابدّ منالأخذ بأحدهما، إمّا ترجيحا وإمّا تخييرا، وتخصيص العامّ به.
وإن لميحرز وحدة الحكم بل الظاهر كلاهما حكمان مستقلاّن ولميلزم منتخصيص العامّ بكلّ منهما الاستهجان، فلابدّ من تخصيص العامّ، فيقال في المثالالمذكور بوجوب إكرام العلماء غيرالنحويّين مطلقا كوفيّين كانوا أو غيرهم.
وإن لزم من تخصيص العامّ الاستهجان، فتارة يلزم الاستهجان منالتخصيص بالخاصّ فقط دون الأخصّ، فاللازم حينئذ تخصيص الخاصّبالأخصّ، ثمّ تخصيص العامّ بالخاصّ المخصّص؛ لأنّه الطريق المنحصر لرفعالاستهجان ومع إمكان ذلك لاوجه لطرح الخاصّ، فإنّ الطرح إنّما هو مع عدمإمكان الجمع المقبول عند العقلاء، وما ذكرنا مورد لقبولهم.
واُخرى يلزم الاستهجان من التخصيص بكلّ منهما، غاية الأمر أنّالتخصيص بالأخصّ أقلّ استهجانا من التخصيص بالخاصّ، فالعامّ حينئذيعارض الاثنين معا، ولا بدّ من الرجوع إلى المرجّحات المذكورة في الأخبارالعلاجيّة.
وأما الخاصّان المتخالفان من حيث الحكم كقوله: «أكرم العلماء» و«لا تكرمالنحويّين منهم»، و«يستحبّ إكرام الكوفيّين من النحويّين»، فإن لميلزم من
(صفحه404)
تخصيص الخاصّ بالأخصّ الاستهجان فاللازم تخصيصه به، ثمّ تخصيص العامّبالخاصّ المخصّص، وإن لزم الاستهجان من تخصيص الخاصّ بالأخصّ، فيقعالتعارض بين الخاصّين، وبعد إعمال قواعد التعارض وترجيح أحد الخاصّينيخصّص العامّ بما رجّح إن لميلزم من تخصيص العامّ به الاستهجان، وإلاّ فيقعالتعارض بين مجموع أدلة العامّ وكلّ واحد من الخاصّين، ولا بدّ معها منمعاملة المتعارضات والرجوع إلى الأخبار العلاجيّة.
إذا ورد عامّ وخاصّان بينهما عموم من وجه:
وأمّا إذا كانت النسبة بين الخاصيّن العموم والخصوص من وجه، كقوله:«أكرم العلماء» و«لا تكرم النحويّين من العلماء» و«لا تكرم الفسّاق منهم»، فإنكان الخاصّان متوافقين من حيث الحكم إيجابا وسلبا ـ كما في المثال ـ فلا شبهةفي تخصيص العامّ بكليهما إن لم يلزم من تخصيصه بهما الاستهجان، وإلاّ فيقعالتعارض بين الخاصّين، ويؤخذ بأحدهما، إمّا ترجيحا وإمّا تخييرا، ويخصّصالعامّ به.
وإن كانا مختلفين من حيث الإيجاب والسلب، كما إذا كان الخاصّ الثاني هوقوله: «يستحبّ إكرام الفسّاق من العلماء»، فهنا أدلّة ثلاث، بعضها يدلّ علىوجوب إكرام جميع العلماء، وثانيها على حرمة إكرام النحويّين منهم، وثالثهعلى استحباب إكرام الفساق من العلماء.
ولا ريب في لزوم تخصيص العامّ بكلّ منهما بالنسبة إلى مورد افتراقهما، فإنّهلاشبهة في تخصيص العامّ بنحويّ عادل، وكذا بالفاسق الغير النحوي، وإنّمالإشكال في النحوي الفاسق حيث يدلّ العامّ على وجوب إكرامه، وأحدالخاصّين على حرمته، والآخر على استحبابه.
والظاهر أنّه لابدّ من رعاية قواعد التعارض بين الجميع في النحوي