(صفحه44)
النبيّ صلىاللهعليهوآله أنّه قال: «لا ضرر ولا ضرار»(1).
وقال ابن زهرة في باب خيار العيب: «ويحتجّ على المخالف بقوله: «لا ضررولا ضرار»»(2). وقال العلاّمّة في التذكرة مرسلاً: «قال رسولاللّه صلىاللهعليهوآله : «لا ضررولا ضرار في الإسلام»»(3).
وهكذا ذكرت هذه الجملة في الكتب اللغوية، مثل: مجمع البحرين ونهايةابن الأثير، والمستفاد من نقل ابن الأثير ـ مع التزامه بنقل ما روي من طرقأهل السنة ـ أنّ نقلها لا ينحصر بالإماميّة، كما أنّ أحمد بن حنبل ذكرها فيضمن الرواية المفصّلة عن عبادة بن صامت بالنسبة إلى الأحكام الصادرة عنرسول اللّه صلىاللهعليهوآله وقال: «وقضى أن لا ضرر ولا ضرار»(4)، فلا مناقشة فيها منحيث الاعتبار بعد نقلها إجمالاً من طريق الفريقين.
ولا إشكال في ورودها في ذيل قضية سمرة بن جندب، ولا إشكال فيارتباطها في هذه القضيّة، كما يستفاد من كثير من الروايات، مثل: الموثّقةالمنقولة عن المشايخ الثلاثة، فإنّه قال رسول اللّه فيها: «اذهب فاقلعها وارم بهإليه، فإنّه لا ضرر ولا ضرار». ودليل الارتباط هو بيان التعليل مصدّرا بكلمة«فاء»، وهكذا قال في مرسلة زرارة: «إنّك رجل مضارّ ولا ضرر ولا ضرار علىمؤمن»، فإنّ تشكيل الصغرى والكبرى دليل على الارتباط بهذه القضيّة،وهكذا قوله في رواية اُخرى: «ما أراك يا سمرة إلاّ مضارّا».
وأمّا الروايات الدالّة على ورودها في ذيل قضيّة اُخرى مثل قوله: «قضىرسول اللّه صلىاللهعليهوآله بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والمساكن، وقال: لا ضرر ول
- (2) غنية النزوع إلى علمي الاُصول والفروع: 224.
- (3) تذكرة الفقهاء 11: 68.
(صفحه 45)
ضرار، وقا ل: إذا عرّفت العرف وحدّدت الحدود فلا شفعة»، فلا ظهور لهبالارتباط؛ إذ يحتمل أن تكون هذه جملة مستقلّة في قبال ما هو قبلها وبعدها.
وهكذا ما ذكرناه من قوله: «قضى رسول اللّه صلىاللهعليهوآله بين أهل المدينة فيمشارب النخل أنّه لايمنع نفع شيء (نقع بئر) وقضى بين أهل البادية أنّه لايمنعفضل ماء ليمنع به فضل كلاء، وقال (فقال): لا ضرر ولا ضرار»؛ إذ النسخة فيالواقع إن كانت «فقال» يدلّ على الارتباط وإن كانت «وقال» لا يدلّ عليه،فلا دليل لإثبات ارتباطها بالقضيّتين.
والظاهر بحسب بادي النظر أنّ مشروعيّة حقّ الشفعة تكون بلحاظ دفعالضرر، وأنّ قوله: «لا ضرر ولا ضرار» بمنزلة التعليل له، ولازم ذلك دورانهمدار تحقّق الضرر وعدمه، فإذا كان المشتري مؤمنا صالحا وأفضل معاشرةمن الشريك لايتحقّق حقّ الشفعة، مع أنّه لايمكن الالتزام به، مضافا إلى أنّهثابت للشريكين فقط، فإن كان الشركاء أزيد منهما لايتحقّق وإن كان في البينضرر للشريك، وهكذا إذا كان انتقال الملك بالهبة والصلح ونحو ذلك؛لاختصاصه بالبيع فقط، مع أنّه لا فرق من حيث الضرر بين البيع وسائرالانتقالات. ومضافا إلى أنّ مدار الحكم لو كان تحقّق الضرر لابدّ من تحقّقهفيما إذا كان بيع دار الجار وأرضه موجبا لضرر جاره بدون أيّ نوع منالشركة، مع أنّه لم يلتزم أحد بذلك.
وهكذا إذا كان بيع الدار الشخصيّة موجبا لمشقّة شديدة أو كسالة زوجتهلشدّة علاقتها بالدار، أو في مثل هبة الأب ثلث ماله لأحد أولا ده في حالحياته وسلامته، لكونه ضررا لسائر أولا ده، مع أنّه لايتحقّق حقّ الشفعة فيهذين الموردين، ولا إشكال فيهما، فلا يرتبط قوله: «لا ضرر ولا ضرار»بالشفعة، وإلاّ يلزم التوالي الفاسدة المذكورة.
(صفحه46)
وأضف إلى ذلك: أنّ لحقّ الشفعة مرحلتين: الاُولى: كون بيع الشريك ملكهبيعا جائز الفسخ، قابل الرجوع برجوع الثمن إلى ملك المشتري والمثمن إلىملك البائع، كأنّه لم يقع هناك بيع ولم تتحقّق معاملة أصلاً.
الثانية: قيام الشريك مقام المشتري وانتقال ما للبائع إلى ملكه وضميمةنصف الآخر إلى نصفه بإعطاء الثمن للمشتري، فإن كان لقوله: «لا ضرر ولضرار» دخلاً بعنوان التعليل في حقّ الشفعة، يكون مقتضاه إثبات المرحلةالاُولى فقط؛ لارتفاع الضرر بها قطعا، ولا يقتضي إثبات المرحلة الثانية بقيامالشريك مقام المشتري في هذه المعاملة أصلاً.
واختار شيخ الشريعة الأصفهاني رحمهالله طريقا آخر لعدم ارتباط قوله: «لضرر ولا ضرار» بمسألة الشفعة، وقال: إنّه تتحقّق الروايتان بالنسبة إلى قضايرسول اللّه صلىاللهعليهوآله أحدهما معروف عند أهل السنة، والآخر معروف عند الإماميّة.
الاُولى: رواية عبادة بن صامت وعنوانها: «قضى رسول اللّه بين أهلالمدينة كذا، قضى رسول اللّه بين أهل البادية كذا، قضى رسول اللّه لا ضرر ولضرار، قضى رسول اللّه كذا وكذا»، وجمع فيها جميع ما قضى به رسولاللّه صلىاللهعليهوآله ونقل فيها قوله: «لا ضرر ولا ضرار» بعنوان قضيّة مستقلّة، ونقل قوله «قضىرسول اللّه بالشفعة بين الشركاء في الأراضي والمساكن» بدون التذيل به،وهكذا قوله «قضى رسول اللّه أنّه لايمنع فضل ليمنع به فضل كلاء».
الثانية: رواية عقبة بن خالد، وفيها نقل قضايا رسول اللّه صلىاللهعليهوآله في الأبوابالمختلفة، وإن كان بعض آخر مثل السكوني أيضا ناقلاً لها، ولكنّ العمدة نقلهلها، ويحتمل أن يكون نقله جميع القضايا في رواية واحدة، وتجزأتها وتقطيعهونقل كلّ جزء منها في الباب المناسب من قبل تلامذته ورواة الحديث عنهبلاواسطة أو مع الواسطة، وإذا لاحظنا الروايتين فلا فرق بينهما من حيث
(صفحه 47)
العبارات والألفاظ إلاّ في جعل قوله «لا ضرر ولا ضرار» ذيلاً لقضيّة الشفعةوفضل الماء في رواية عقبة بن خالد، بخلاف رواية عبادة بن صامت.
ومن هنا نستفيد أنّ قوله: «لا ضرر ولا ضرار» قضيّة مستقلّة لاترتبطبقضيّة الشفعة وفضل الماء.
وذكر المحقّق النائيني رحمهالله مؤيّدا لذلك، وقال: «لايبعد أن تكون رواية عقبةبن خالد رواية واحدة مشتملة على قضايا متعدّدة، والشاهد على ذلك وحدةالسند في جميعها كما ذكرنا عن الكليني رحمهالله عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بنالحسين، عن محمّد بن عبداللّه بن هلال، عن عقبة بن خالد عن أبي عبداللّه عليهالسلام :قال: «قضى رسول اللّه بين أهل المدينة...»، وهكذا سائر رواياته، ولكن مثلالكليني رحمهالله لمّا رتّب كتابه على ترتيب أبواب الفقه نقل كلّ قضيّة منها في باب».
والإشكال المؤيّد على هذا الطريق: أنّ الروايات التي نقلها عقبة بن خالدلاتكون أزيد من عشرة قضايا، مع أنّ قضايا رسول اللّه صلىاللهعليهوآله كثيرة، ونقل عدّةمنها السكوني، وعدّة اُخرى بعض آخر، فلا امتياز لعقبة بن خالد في ذلك،بخلاف رواية عبادة بن صامت؛ لاشتمالها للجميع أو أكثر قضايا رسول اللّه صلىاللهعليهوآله مضافا إلى أنّ تكرار قوله: «لا ضرر ولا ضرار» في ذيل قضيّة الشفعة وقضيّةفضل الماء والكلاء دليل على كونه ذيلاً لهما وأنّهما معلّلان به، وإلاّ لا وجهلتكراره، فلا يصحّ الالتزام بهذا الطريق.
والدليل على عدم الارتباط هو ما ذكرناه من استلزام التوالي الفاسدة، معضعف سند الروايتين المذكورتين فيهما القضيّتان؛ لعدم إثبات توثيق محمّد بنعبداللّه بن هلال في الرجال، فلا يمكن الالتزام بارتباطه بالقضيّتين بعد عدمالإشكال في صدوره عن رسول اللّه في ذيل قضيّة سمرة بن جندب، وأمّصدوره مستقلاًّ عنه صلىاللهعليهوآله فلا دليل عليه، كما لا يخفى.
(صفحه48)
وأمّا تحقّق كلمة «على مؤمن» في ذيله فلا دليل عليه؛ لعدم وجودها إلاّ فيالمرسلة الغير المعتبرة، مع تقدّم أصالة عدم الزيادة على أصالة عدم النقيصة.
وأمّا كلمة «في الإسلام» فهي مذكورة في ذيله في المرسلة المعتبرة للصدوق،ولكن يحتمل أن تكون هي في الواقع: «فالإسلام» بلحاظ الجمل الواقعةبعدها، فحقيقة الرواية أنّه قال النبيّ صلىاللهعليهوآله : لا ضرر ولا ضرار، فالإسلام يزيد خيرولا يوجب فيه شرّا»، وهذا الاحتمال عقلائي. وإن قيل: إنّه خلاف الظاهربلحاظ ذكرها في الكتب اللغوية أيضا في ذيله، فلابدّ له من العمل بالظاهر.هذا تمام الكلام في هذه الجهة.
ولا بدّ من البحث في مفردات الحديث بعد إثبات أصل صدوره عنه صلىاللهعليهوآله وأنّ «لا ضرار» المذكور بعد «لا ضرر» تأكيد لما قبله أو أنّه مغاير له، وعلىفرض المغايرة هل المغايرة مغايرة باب المفاعلة والثلاثي المجرّد ـ أي الصدورمن الاثنين أو الواحد ـ أو أزيد من ذلك؟ فلابدّ من الرجوع إلى أهل اللغةوملاحظة موارد استعماله في الكتاب والسنّة، ثمّ أخذ النتيجة في المسألة.
وأمّا من حيث اللغة ففي صحاح الجوهري أنّ: «الضرّ: خلاف النفع، وقدضرّه وضارّه بمعنى واحد».
يحتمل أن يكون المراد عدم الفرق بينهما في استعمال كلّ واحد منها مكانالآخر، وليس لكلمة «ضارّة» معنى المفاعلة، ويحتمل أن يكون المراد عدمالفرق بينهما بالنسبة إلى عدم النفع، وهذا لاينافي أن يكون لأحدهما العنوانالثلاثي المجرّد وللآخر عنوان المفاعلة والأقوى والأقرب هو الاحتمال الأوّل.
ثمّ قال: «والاسم الضرر» ما يتحقّق من المصدر ـ أي الضرّ مصدر،والضرر اسم المصدر ـ ثمّ قال ـ : «والضرار: المضارّة»، والمعنى: أنّ الضرارعبارة عن المضارّة التي قلنا، وقد ضرّه وضارّه بمعنى واحد، فلا يستفاد من