فرضيا بالعدلين، فاختلف العدلان بينهما، عن قول أيّهما يمضي الحكم؟ قال:«ينظر إلى أفقههما وأعلمهما بأحاديثنا وأورعهما، فينفذ حكمه، ولا يلتفت إلىالآخر»(1).
وهكذا يؤيّد بما يظهر من رواية موسى بن أكيل، عن أبي عبداللّه عليهالسلام قال:سئل عن رجل يكون بينه وبين أخ منازعة في حقّ، فيتّفقان على رجلينيكونان بينهما، فحكما فاختلفا فيما حكما، قال: «وكيف يختلفان؟» قلت: حكمكلّ واحد منهما للذي اختاره الخصمان، فقال: «ينظر إلى أعدلهما وأفقههما فيدين اللّه فيُمضي حكمه»(2).
فكلاهما ظاهران في مسألة القضاء، وهكذا في المقبولة، فإنّ الإمام عليهالسلام بعدمذكرنا، قال: «الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث،وأورعهما ولا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر»، الحديث.
ثمّ ذكر في المقبولة ـ بعد تساوي الحاكمين في الأوصاف المذكورة ـ ملاحظةمستند حكمهما، فإنّه قال: فقلت: فإنّهما عدلان مرضيّان عند أصحابنا،لايفضل واحد منهما على صاحبه؟ قال، فقال: «ينظر إلى ما كان من روياتهم
عنّا في ذلك الذي حكما به، المجمع عليه عند أصحابك، فيؤخذ به من حكمنا،ويترك الشاذّ الذي ليس بمشهور عند أصحابك، فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه»،الحديث.
والمحقّق الرشتي رحمهالله جعل هذا السؤال والجواب شاهدا لمدّعاه بأنّه لصلاحية للمتخاصمين في الرجوع إلى مستند حكم الحاكم، وعلى فرضالصلاحية لايستحقّ السؤال عن مستند الحكم حتّى تصل النوبة إلى الملاحظةوتشخيص المشهور منهما عن غير المشهور، هذا أوّلاً.
وثانياً: أنّ القاعدة في باب القضاء أنّ الحاكمين إذا حكما بحكمين مختلفين فيآنٍ واحد فيتساقطان، وإذا كان التقدّم والتأخّر في البين فالحكم النافذ هوالحكم المتقدّم.
والتحقيق: أنّ هذا الإشكال مشترك الورود، فإنّه على حمل الرواية بمقامالفتوى لا صلاحية للمقلّدين في الرجوع إلى مستند مرجعهما وسؤالهما عنمستندهما ثمّ ملاحظتهما وتشخيص المجمع عليه عند الأصحاب عن الشاذّالنادر، فلا يمكن رفع اليد عن ظاهر صدرها بهذا الإشكال المشترك.
ثمّ جعل الإمام عليهالسلام الاُمور الثلاثة وقال: «وإنّما الاُمور ثلاثة: أمر بيّن رشدهفيتّبع، وأمر بيّن غيّه فيجتنب، وأمر مشكل يردّ علمه إلى اللّه ورسوله، قال رسولاللّه صلىاللهعليهوآله : حلال بيّن وحرام بيّن وشبهات بين ذلك، فمن ترك الشبهات نجا منالمحرّمات، ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرّمات وهلك من حيث لايعلم».
قلت: فإن كان الخبران عنكما مشهورين قد رواهما الثقات عنكم.
قال: «ينظر فما وافق حكمه حكم الكتاب والسنّة وخالف العامّة فيؤخذ به،ويترك ما خالف حكمه حكم الكتاب والسنّة ووافق العامّة».
قلت: جعلت فداك، أرأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنة
(صفحه446)
ووجدنا أحد الخبرين موافقا للعامة والآخر مخالفا لهم، بأيّ الخبرين يؤخذ؟
قال: «ما خالف العامّة ففيه الرشاد».
فقلت: جعلت فداك فإن وافقهما الخبران جميعا.
قال: «ينظر إلى ماهم إليه أميل حكّامهم وقضاتهم فيترك ويؤخذ بالآخر».
قلت: فإن وافق حكّامهم الخبرين جميعا؟
قال: «إذا كان ذلك فأرجه حتّى تلقى إمامك، فإنّ الوقوف عند الشبهات خيرمن الاقتحام في الهلكات»(1).
ولا بدّ من ملاحظة خصوصيّات الرواية بأنّ المراد من المجمع عليه أوالمشهور فيها هي الشهرة من حيث الفتوى أو الشهرة من حيث الرواية؟وعلى كلا التقديرين هل الشهرة مرجّحة لإحدى الحجّتين على الاُخرى، أوالموافق للشهرة حجّة ومخالفها فاقد للحجّيّة رأسا؟ بعد ملاحظة تعبيرالإمام عليهالسلام في الابتداء بـ «المجمع عليه عند أصحابك» ثمّ قوله عليهالسلام في مقامالتعليل: «فإنّ المجمع عليه لاريب فيه، ويترك الشاذّ الذي ليس بمشهور».
وتعبير السائل أيضا بقوله: (فإن كان الخبران عنكم مشهورين)، هل المرادمن الشهرة في كلام السائل ما هو المراد في كلام الإمام عليهالسلام أم لا؟ وما معنىكون المجمع عليه لا ريب فيه في تعليل الإمام عليهالسلام ؟
وملاحظة جعل الإمام عليهالسلام الاُمور ثلاثة، ثمّ تأييده بتثليث رسول اللّه صلىاللهعليهوآله وأنّ الخبر الشاذّ الذي ليس بمشهور من مصاديق بيّن الغيّ وحرام بيّن، أو منمصاديق أمر مشكل، وشبهات بين ذلك يردّ حكمها إلى اللّه وإلى الرسول؟
وملاحظة ما فرض في كلام السائل بقوله: (فإن كان الخبران عنكممشهورين قد رواهما الثقات عنكم) وأنّ المراد من الشهرة التي اتّصف الخبران
- (1) الكافي 1: 67، كتاب فضل العلم، باب اختلاف الحديث، الحديث 10.