وبعد الفراغ من بيان الاحتمالات في موقعيّة الاستصحاب فلنبدأ في بيانالتعاريف المناسبة لها.
تعريف الشيخ الأنصاري للاستصحاب
قال الشيخ الأنصاري رحمهالله : «وعند الاُصوليّين عرّف بتعاريف أسدّهوأخصرها: إبقاء ما كان»(1).
يحتمل أن يكون المراد من الإبقاء في التعريف هو الإبقاء بحكم الشارع،ويحتمل أن يكون المراد منه إبقاء المكلّف وجريه على طبق الحالة السابقة فيمقام العمل.
وعلى أيّ تقدير أنّ هذا التعريف يناسب الاستصحاب إذا كان أصلاً منالاُصول العمليّة ظاهرا، ولا يناسب أماريّته وكاشفيّته أصلاً؛ إذ لاطريقيّةلإبقاء ما كان إلى الواقع، سواء كان بحكم الشارع أو عمل المكلّف على طبقالحالة السابقة، كما أنّ الطريقيّة في خبرالواحد ـ مثلاً ـ لاترتبط بعمل المكلّفعلى طبق خبر العادل ولا بحكم الشارع بتصديقه، بل ترتبط بنفس خبر محمّدبن مسلم ـ مثلاً ـ حيث إنّه رجل عادل يكون خبره طريقا إلى الواقع وكاشفعنه.
فعلى القول بأماريّته لابدّ من تعريفه بأنّه: عبارة عن اليقين السابق الملحوقبالشكّ؛ فإنّ اليقين بهذا الوصف يفيد الظنّ بالبقاء وكاشف عن الواقع، بمعنىكون الشيء متحقّقا ومتيقّنا في السابق وبضميمة الشكّ في البقاء يفيد الظنّ
(صفحه 85)
بالبقاء.
وأمّا على القول بكونه وظيفة مجعولة للشاكّ للتحفّظ على الواقع فلابدّ منتعريفه بأنّه عبارة عن الشكّ المسبوق باليقين، بمعنى أنّ الشكّ مع هذا الوصفيوجب تنجّز الواقع وحجّة على الواقع، ويوجب استحقاق العقوبة علىالمخالفة، كما أنّ الاحتمال في الشبهات البدويّة على القول بوجوب الاحتياطيكون كذلك.
وأمّا على القول بكونه حكما عقليّا غيرمستقلّ فلابدّ من تعريفه بأنّه:عبارة عن الملازمة بين كون الشيء في السابق متيقّنا وكونه في اللاحقمشكوكا.
وأشار المحقّق الخراساني قدسسره إلى ماذكرناه في حاشيته على الفرائد بقوله: «ليخفى أنّ حقيقة الاستصحاب وماهيّته يختلف بحسب اختلاف وجه حجّيّته،وذلك لأنّه إن كان معتبرا من باب الأخبار كان عبارة عن حكم الشارع ببقاءمالميعلم ارتفاعه، وإن كان من باب الظنّ كان عبارة عن ظنّ خاصّ به، وإنكان من باب بناء العقلاء عليه عملاً تعبّدا كان عبارة عن التزام العقل به فيمقام العمل(1).
فصرّح بأنّه لايكون للاستصحاب تعريف جامع ينطبق على جميع المبانيوالاحتمالات المذكورة.
ويرد على تعريف الاستصحاب بـ «إبقاء ما كان» ـ كما قال به الشيخالأنصاري قدسسره ـ إشكالان:
الأوّل: أنّه لايمكن الجمع بين هذا التعريف وجعل النزاع في هذا الباب بأنّههل الاستصحاب حجّة أم ليس بحجّة؟ فإنّ معناه أنّ إبقاء عمل المكلّف