(صفحه142)
فلامحالة تكون غايتهما العلم بالقذارة والحرمة، فجعل الغاية للحكم المغيّبالغاية ذاتا لايمكن.
الّلهُمَّ إلاّ أن يقال: إنّ الغاية إنّما تكون للطهارة والحلّيّة الواقعيّتين، لأجلالقرينة العقليّة، وهي عدم إمكان جعل الغاية للحكم الظاهري، فيكون المعنى:أنّ الطهارة والحلّيّة الواقعيّتين مستمرّتان إلى أن يعلم خلافهما، لكن جعلالغاية للطهارة والحلّيّة الواقعيّتين لازمه استمرار الواقعيّتين منهما في زمنالشكّ، لاالظاهريّتين ويرجع حينئذٍ إلى تخصيص أدلّة النجاسات والمحرّماتالواقعيّة، فتكون النجاسات والمحرّمات في صورة الشكّ فيهما طاهرة وحلالواقعا، وهو كما ترى باطل لو لميكن ممتنعا».
ثمّ قال: «فتحصّل ممّا ذكرنا: أنّ الجمع بين الحكم الواقعي والقاعدةوالاستصحاب ممّا لايمكن، فلابدّ من إرادة واحد منها، ومعلوم أنّ الرواياتظاهرة في قاعدة الحلّ والطهارة، بل مع فرض إمكان الجمع بينها أو بينالاثنين منها يكون ظهورها في القاعدتين محكّما، وليس كلّ ما يمكن يراد»(1).
والإنصاف أنّ بين صدر كلامه وذيله نوع من التهافت، فإنّ ظاهر كلامه فيالصدر عدم دلالة الروايات على قاعدة الطهارة والحلّيّة؛ لعدم إمكان جعلالغاية للحكم المغيّا بها ذاتا، وصريح قوله في الذيل بأنّ الروايات ظاهرة فيقاعدة الحلّ والطهارة، بل مع فرض إمكان الجمع بينها أو بين الاثنين منهيكون الظهور في القاعدتين محكما.
مع أنّ الغاية تهدينا إلى أنّ المراد من الطهارة هنا هي الطهارة الظاهريّة،والمراد من الحلّيّة هي الحلّيّة الظاهريّة؛ لعدم إمكان أخذ العلم غاية فيالأحكام الواقعيّة كما التزم به المشهور.
(صفحه 143)
والإشكال الخامس: مايستفاد من كلام المحقّق النائيني رحمهالله (1) وهو: أنّهلاطريق لدلالة قوله: «كلّ شيء طاهر» على الحكم الواقعي وأخذ قوله: «حتّىتعلم» غاية له إلاّ بملاحظة العلم فيها بعنوان الطريقيّة لا الموضوعيّة، لعدمدخل العلم والجهل في الحكم الواقعي.
وأمّا دلالته على الحكم الظاهري وأخذ قوله: «حتّى تعلم» غاية له فلابدّمن ملاحظة العلم فيها قيدا للموضوع أو للحكم، ولا يمكن ملاحظة العلم فيالجملة الواحدة وفي الاستعمال الواحد بعنوان الطريقيّة والموضوعيّة معا.
والإشكال السادس: أيضا مايستفاد من كلامه قدسسره وهو: أنّ إثبات حكملموضوع على نحو العموم مثل: «أكرم كلّ إنسان» يشمل جميع الخصوصيّاتالصنفيّة والفرديّة المتحقّقة للموضوع بما أنّه صنف منه وفرد منه، فيجبإكرام زيد وعمرو، والعالم والجاهل، والأسود والأبيض بما أنّهم إنسان، لا بمأنّه زيد أو عالم، فالملاك للحكم هو انطباق عنوان العامّ فقط بلا دخل لأيّعنوان آخر.
ونتيجة هذه المقدّمة فيما نحن فيه أنّ المولى إذا قال: «كلّ شيء طاهر»ورتّب الطهارة على عنوان شيء بما أنّه شيء، بدون وصف زائد، وأراد منهالطهارة الواقعيّة، فلا إشكال في شموله لشيء شكّ في نجاسته وطهارته بعنوانأنّه صنف من الشيء، ولا محالة تترتّب عليه الطهارة الظاهريّة، إلاّ أنّالمشكوكيّة دخيلة في موضوع الطهارة الظاهريّة بعنوان القيديّة، فلا يمكنشمول قوله: «كلّ شيء طاهر» للطهارة الظاهريّة، فإنّ عمومه لايشمل ما هوزائد على عنوان «شيء».
والإشكال السابع: مايستفاد أيضا من كلامه قدسسره وهو: أنّ عموم قوله: «كلّ
- (1) أجود التقريرات 4: 59 ـ 62.
(صفحه144)
شيء طاهر» مخصّص بالمخصّصات المنفصلة، مثل: «البول نجس، والغائطنجس، والكلب نجس، والكافر نجس»، واستفادة الطهارة الظاهريّة فيما هومشكوك النجاسة والطهارة من عمومه تمسّك بالعامّ في شبهة مصداقيّةالمخصّص، وعدم جوازه ممّا لاشبهة فيه(1).
هذا تمام كلام المحقّق النائيني رحمهالله وإن كان بحسب الظاهر بيانا جيّدا، ولكنيرد عليه إشكالان:
الأوّل: أنّه سلّمنا عدم صحّة استفادة الطهارة الظاهريّة من عموم قوله:«كلّ شيء طاهر» ولكن ذكرنا فيما استفدناه من كلام المحقّق الخراساني قدسسره في«الحاشية» أن قوله: «كلّ شيء طاهر» بعمومه يشمل كلّ الأشياء بعنوان أنّهشيء، وبإطلاقه يشمل جميع حالات الشيء، ومنها حالة الشكّ في كون الشيءطاهرا أو نجسا، واستفادة الطهارة الظاهريّة منه بهذا الطريق لا إشكال فيها.
الثاني: أنّ من البديهي عدم اختصاص قاعدتي الطهارة والحلّيّة فيالشبهات الموضوعيّة حتّى نقول بعدم جواز التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقيّةللمخصّص، بل جريانهما في الشبهات الحكميّة ممّا لاشبهة فيه، وجريان أصالةالعموم في موارد الشكّ في التخصيص لايوجب الإشكال كالشكّ في حلّيّةشرب التتن وحرمته وأمثال ذلك.
هذا كلّه بالنسبة إلى ما ذكره المحقّق الخراساني قدسسره في «الحاشية».
وأمّا ماذكره في الكفاية من دلالة قوله: «كلّ شيء طاهر» على الطهارةالواقعيّة، وقوله: «حتّى تعلم أنّه قذر» على الطهارة الظاهريّة والاستصحابفهو خلاف الظاهر، فإنّ التفكيك بين صدر الجملة الواحدة وذيلها واستفادةالحكمين منها: أحدهما أصل الطهارة، والآخر استمرار الطهارة، ونظر الأوّل
- (1) أجود التقريرات 4: 62.
(صفحه 145)
إلى الحكم الواقعي والثاني إلى الحكم الظاهري الذي يعبّر عنه بالاستصحاب،لا دليل عليه.
فلا دلالة للروايات إلاّ على قاعدتي الطهارة والحلّيّة كما استفاده المشهورمنها، ولا دخل لها بالاستصحاب، بل هي أجنبيّة عنه.
والحاصل: أنّه لاشبهة في حجّيّة الاستصحاب كما استفدناه من الرواياتالكثيرة الواردة في الباب، وأمّا التفصيل بين الأحكام الشرعيّة المستفادة منطريق حكم العقل والأحكام الشرعيّة المستفادة من طريق الكتاب والسنةوالإجماع فهو غيرصحيح؛ لعدم الفرق في طريق استكشاف الحكم الشرعي،كما ذكرناه ضمن المباحث الماضيّة.
وهكذا التفصيل بين الشكّ في المقتضي والشكّ في الرافع كما ذكرناه في ذيلالبحث عن صحيحة زرارة الاُولى.
(صفحه146)