(صفحه256)
جسم آخر في أسفل من المكان الأوّل مع الشكّ في بقاء الجسم الأوّل في مكانهلم يمكن ترتيب آثار فوقيّته على الجسم الثاني باستصحاب وجوده في مكانالأوّل، فإنّه من أوضح أنحاء الأصل المثبت.
وكذلك لايمكن إثبات زوجيّة امرأة خاصّة لزيد مع الشكّ في حياتها وإنعلم أنّها على تقدير حياتها تزوجت به يقيناً(1).
وعلى المبنى المختار يكون المستصحب في الجميع الكلّي المنطبق علىالخارج، فيجري الاستصحاب فيها بلا فرق بين استصحاب خمريّة هذا المائعوملكيّة زيد لهذا المال وعدالته إن كان مجرى الاستصحاب نفس هذهالعناوين.
وأمّا إن كان المجرى خارجا عنها فلا يرتبط بالبحث.
الأمر الثاني
أنّه لاتفاوت في الأثر المستصحب أو المترتّب عليه بين أن يكون مجعولشرعاً بالاستقلال أو بمنشأ انتزاعه، فباستصحاب الشرط تترتّب الشرطيّة،وباستصحاب المانع تترتّب المانعيّة(2).
والظاهر أنّ صاحب الكفاية رحمهالله أراد بذلك دفع الإشكال المعروف في جريانالاستصحاب في الشرط والمانع.
بيان الإشكال: أنّ الشرط بنفسه ليس مجعولاً بالجعل التشريعي، بللايكون قابلاً له؛ لكونه من الاُمور الخارجيّة التكوينيّة كالاستقبال والسترللصلاة، ولا يكون له أثر شرعي أيضا، فإنّ جواز الدخول في الصلاة ـ مثلاً
- (1) مصباح الاُصول 2: 171.
- (2) كفاية الاُصول 2: 330.
(صفحه 257)
ليس من الآثار الشرعيّة للاستقبال، بل الأحكام العقليّة، فإنّ المجعولالشرعي هو الأمر المتعلّق بالصلاة مقيّدة بالاستقبال بحيث يكون التقيّد داخلوالقيد خارجا.
وبعد تحقّق هذا الجعل من الشارع يحكم العقل بجواز الدخول في الصلاة معالاستقبال وعدم جواز الدخول فيها بدونه؛ لحصول الامتثال معه وعدمهبدونه، وحصول الامتثال وعدمه من الأحكام العقليّة، فليس الشرط بنفسهمجعولاً شرعياً ولا ممّا له أثر شرعي، فلابدّ من الحكم بعدم جريانالاستصحاب فيه.
و كذا الكلام بعينه في المانع، فأراد صاحب الكفاية رحمهالله دفع هذا الإشكالبأنّ الشرطيّة من المجعولات بالتبع، فلا مانع من جريان الاستصحاب فيالشرط لترتّب الشرطيّة عليه؛ لأنّ المجعولات بالتبع كالمجعولات بالاستقلالفي صحّة ترتّبها على الاستصحاب.
ويرد عليه: أنّ جريان الاستصحاب في جميع الموارد يكون بداعي استفادةحكم المستصحب الذي وقع الشكّ فيه ورفع الشكّ عنه، مثل استفادة حرمةالارتكاب والشرب من استصحاب خمريّة هذا المائع فإنّ المجهول عند الشاكّهو الحكم.
وأمّا المجهول والمشكوك في استصحاب الشرط فهو بقاؤه ووجودهالخارجي لاالشرطيّة، فكيف تترتّب الشرطيّة التي لاشكّ فيها علىاستصحاب بقاء الوضوء.
مع أنّه لاارتباط بينهما؛ إذ الشرطيّة ترتبط بمرحلة جعل الحكم؛ وتحقّقالشرط وعدمه يرتبط بمقام الامتثال والخارج.
ثمّ إنّه يتحقّق إشكال مهم آخر في جريان استصحاب الشرط، وهو: أنّ
(صفحه258)
جريان استصحاب بقاء الوضوء ـ مثلاً ـ يكون بداعي وقوع الصلاة لامحالةمع الوضوء وتحقّقها مع التقيّد به، وهو ليس بأثر شرعي ولا يترتّب عليه أثرشرعيّ، بل هو أثر عقلي ويترتّب عليه أثر عقلي آخر، مثل: كونها موافقةللأمر ومسقطة للتكليف، فلا يكون من الأثر الشرعي هنا أثر ولا خبر.
مع أنّ إنكار جريان الاستصحاب في الشرط أصلاً ينافي قوله عليهالسلام فيالصحيحة الاُولى لزرارة: «وإلاّ فإنّه على يقين من وضوئه، ولا ينبغي له أنينقض اليقين بالشكّ أبدا»، وقوله عليهالسلام في الصحيحة الثانية له: «لأنّك كنت علىيقين من طهارتك فشككت، وليس ينبغي لك أنّ تنقض اليقين بالشكّ أبدا»، ولشكّ في دلالتهما بالصراحة على جريان الاستصحاب في شرائط الصلاة.
وأراد صاحب الكفاية رحمهالله أن يجيب عن هذا الإشكال بما ذكره من جريانالاستصحاب في الشرط وترتّب الشرطيّة عليه، وقلنا: إنّ الشرطيّة ليست منأثر الشرط مع عدم كونها مشكوكة.
ويمكن أن يقال في الجواب عن الإشكال: إنّ الطهارة من شرائط المصلّي لالصلاة، وعدم المأكوليّة من موانع الصلاة بحسب الأدلّة، فإحراز طهارة المصلّيبالاستصحاب يكفي لصحّة صلاته، لكنّ استصحاب عدم لابسيّة المصلّي لغيرالمأكول لايثبت تقيّد الصلاة بعدم كونها مع المانع إلاّ بالأصل المثبت، فلذيكون جريان الاستصحاب في الشرط ممّا لم يقع فيه الإشكال بخلافاستصحاب عدم المانع.
والجواب عنه: أوّلاً: أنّ ظاهر الأدلّة يقتضي اشتراط الصلاة بالطهارة،كقوله: «لا صلاة إلاّ بطهور»(1)، كما أنّ ظاهر الأدلّة الواردة في النهي عن الصلاةفي النجس يقتضي مانعيّته عن الصلاة كالأدلّة الواردة في عدم جوازها في غير
- (1) الوسائل 1: 258، الباب 2، من أبواب الوضوء، الحديث 3.
(صفحه 259)
المأكول، مثل: قوله: «لاتجوز الصلاة في شعر ووبر ما لايؤكل لحمه»(1) من غيرفرق بينهما.
وثانياً: أنّ الشرطيّة للمصلّي بأيّ معنى كانت لامحالة ترجع إلى الشرطيّةللصلاة، فإنّ معنى قولنا: إنّ المصلّي بما أنّه مصلّي لابدّ له أن يكون واجدللطهارة أنّ الصلاة مشروطة بالطهارة، وأنّ الصلاة الفاقدة لها باطلة.
و هذا المعنى يستفاد من الصحيحتين المذكورتين أيضا.
و قال اُستاذنا السيّد الإمام رحمهالله : «والذي يمكن أن يقال: إنّ الميزان فيالتخلّص من الأصل المثبت ـ كما ذكرنا ـ أن يصير المستصحب مندرجاً تحتكبرى شرعيّة، فإذا استصحب الطهارة الخبثيّة أو الحدثيّة يصير الموضوعمندرجاً تحت الكبرى المستفادة من قوله: «لاصلاة إلاّ بطهور»، فإنّ المستفادمنه أنّ الصلاة متحقّقة بالطهور بعد حفظ سائر الجهات، فإذا قال الشارع: «إنّالصلاة تتحقّق بالطهور»، وقال في دليل آخر: «إنّ الطهور متحقّق» يحكمبصحّة الصلاة المتحقّقة مع الطهور الاستصحابي ويجوز الاكتفاء بالصلاةمعه»(2).
وجوابه ـ كما أشار اُستاذنا السيّد الإمام رحمهالله ـ : أنّ مثل قوله: «لاصلاة إلبطهور» إنّما هو بصدد جعل شرطيّة الطهور أو الإرشاد إليها وأمّا صحّةالصلاة أو تحقّقها مع وجود الشرط، أو فسادها وعدم تحقّقها مع وجود المانع،فعقلي لا شرعي، مع أنّ قوله: «لاصلاة إلاّ بطهور» ناظر إلى مقام الجعلوالتقنين، ولا يمكن أن يكون الكبرى لمقام الامتثال، وما هو مورد الشكّوالترديد في الخارج، فلا يمكن حلّ الإشكال بهذا الطريق أيضا.
- (1) الوسائل 3: 251، الباب 2، من أبواب لباس المصلّي، الحديث 7.
(صفحه260)
وكلامه رحمهالله ههنا لايخلو من اضطراب.
والتحقيق في الجواب عن الإشكال: أنّ منشأه ما هو المعروف بين المحقّقينمن أنّه يعتبر في الاستصحاب أن يكون المستصحب بنفسه مجعولاً شرعياً أوموضوعاً له، مع أنّه لادليل لاعتبار ذلك من آية أو رواية وإنّما المعتبر فيالاستصحاب كون المستصحب مرتبطاً بالشارع، بمعنى إمكان الدخلوالتصرّف فيه نفيا وإثباتاً من الشارع بما أنّه شارع، وهذا المعنى يتحقّق فيجميع الشرائط، سواء كان الشرط من الاُمور العباديّة أو من الأحكامالوضعيّة أو من الاُمور التكوينيّة فإنّا نستفيد من قوله «لاتنقض اليقينبالشكّ» بعد ملاحظته في جنب قوله: «لاصلاة إلاّ بطهور» توسعة دائرةالطهارة التي تكون من شرائط الصلاة وعدم انحصارها بالواقعيّة وكفايةالطهارة الاستصحابيّة في مقام تحقّق الشرط، وهذه التوسعة ترتبط بمقام الجعللا بمقام الامتثال.
وهكذا في سائر الشرائط إذا لاحظنا دليل الشرط مع قوله «لاتنقض اليقينبالشكّ» يستفاد هذا المعنى بلا إشكال، فيكون مفاد الدليل الحاكم والمحكوم: أنّالشرط في الصلاة مطلق الطهور، أعمّ من الطهارة الظاهريّة والواقعيّة مع أنّالطهارة بما أنّها حالة نفسانيّة قابلة للدوام والبقاء حكم شرعي وضعي،وجريان الاستصحاب فيها لايحتاج إلى حكم شرعي آخر.
وكان لبعض الأعلام رحمهالله بيان يشبه هذا المعنى، إلاّ أنّ إرجاعه المسألة إلىمقام الامتثال ليس بصحيح، فإنّه قال: «الظاهر أنّ الحكم بوجود الشرط قابلللتعبّد، ومعنى التعبّد به هو الاكتفاء بوجوده التعبّدي وحصول الامتثال، فإنّلزوم إحراز الامتثال وإن كان من الأحكام العقليّة إلاّ أنّه معلّق على عدمتصرّف الشارع بالحكم بحصوله، كما في قاعدتي الفراغ والتجاوز، فإنّه لول