(صفحه 287)
مع استصحاب الحدث المعلوم بالإجمال؛ للعلم بوجود، إمّا قبل الظهر أو بعدهوالشكّ في زواله، وفي هذه الصورة أيضا نأخذ بضدّ الحالة السابقة.
(صفحه288)
(صفحه 289)
التنبيه الثاني عشر
في الاُمور الاعتقاديّة
هل يجري الاستصحاب في الاُمور الاعتقاديّة أم لا؟ ومنشأ الشبهة في هذالمعنى وما يوجب بيان هذا النزاع أمران:
الأوّل: توهّم اختصاص الاستصحاب بالاُمور الخارجيّة؛ لكونه منالاُصول العمليّة، فلا يجري إلاّ في أفعال الجوارح المعبّر عنها بالأعمال،والاُمور الاعتقاديّة مربوطة بالجوانح لا بالجوارح.
الثاني: أنّ الجاثليق في احتجاجات الإمام عليّ بن موسى الرضا عليهماالسلام معهتمسّك لبقاء نبوّة نبيّه بالاستصحاب.
والتحقيق: أنّه لامانع من جريان الاستصحاب في الاُمور الاعتقاديّة، فإنّمناط جريانه ـ أي اليقين بالحدوث والشكّ في البقاء وكون الأثر قابلاً للتعبّد محقّق ههنا، ومعنى كونه من الاُصول العلميّة أنّه ليس من الأدلّة الاجتهاديّةالكاشفة عن الواقع، فإنّها وظائف عمليّة للجاهل بالواقع وليست كاشفة عنه،لا أنّها مختصّة بالاُمور الجوارحيّة، فلوكان التباني القلبي على شيء واجبوشككنا في بقائه من جهة الشبهة الحكميّة أو الموضوعيّة لامانع من جريانالاستصحاب.
وكان لصاحب الكفاية رحمهالله هنا بيان جيّدٌ، وهو قوله: «وأمّا الاُمور
(صفحه290)
الاعتقاديّة التي كان المهمّ فيها شرعاً هو الانقياد والتسليم والاعتقاد بمعنى عقدالقلب عليها من الأعمال القلبيّة الاختياريّة، فكذا لاإشكال في الاستصحابفيها حكماً وكذا موضوعاً فيما كان هناك يقين سابق وشكّ لاحق؛ لصحّةالتنزيل، وعموم الدليل. وكونه أصلاً عمليّاً إنّما هو بمعنى أنّه وظيفة الشاكّتعبّدا قبالاً للأمارات الحاكية عن الواقعيّات، فيعمّ العمل بالجوانح كالجوارح.وأمّا التي كان المهمّ فيها شرعاً وعقلاً هو القطع بها ومعرفتها فلا مجال لهموضوعاً، ويجري حكماً، فلو كان متيقّناً بوجوب تحصيل القطع بشيءـ كتفاصيل القيامة ـ في زمان وشكّ في بقاء وجوبه يستصحب.
وأمّا لو شكّ في حياة إمام زمان فلا يستصحب لأجل ترتيب لزوم معرفةإمام زمانه، بل يجب تحصيل اليقين بموته أو حياته مع إمكانه، ولا يكاد يجديفي مثل وجوب المعرفة عقلاً أو شرعاً إلاّ إذا كان حجّة من باب إفادته الظنّ،وكان المورد ممّا يكتفى به أيضا، فالاعتقاديّات كسائر الموضوعات لابدّ فيجريانه فيها من أن يكون في المورد أثر شرعي يتمكّن من موافقته مع بقاءالشكّ فيه، كان ذاك متعلّقا بعمل الجوارح أو الجوانح(1).
والتحقيق: النبوّة كالولاية والإمامة تكون من المناصب المجعولة كما يستفادمن ظواهر الآيات، كقوله تعالى: «وَ إِذِ ابْتَلَىآ إِبْرَ هِيمَ رَبُّهُو بِكَلِمَـتٍ فَأَتَمَّهُنَّقَالَ إِنِّى جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَ مِن ذُرِّيَّتِى قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِىالظَّــلِمِينَ»(2)، ولا تكون ناشئة من كمال النفس بمثابة يوحى إليها قهراً، وإنكانت كذلك فلا يجري الاستصحاب فيها؛ إمّا لعدم الشكّ فيها بعد اتّصافالنفس بها، أو لكونها من الصفات الخارجيّة التكوينيّة، ولا يترتّب عليها أثر
- (1) كفاية الاُصول 2: 338 ـ 339.
(صفحه 291)
شرعي مهمّ كما أشار إليه صاحب الكفاية.
وأمّا على ما هو التحقيق من كونها من المناصب المجعولة الإلهيّة لمن كانصالحاً وأهلاً لها، فهل يجري الاستصحاب فيها أم لا؟
وتفصيل الكلام في المقام: أنّ استدلال الكتابي لإثبات دينه بالاستصحابلايخلو من وجهين: إمّا أن يكون استدلاله لمعذوريّته في البقاء على اليهوديّةـ مثلاً ـ وإمّا أن يكون لإلزام المسلمين ودعوتهم إلى اليهوديّة، فإن كان مرادهالأوّل فنقول له: أنت شاكّ في بقاء نبوة نبيّك أم لا؟ فإن اختار الثاني فلا معنىللاستصحاب؛ إذ لابدّ فيه من الشكّ في بقاء المتيقّن، وإن اختار الأوّل فنقولله: لابدّ لك من الفحص، فإنّ النبوّة ليست بأقلّ من الفروع التي يتوقّفجريان الاستصحاب فيها على الفحص، وبعد الفحص يصل إلى الحقّ ويزولالشكّ عنه، ومع فرض بقاء شكّه لافائدة في الاستصحاب؛ لكون النبوّة منالاُمور التي تجب المعرفة واليقين بها، فليست قابلة للتعبّد الاستصحابي، ومعفرض كفاية الظنّ فيها نقول: الاستصحاب لايفيد الظنّ أوّلاً، ولا دليل علىحجّيّة الظنّ الحاصل منه ثانيا.
هذا كلّه في استصحاب النبوّة، وأمّا استصحاب بقاء أحكام الشريعةالسابقة فغير جار أيضا، إذ نقول له: الاستصحاب إن كان حجّة في الشريعةالسابقة لايمكن التمسّك به لبقاء أحكام الشريعة السابقة؛ إذ حجّيّةالاستصحاب من جملة تلك الأحكام، فيلزم التمسّك به لإثبات بقاء نفسه، وهودور ظاهر.
وإن كان الاستصحاب حجّة في الشريعة اللاحقة فصحّة التمسّكبالاستصحاب ـ لإثبات بقاء أحكام الشريعة السابقة ـ فرع حقّيّة الشريعةاللاحقة، وبعد الالتزام بحقّيّتها لم يبق مجال للاستصحاب؛ لليقين بارتفاع