(صفحه 363)
ثمّ قال: ويؤيّد عموم الأخبار ماورد في رواية الحميري عن الحجّة عليهالسلام منقوله عليهالسلام : «في الجواب عن ذلك حديثان: أمّا أحدهما فإذا انتقل من حالة إلىاُخرى فعليه التكبير، وأمّا الآخر فإنّه روي أنّه إذا رفع رأسه من السجدة الثانيّةوكبّر ثمّ جلس ثمّ قام فليس عليه في القيام بعد القعود تكبير...»(1).
ولا شكّ أنّ الثاني أخصّ من الأوّل مطلقاً، مع أنّه عليهالسلام أمر بالتخيير بقوله فيآخر الخبر: «وبأيّهما أخذت من باب التسليم كان صواباً».
وجوابه: أوّلاً: أنّ مكاتبات الحميري من حيث السند مورد للإشكال، كمثبت في محلّه.
وثانياً: أنّ جواب الإمام عليهالسلام : «بأيّهما أخذت من باب التسليم كان صواباً»ـ المشعر بعدم علم الإمام عليهالسلام بحكم المسألة ـ في جواب السؤال عن حكمشخصيّ وواقعة شخصيّة لايناسب مقامه عليهالسلام .
وثالثاً: أنّ حكم الإمام عليهالسلام بالتخيير يكون في الواقع تقديم الخاصّ علىالعامّ وإلغاء الدليل العامّ؛ فإنّ مفاده وجوب التكبير على مَن انتقل من حالةإلى اُخرى، ومفاد الخاصّ عدم وجوبه في ابتداء الركعة الثانية والثالثة.
ثمّ ذكر رواية اُخرى تأييداً لما ادّعاه بقوله: «وكذا مارواه عليّ بن مهزيار،قال: قرأت في كتاب لعبد اللّه بن محمّد إلى أبي الحسن عليهالسلام : اختلف أصحابنا فيرواياتهم عن أبي عبداللّه عليهالسلام في ركعتي الفجر في السفر، فروى بعضهم:«صلّهمافي المحمل»، وروي بعضهم: «لا تصلّهما إلاّ على وجه الأرض...»(2)،وواضح أنّ الروايتين من قبيل النصّ والظاهر؛ لأنّ الاُولى نصّ في الجواز،والثانيّة ظاهرة في عدمه؛ لإمكان حملها على أنّ إيقاعها على الأرض أفضل،
- (1) الوسائل 18: 87 ، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 39.
- (2) الوسائل 18: 88 ، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 44.
(صفحه364)
مع أنّه عليهالسلام أمر بالتخيير بقوله عليهالسلام : «موسّع عليك بأيّة عملت».
والإشكال عليه أيضاً ما ذكرناه من عدم تناسب الجواب بالتخيير في واقعةشخصيّة مع مقام الإمام كما لا يخفى، فالسيرة المستمرّة القطعيّة محكمة في تقديمالخاصّ على العامّ بلا ريب كما ذهب إليه المشهور.
(صفحه 365)
(صفحه366)
فصل
في قاعدة الجمع مهما أمكن أولى من الطرح
ولا بدّ من البحث في القضيّة المشهورة، وهي: أنّ الجمع بين الدليلين مهمأمكن أولى من الطرح، والظاهر أنّ المراد من الطرح أعمّ من طرح أحدهملمرجّح في الآخر، فيكون الجمع مع التعادل أولى من التخيير، ومع وجودالمرجّح أولى من الترجيح، كما يستفاد من كلام الشيخ ابن أبي جمهورالأحسائي في عوالي اللئالي؛ فإنّه قال: «إنّ كلّ حديثين ظاهرهما التعارضيجب عليك: أوّلاً: البحث عن معناهما وكيفيّة دلالة ألفاظهما، فإن أمكنكالتوفيق بيهنما بالحمل على جهات التأويل والدلالات فاحرص عليه واجتهدفي تحصيله؛ فإنّ العمل بالدليلين مهما أمكن خيرٌ من ترك أحدهما وتعطيلهبإجماع العلماء، فإذا لم تتمكّن من ذلك ولم يظهر لك وجهه، فارجع إلى العملبهذا الحديث» ـ وأشار بهذا إلى مقبولة عمر بن حنظلة ـ إنتهى(1).
ولا يخفى أنّ كلمة «أولى» في القاعدة بمعنى الأولويّة التعيّنيّة، لا الأولويّةالرجحانيّة، كما في قوله تعالى: «وَأُوْلُواْ الأَْرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ»(2)،فلا يبقى للترجيح بمفاد الأخبار العلاجيّة إلاّ الموارد النادرة.
- (1) عوالي اللئالي 4: 136.
- (2) عوالى اللئالي 4: 136.
(صفحه 367)
واستُدلّ على القاعدة بهذا المعنى: أوّلاً: بإجماع العلماء، كما ذكرهالأحسائي قدسسره . وجوابه: مع عدم شمول أدلّة الحجّيّة للإجماع المنقول بخبر واحدأنّ سيرة الأصحاب والعلماء في الفقه خلاف ذلك من حيث العمل والفتوى؛فإنّا نرى كثيراً مّا تمسّكهم بالأخبار العلاجيّة في الخبرين المتعارضين معإمكان الجمع بالمعنى المذكور ـ أي جهات من التأويل ـ فيهما، فيلزم أن يكونمورد الأخبار العلاجيّة مع كثرتها في غاية القلّة.
وثانياً: بأنّ الأصل في الدليلين الإعمال، فيجب الجمع بينهما بما أمكن؛لاستحالة الترجيح من غير مرجّح.
وجوابه ـ بعد عدم انطباقه على المدّعى؛ فإنّ مفاد القاعدة تقدّم الجمع علىالأخبار العلاجيّة وإعمال المرجّحات بلا فرق بين وجود الترجيح وعدمه،ومفاد الدليل تقدّمه في صورة فقدان المرجّح ـ أنّ المراد من الدليلين إن كانالدليلين المتعارضين لانسلّم أن يكون الأصل فيهما الإعمال، بل الأصل فيهمالتساقط بمقتضى حكم العقل كما ذكر في محلّه، وإن كان الدليلين مع قطع النظرعن التعارض فلايرتبط بالبحث.
وثالثاً: بأنّ دلالة اللفظ على تمام معناه أصليّة وعلى جزئه تبعيّة، وعلىتقدير الجمع يلزم إهمال الدلالة التبعيّة، وهو أولى ممّا يلزم على تقدير عدمه،وهو إهمال الدلالة الأصليّة.
وجوابه: أنّ هذا الدليل أيضاً لا ينطبق على المدّعى؛ فإنّ تمام المدلول وجزءالمدلول يتصوّر في العامّ والخاصّ فقط؛إذ دلالة «أكرم العلماء» ـ مثلاً ـ بالنسبةإلى مجموع أفراده دلالة أصليّة، وبالنسبة إلى بعض أفراده دلالة تبعيّة، فإذكان الخاصّ مخصّصاً للعامّ وخرج بعض الأفراد كالفسّاق عنه فيلزم إهمالالدلالة التبعيّة، ولا يتصوّر هذاالمعنى في مثل قوله: «تجب صلاة الجمعة»،