(صفحه364)
مع أنّه عليهالسلام أمر بالتخيير بقوله عليهالسلام : «موسّع عليك بأيّة عملت».
والإشكال عليه أيضاً ما ذكرناه من عدم تناسب الجواب بالتخيير في واقعةشخصيّة مع مقام الإمام كما لا يخفى، فالسيرة المستمرّة القطعيّة محكمة في تقديمالخاصّ على العامّ بلا ريب كما ذهب إليه المشهور.
(صفحه 365)
(صفحه366)
فصل
في قاعدة الجمع مهما أمكن أولى من الطرح
ولا بدّ من البحث في القضيّة المشهورة، وهي: أنّ الجمع بين الدليلين مهمأمكن أولى من الطرح، والظاهر أنّ المراد من الطرح أعمّ من طرح أحدهملمرجّح في الآخر، فيكون الجمع مع التعادل أولى من التخيير، ومع وجودالمرجّح أولى من الترجيح، كما يستفاد من كلام الشيخ ابن أبي جمهورالأحسائي في عوالي اللئالي؛ فإنّه قال: «إنّ كلّ حديثين ظاهرهما التعارضيجب عليك: أوّلاً: البحث عن معناهما وكيفيّة دلالة ألفاظهما، فإن أمكنكالتوفيق بيهنما بالحمل على جهات التأويل والدلالات فاحرص عليه واجتهدفي تحصيله؛ فإنّ العمل بالدليلين مهما أمكن خيرٌ من ترك أحدهما وتعطيلهبإجماع العلماء، فإذا لم تتمكّن من ذلك ولم يظهر لك وجهه، فارجع إلى العملبهذا الحديث» ـ وأشار بهذا إلى مقبولة عمر بن حنظلة ـ إنتهى(1).
ولا يخفى أنّ كلمة «أولى» في القاعدة بمعنى الأولويّة التعيّنيّة، لا الأولويّةالرجحانيّة، كما في قوله تعالى: «وَأُوْلُواْ الأَْرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ»(2)،فلا يبقى للترجيح بمفاد الأخبار العلاجيّة إلاّ الموارد النادرة.
- (1) عوالي اللئالي 4: 136.
- (2) عوالى اللئالي 4: 136.
(صفحه 367)
واستُدلّ على القاعدة بهذا المعنى: أوّلاً: بإجماع العلماء، كما ذكرهالأحسائي قدسسره . وجوابه: مع عدم شمول أدلّة الحجّيّة للإجماع المنقول بخبر واحدأنّ سيرة الأصحاب والعلماء في الفقه خلاف ذلك من حيث العمل والفتوى؛فإنّا نرى كثيراً مّا تمسّكهم بالأخبار العلاجيّة في الخبرين المتعارضين معإمكان الجمع بالمعنى المذكور ـ أي جهات من التأويل ـ فيهما، فيلزم أن يكونمورد الأخبار العلاجيّة مع كثرتها في غاية القلّة.
وثانياً: بأنّ الأصل في الدليلين الإعمال، فيجب الجمع بينهما بما أمكن؛لاستحالة الترجيح من غير مرجّح.
وجوابه ـ بعد عدم انطباقه على المدّعى؛ فإنّ مفاد القاعدة تقدّم الجمع علىالأخبار العلاجيّة وإعمال المرجّحات بلا فرق بين وجود الترجيح وعدمه،ومفاد الدليل تقدّمه في صورة فقدان المرجّح ـ أنّ المراد من الدليلين إن كانالدليلين المتعارضين لانسلّم أن يكون الأصل فيهما الإعمال، بل الأصل فيهمالتساقط بمقتضى حكم العقل كما ذكر في محلّه، وإن كان الدليلين مع قطع النظرعن التعارض فلايرتبط بالبحث.
وثالثاً: بأنّ دلالة اللفظ على تمام معناه أصليّة وعلى جزئه تبعيّة، وعلىتقدير الجمع يلزم إهمال الدلالة التبعيّة، وهو أولى ممّا يلزم على تقدير عدمه،وهو إهمال الدلالة الأصليّة.
وجوابه: أنّ هذا الدليل أيضاً لا ينطبق على المدّعى؛ فإنّ تمام المدلول وجزءالمدلول يتصوّر في العامّ والخاصّ فقط؛إذ دلالة «أكرم العلماء» ـ مثلاً ـ بالنسبةإلى مجموع أفراده دلالة أصليّة، وبالنسبة إلى بعض أفراده دلالة تبعيّة، فإذكان الخاصّ مخصّصاً للعامّ وخرج بعض الأفراد كالفسّاق عنه فيلزم إهمالالدلالة التبعيّة، ولا يتصوّر هذاالمعنى في مثل قوله: «تجب صلاة الجمعة»،
(صفحه368)
وقوله: «لا تجب صلاة الجمعة» ونحو ذلك، مع كون الوجوب أمراً بسيطاً كمذكره صاحب الكفاية قدسسره
ومن هنا يستفاد أنّ مفاد القاعدة لايكون شيئاً جديداً؛ إذ المراد من الجمعهو الجمع العقلائيّ والمقبول عند العقلاء ـ أي النصّ قرينة للتصرّف في الظاهر،وهكذا الأظهر قرينة للتصرّف فيه، والمقيّد قرينة للتصرّف في المطلق بعدملاحظة التعارض البدوي بينهما، وأمّا بالنسبة إلى العامّ والخاصّ فذكرنا فيمقام التعليل لعدم شمول الأخبار العلاجيّة لهما أنّ التنافي والتعارض لا يتحقّقبينهما عند العرف ـ فإذا تحقّق الجمع العقلائي لا يتحقّق عنوان التحيّر والإبهام،فلا محالة خارج عن دائرة الأخبار العلاجيّة، والقاعدة بهذا المعنى لا تحتاجإلى دليل خاصّ وهي مورد قبول بلا إشكال ويساعدها العرف.
ولكن قد أتعب الشيخ الأنصاري قدسسره نفسه وأطال الكلام في فقدان الدليلالدال على القاعدة بمعناها المعروف، وسلّم في خلال كلماته بجريانها في موردبصورة الاستدراك، وهو فيما إذا كان ظاهر الدليلين القاعدة مع كونهما مقطوعيالصدور كالآيتين أو الروايتين المتواترين، فتكون قطعيّة السند قرينة للتصرّففي الظاهرين أو أحدهما بحملهما أو أحدهما على خلاف الظاهر، فلابّد منالتصرّف في مقام الدلالة(1).
وجوابه: أنّ القرآن ينادي بأعلى صوته: «لَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْفِيهِ اخْتِلَـفًا كَثِيرًا»(2)، فإذا فرضنا الاختلاف والتعارض بين الآيتين إن كانالمراد منه التعارض الاستقراري فهو منفيّ بهذه الآية، ولا يتحقّق في القرآن،وإن كان المراد منه التعارض البدوي فلا يرتبط بالقاعدة.