(صفحه 423)
ذلك الالتزام باختصاص المرجّحات المذكورة فيها أيضا بباب حقوق الناس،مع أنّه لايتفوّه به أحد.
أو حمل أخبار التخيير على التعارض بنحو التناقض وأخبار التوقّف علىغيره ـ أي فيما تحقّق طريق ثالث ـ وهذا يناسب قوله عليهالسلام : «لاتعمل بواحدمنهما» في مورد اخبار التوقّف أو حمل أخبار التخيير على المستحبّاتوالمكروهات وحمل أخبار التوقّف على الواجبات والمحرّمات، وذكر أكثر هذهالوجوه العلاّمة المجلسي رحمهالله في كتاب مرآة العقول(1).
ولكنّ التحقيق يقتضي الالتزام بما ذكره اُستاذنا السيّد الأعظم رحمهالله في مقامالجمع هنا، وهو أنّ أدلّة التخيير صريحة في جواز الأخذ بكلّ من الخبرين،فإنّ قوله عليهالسلام : «فموسّع عليك بأيّهما أخذت»(2) صريح في التوسعة وجوازالأخذ بكلّ منهما، وأمّا أخبار التوقّف فليس فيها ما كان نصّا في ذلك،بل غايته الظهور في التوقّف وعدم الأخذ بشيء منهما، والظاهر لايقاوم النصّ،فتحمل أخبار التوقّف على الاستحباب، فانّ قوله عليهالسلام في المقبولة: «فارجئهحتّى تلقى إمامك» وإن كان ظاهرا في وجوب التوقّف والتأخير، ولكنملاحظة نصوصيّة أخبار التخيير في مقابله يحمل على الاستحباب، مع أنّتثليث الاُمور في المقبولة وتعليل ذيلها بـ «أنّ الوقوف عند الشبهات خير منالاقتحام في الهلكات» أقوى شاهد على كون الأمر في قوله: «إرجئه» إرشاديّولا يصلح للتعارض مع أخبار التخيير(3).
وقد استدلّ لحمل أخبار التخيير على المستحبّات والمكروهات وحملأخبار التوقّف على الواجبات والمحرّمات برواية الميثمي التي أوردها في
- (1) مرآة العقول 1: 218 ـ 219.
- (2) الوسائل 18: 87 ، كتاب القضاء، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 40.
- (3) معتمد الاُصول 2: 389.
(صفحه424)
الوسائل في الباب التاسع من أبواب كتاب القضاء، الحديث 21، قال: «وفيعيون الأخبار للصدوق رحمهالله عن أبيه، ومحمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليدجميعا، عن سعد بن عبداللّه، عن محمّد بن عبداللّه المسمعي، عن أحمد بنالحسن الميثمي».
والإشكال في سند الرواية من ناحية محمّد بن عبداللّه المسمعي فقط، إلاّ أنصاحب الوسائل بعد نقل هذه الرواية قال: «أقول: ذكر الصدوق أنّه نقل هذمن كتاب (الرحمة) لسعد بن عبداللّه وذكر في الفقيه: أنّه من الاُصول والكتبالتي عليها المعوّل، وإليها المرجع».
فيمكن تلقّى هذه الرواية بعنوان المعتبرة لارميها بالضعف وكونها فاقدةالحجّيّة والاعتبار.
وأمّا الرواية فقال: أنّه سأل الرضا عليهالسلام يوما وقد اجتمع عنده قوممن أصحابه، وقد كانوا يتنازعون في الحديثين المختلفين عن رسول اللّه صلىاللهعليهوآله فيالشيء الواحد، فقال عليهالسلام : «إنّ اللّه حرّم حراما، وأحلّ حلالاً، وفرض فرائض،فما جاء في تحليل ما حرّم اللّه، أو في تحريم ما أحلّ اللّه، أو دفع فريضة في كتاباللّه رسمها بين قائم بلا ناسخ نسخ ذلك، فذلك ما لايسع الأخذ به؛ لأنّ رسولاللّه صلىاللهعليهوآله لم يكن ليحرّم ما أحلّ اللّه، ولا ليحلّل ما حرّم اللّه، ولا ليغيّر فرائض اللّهوأحكامه، كان في ذلك كلّه متّبعا مسلّما مؤدّيا عن اللّه، وذلك قول اللّه: «إِنْ أَتَّبِعُإِلاَّ مَا يُوحَىآ إِلَىَّ»(1)، فكان صلىاللهعليهوآله متّبعا للّه، مؤدّيا عن اللّه ما أمره به من تبليغالرسالة».
قلت: فإنّه يرد عنكم الحديث في الشيء عن رسول اللّه صلىاللهعليهوآله ممّا ليس فيالكتاب وهو في السنّة، ثمّ يرد خلافه؟ فقال: «كذلك قد نهى رسول اللّه صلىاللهعليهوآله عن
- (1) الأنعام: 50، يونس: 15، الأحقاف: 9.
(صفحه 425)
أشياء نهي حرام، فوافق في ذلك نهيه نهي اللّه، وأمر بأشياء فصار ذلك الأمرواجبا لازما كعدل فرائض اللّه، فوافق في ذلك أمره أمر اللّه، فما جاء في النهي عنرسول اللّه صلىاللهعليهوآله نهي حرام، ثمّ جاء خلافه لميَسغِ استعمال ذلك. وكذلك في ما أمربه، لأنّا لانرخّص فيما لميرخّص فيه رسول اللّه صلىاللهعليهوآله ، ولا نأمر بخلاف ما أمر بهرسول صلىاللهعليهوآله ، إلاّ لعلّةِ خوفِ ضرورةٍ، فأمّا أن نستحلّ ما حرّم رسول اللّه صلىاللهعليهوآله ، أونحرّم ما استحلّ رسول اللّه صلىاللهعليهوآله فلا يكون ذلك أبدا؛ لأنّا تابعون لرسول اللّه صلىاللهعليهوآله مسلّمون له، كما كان رسول اللّه صلىاللهعليهوآله تابعا لأمر ربّه، مسلّما له، وقال اللّه عزّوجلّ:«وَ مَآ ءَاتَـلـكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ مَا نَهَـلـكُمْ عَنْهُ فَانتَهُواْ»(1)، وأنّ اللّه نهى عنأشياء ليس نهي حرام، بل إعافة وكراهة، وأمر بأشياء ليس بأمر فرضولا واجب، بل أمر فضل ورجحان في الدين، ثمّ رخّص في ذلك للمعلول وغيرالمعلول، فما كان عن رسول اللّه صلىاللهعليهوآله نهي إعافة أو أمر فضل فذلك الذي يَسَعُاستعمال الرخصة فيه، إذا ورد عليكم عنّا الخبر فيه باتّفاق، يرويه من يرويه فيالنهي، ولا ينكره، وكان الخبران صحيحين معروفين باتّفاق الناقلة فيهما، يجبالأخذ بأحدهما، أو بهما جميعا، أو بأيّهما شئت وأحببت، موسّع ذلك لك منباب التسليم لرسول اللّه صلىاللهعليهوآله والردّ إليه وإلينا، وكان تارك ذلك من باب العنادوالإنكار وترك التسليم لرسول اللّه صلىاللهعليهوآله مشركا باللّه العظيم، فما ورد عليكم منخبرين مختلفين فاعرضوهما على كتاب اللّه، فما كان في كتاب اللّه موجودحلالاً أو حراما فاتّبعوا ما وافق الكتاب، وما لميكن في الكتاب فاعرضوه علىسنن رسول اللّه صلىاللهعليهوآله فما كان في السنّة موجودا منهيّا عنه نهي حرام، ومأمورا بهعن رسول اللّه صلىاللهعليهوآله أمر إلزام، فاتّبعوا ما وافق نهي رسول اللّه صلىاللهعليهوآله وأمره، وما كان فيالسنة نهي إعافة أو كراهة، ثمّ كان الخبر الأخير خلافه فذلك رخصة فيما عافه
(صفحه426)
رسول اللّه صلىاللهعليهوآله وكرهه ولميحرّمه، فذلك الذي يسع الأخذ بهما جميعا، وبأيّهمشئت وسعك الاختيار من باب التسليم والاتّباع والرد إلى رسول اللّه صلىاللهعليهوآله ، وملمتجدوه في شيء من هذه الوجوه فردّوا إلينا علمه فنحن أولى بذلك، ولتقولوا فيه بآرائكم وعليكم بالكفّ والتثبّت والوقوف وأنتم طالبون باحثون،حتّى يأتيكم البيان من عندنا».
ولكن لا دلالة للرواية على التخيير الذي هو المقصود في المقام ـ أي التخييرالظاهري ـ فإنّ التخيير الذي تدلّ هذه الرواية عليه هو التخيير الواقعي؛ لأنّموردها النهي التنزيهي مع دليل الرخصة أو الأمر غير الإلزامي مع ذلكالدليل، ومعلوم أنّ التخيير في مثل هذه الموارد تخيير واقعي، كما لا يخفى.
نعم، ذيلها يدلّ على التوقّف والتثبّت حتّى يأتي البيان من ناحيتهم، فهذهالرواية أيضا من أخبار التوقّف، بخلاف ما ذكره بعض الأعلام رحمهالله من انحصارأخبار التوقّف بمقبولة عمر بن حنظلة ورواية سماعة وطرحهما بلحاظ ضعفالسند أو سقوطهما عن الحجّيّة بالتعارض، فتكون هذه الرواية دليلاً معتبرللتوقّف بعد تصحيح سندها بما ذكرنا وتماميّة دلالة ذيلها عليه.
فالحكم في الخبرين المتكافئين بحسب الروايات عبارة عن التخيير منطريق الجمع بين أخبار التوقّف وأخبار التخيير بالنص والظاهر، أو الأظهروالظاهر.
(صفحه 427)