(الصفحة 116)
واحتمل انّه منه أو من البق والبرغوث يحكم فيه بالطهارة.
وامّا في القسم الأوّل: فعلى تقدير عدم ثبوت النجاسة لمطلق الدم يصير المقام من قبيل الشبهة الموردية لدليل النجاسة والحكم فيه أيضاً الرجوع إلى اصالة الطهارة وعلى تقدير ثبوتها وقيام الدليل على الطهارة فيما لا نفس له يصير المقام من قبيل الشبهة المصداقية للمخصص بناء على كون دليل النجاسة دالاًّ عليها بنحو العموم فيجري فيه ما قيل في التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصص ـ جوازاً ومنعاً ـ كما انّه على تقدير كون دليل النجاسة دالاًّ عليه بنحو الإطلاق دون العموم ـ كما هو الظاهر على تقدير ثبوته ـ يصير المقام من قبيل التمسّك بالمطلق في الشبهة المصداقية للمقيّد وهو أضعف من التمسّك بالعامّ لأنّ التخصيص لا يوجب حصول عنوان في العام بخلاف التقييد والتفصيل في محلّه.
الفرع الثالث: العلقة المستحيلة من المني وقد احتاط في المتن بالاجتناب عنها وإن كانت في البيضة ثمّ رجح الطهارة في البيضة، والمحكي عن الشيخ (قدس سره) في الخلاف انّه ادّعى الإجماع على نجاسة العلقة المستحيلة من المني واستدلّ لها أيضاً بإطلاق الأدلّة، ويظهر من المحقّق والعلاّمة وبعض آخر التمسّك لها بأنّها دم أو دم ذي نفس، وعن الشهيد والمحقّق الأردبيلي وكاشف اللثام الترديد فيه، وعن صاحب الحدائق الجزم بالطهارة.
وكيف كان فإن قلنا: بأنّ الأصل في الدم النجاسة فالحكم بنجاسة العلقة لا يحتاج إلى شيء آخر لصدق الدم عليه، وامّا إذا لم نقل بذلك كما اخترناه فيشكل الحكم بنجاسة العلقة لعدم قيام دليل عليها لا بنحو العموم ولا بنحو الخصوص.
إن قلت: إنّ العلقة جزء من الحيوان فيحكم عليها بالنجاسة بمقتضى الأدلّة الدالّة على نجاسة دم الحيوان الذي له نفس سائلة كالإجماع ونحوه.
(الصفحة 117)
قلت: إن كان المراد شمول معقد الإجماع لها فهو غير معلوم لأنّ الظاهر من دم الحيوان غيرها فانّها نطفة تبدّلت بالعلقة فلا تكون دم الاُمّ عرفاً بل هو شيء مستقل وانّما يكون جوف الحيوان وعاء تكوّنه وظرف وجوده كما انّه ليس دم الحيوان الذي تنقلب إليه بعد حين وعليه فلا دليل على نجاستها خصوصاً العلقة في البيضة فإنّ إطلاق العلقة عليها غير ظاهر فالأقوى طهارتها كما انّ الظاهر طهارة العلقة وإن كان الأحوط الاجتناب نظراً إلى كونها دماً ومن البعيد أن لا يكون دم الحيوان أصلاً وإن كان متبدّلاً من المني والنطفة.
الفرع الرابع: الدم الذي يوجد في البيض وقد قوّى في المتن طهارته واحتاط بالاجتناب عنه وعن جميع ما فيه إلاّ مع وجود الحائل بينه وبينه، ولا وجه للحكم بنجاسته إلاّ كون الأصل فيما يصدق عليه الدم هي النجاسة إذ لا دليل عليها بالخصوص وقد عرفت عدم تمامية هذا الأصل وعليه فلا وجه للحكم بنجاسته وإن كان الدم صادقاً عليه عرفاً والفرق بينه وبين العلقة مع اشتراكهما في صدق عنوان الدم عليه انّ دم البيض لا مجال لاحتمال كونه دم الحيوان أصلاً مع انّ صدق الدم عليه غير واضح بخلاف العلقة التي تكون دماً حقيقة ويحتمل بل ربّما يقال بكونه دم الحيوان لكن الأحوط الاجتناب عن دم البيض أيضاً بل عن جميع ما في البيض إلاّ مع وجود الحاجب المانع عن السراية كما إذا كان الدم في عرق أو تحت جلدة حائلة وإن كانت رقيقة فانّه في هذه الصورة لا ينجس معه البياض إلاّ إذا حصلت السراية بتمزّق الحائل.
وغير خفي انّ البحث هنا في الطهارة والنجاسة لا في حلية الأكل وحرمته فالحكم بالطهارة لا يلازم جواز الأكل فمن الممكن أن يكون أكل هذا الدم حراماً لأجل كونه خبيثاً أو قيام الدليل على حرمة أكل الدم مطلقاً فلا ينبغي الخلط بين
(الصفحة 118)
المسألتين.
(الصفحة 119)
مسألة 7 ـ الدم المتخلّف في الذبيحة إن كان من الحيوان غير المأكول فالأحوط الاجتناب عنه، وإلاّ فهو طاهر بعد قذف ما يعتاد قذفه من الدم بالذبح أو النحر، من غير فرق بين المتخلّف في بطنها أو في لحمها أو عروقها أو قلبها أو كبدها إذا لم يتنجّس بنجاسة كآلة التذكية وغيرها، وكذا المتخلّف في الأجزاء غير المأكولة وإن كان الأحوط الاجتناب عنه، وليس من الدم المتخلّف الطاهر ما يرجع من دم المذبح إلى الجوف لردّ النفس أو لكون رأس الذبيحة في علو. والدم الطاهر من المتخلّف حرام أكله إلاّ ما كان مستهلكاً في الامراق ونحوها، وكان في اللحم بحيث يعدّ جزء منها 1.
1 ـ الكلام في الدم المتخلّف في الذبيحة يقع في مقامين:
المقام الأوّل: في الطهارة والنجاسة وقد فصّل فيه في المتن بين ما إذا كان الحيوان مأكول اللحم فحكم بطهارة الدم المتخلّف في ذبيحته بعد قذف ما يعتاد قذفه من الدم من دون فرق بين ما إذا كان في الأجزاء المأكولة أو في الأجزاء غير المأكولة وإن احتاط استحباباً بالاجتناب عن الثاني وبين ما إذا كان الحيوان غير مأكول اللحم فاحتاط وجوباً بالاجتناب عنه.
وهذه المسألة ـ أي طهارة الدم المتخلّف في الذبيحة في الجملة ـ من المسائل المتسالم عليها بين الأصحاب ولم يخالف فيها أحد منهم، ومدركها على الأصل الذي اخترناه من طهارة الدم واضح لأنّه عليه يحكم بنجاسة الدم الذي قام الدليل على نجاسته بالخصوص ومع عدم الدليل عليها يكون مقتضى الأصل الأوّلي هي الطهارة ولم يقم في المقام دليل على النجاسة وشمول معقد الإجماع على نجاسة دم الحيوان له غير معلوم بل معلوم العدم للإجماع على طهارته ـ كما سيجيء ـ وإن كان في الاستدلال بهذا الإجماع مناقشة كما يأتي إلاّ انّ الاستشهاد به لعدم شمول معقد
(الصفحة 120)
الإجماع على النجاسة للمقام ممّا لا تنبغي المناقشة فيه أصلاً وامّا بناءً على اصالة نجاسة الدم فقد استدلّ على طهارة الدم المتخلّف بوجوه:
الأوّل: الإجماع حيث انعقد ـ كما عرفت ـ على طهارة الدم المتخلّف في الذبيحة في الجملة وقد مر انّه لم يخالف فيها أحد من الأصحاب (رض) .
وفيه: ما تقدّم من عدم ثبوت كون هذا الإجماع تعبّدياً كاشفاً عن رأي المعصوم (عليه السلام) لاحتمال استناد المجمعين إلى بعض الوجوه الآتية.
الثاني: انّ لحم كل ذبيحة يشتمل على مقدار من الدم وقد حكم بحلّيته شرعاً مع ما فيه من الدم، وإذا كان حلالاً فيكون طاهراً قطعاً للملازمة المتحقّقة بين الحلّية وعدم النجاسة وإن كانت غير ثابتة في جانب العكس.
وفيه: انّ هذا الدليل أخصّ من المدّعى لأنّ المدعى طهارة مطلق الدم المتخلّف في الذبيحة والدليل لا ينطبق عليه لأنّ حلية الأجزاء الدموية المستقلّة في الوجود مثل ما يوجد في بطن الذبيحة أو في قلبها بحيث إذا شقّ سال منه دم كثير ممّا لا دليل عليه. نعم حلّية الأجزاء الدموية المستهلكة في ضمن اللحم غير الزائلة بغسله نوعاً ممّا لا اخشكال فيه فلا مانع من استكشاف الطهارة من طريقها للملازمة المذكورة.
الثالث: استقرار سيرة المتشرّعة المتصلة بزمان المعصومين (عليهم السلام) على عدم الاجتناب عمّا يتخلّف في الذبيحة من الدم ـ كان تابعاً للحمها أم لم يكن ـ مع كثرة ابتلائهم بالذبائح ومن المعلوم عدم ثبوت الردع عن السيرة فهي كاشفة عن رضا المعصوم (عليه السلام) به.
ولا تنبغي المناقشة في هذا الدليل فطهارة الدم المتخلّف في الجملة مسلِّمة لا ريب فيها.
بقي في هذا المقام اُمور: