(الصفحة 453)
الاستطاعة وعدم ثبوت المشقّة أيضاً لا يجب عليه الغسل كلّ ساعة لعدم وجوب الصلاة التي تكون طهارة الثوب شرطاً لها واجبة في كلّ ساعة فاللازم أن يكون المراد امّا ساعات وجوب الصلاة وامّا حمله على كونه تعبيراً عرفياً كناية عن التكرّر والتعدّد كما هو المتداول في تعبيراتنا العرفية في هذه الأزمنة أيضاً وعلى التقديرين لا دلالة له على اعتبار السيلان المدعى في المقام.
واُجيب عن الثاني تارة ـ كما في شرح بعض الأعلام على العروة ـ بأنّ الإمام (عليه السلام)انّما ذكر ذلك لأجل انّه مفروض السؤال فإنّ سماعة انّما سأله عمّن به جرح أو قرح لا يستطيع أن يغسله ويربطه فكأنّه (عليه السلام) قال: وحيث انّ مفروض المسألة عدم تمكّن الرجل من الغسل فلا يغسله إلاّ مرّة في كلّ يوم لا لأجل اعتباره في العفوّ.
واُخرى ـ كما في المستمسك ـ بأنّ الظاهر من قوله: ولا يغسل دمه انّه معطوف على «يربطه» ويكون التقدير ولا يستطيع أن يغسل دمه ولكنّه ينافيه الأمر بغسل الثوب في كلّ يوم مرّة لامتناع التكلف بغير المستطاع فلابدّ أن يحمل إرادة نفي الاستطاعة على الغسل في كلّ يوم مرّة ويشهد به التعليل بقوله (عليه السلام): فإنّه لا يستطيع الخ. فتدلّ الرواية على العفو عن الدم إذا كان التطهير في مجموع المدّة غير مستطاع وهذا أجنبي عن اعتبار المشقّة في كلامهم حتّى لو حمل نفي الاستطاعة على المشقّة لأنّ المشقّة في تمام المدّة غير ما يظهر من المشقّة في كلامهم التي هي المشقّة في كلّ وقت من أوقات الابتلاء مع قطع النظر عن غيره.
وأنت خبير بأنّ الاستطاعة المنفية في السؤال غير الاستطاعة المنفية في الجواب، فإنّ المراد منها في السؤال هي الاستطاعة على غسل الدم عن محلّه الذي هو البدن وبتعبير آخر هو حبس الدم وقطعه كما وقع التعبير به في رواية محمد بن مسلم والاستطاعة المذكورة في الجواب راجعة إلى استطاعة غسل الثوب وتطهيره
(الصفحة 454)
عن الدم. ومن المعلوم انّه لا ملازمة بين الاستطاعتين وعليه فلا يبقى مجال لشيء من الجوابين.
والإنصاف ظهور المضمرة ـ بعد حملها التعليل فيها على ما ذكرنا وبعد وضوح كون المراد من الاستطاعة هي الاستطاعة العرفية التي تكون نقيضاً للمشقّة العرفية وبعد عدم كون المفروض في السؤال عدم ثبوت هذه الاستطاعة للرجل وهو يدلّ على كون المراد هي الاستطاعة النوعية لا الشخصية كما لا يخفى ـ في انّ الملاك للعفو هي المشقّة العرفية في غسل الثوب متعدّداً وبالإضافة إلى كلّ صلاة ولا يقدح في الاستدلال بها الإضمار بعد كون منشأه ذكر الإمام (عليه السلام) المروي عنه في أوّل الكتاب ثمّ الإشارة بالضمير إليه في باقي الكتاب ويؤيّده تكثّر مضمراته. نعم هي دالّة على وجوب غسل كلّ يوم مرّة. ومن المعلوم انّ المراد باليوم فيه هو اليوم والليلة ولم يلتزم به الأصحاب وسيأتي البحث فيه.
وممّا ذكرنا ظهر حال صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة المروية في السرائر وانّه لا دلالة لقوله (عليه السلام) : ولا حبس دمها على استمرار السيلان ودوام الجريان فانّ الظاهر انّ المراد منه هو الحبس بنحو الانقطاع الكلّي المساوق للبرء لا حبسه ولو في ساعة أو لحظة ـ مثلاً ـ وقد عرفت انّ عطف الانقطاع على البرء في بعض الروايات عطف تفسير وتوضيح. نعم يبقى الدلالة على وجوب غسل الثوب في كل يوم مرّة ولا مانع من الحمل على الاستحباب لصراحة بعض الروايات المتقدّمة في عدم الوجوب كرواية أبي بصير المشتملة على قوله (عليه السلام) : ولست أغسل ثوبي حتّى تبرء وغيرها ممّا يأبى عن تقييده بالغسل مرّة في كلّ يوم مع انّ ظهورهما في الوجوب في نفسه ضعيف لأنّهما مسوقتان لنفي وجوب الزائد على المرّة لا لإفادة وجوبها كما لا يخفى.
(الصفحة 455)
وقد انقدح ممّا ذكرنا صحّة ما أفاده الماتن ـ دام ظلّه ـ من انّ الميزان في العفو أحد الأمرين; امّا أن يكون في التطهير والتبديل مشقّة على النوع فلا يجب مطلقاً أو يكون ذ لك حرجياً عليه مع عدم المشقّة النوعية فلا يجب بمقدار التخلّص عنه. فإنّ الأمر الأوّل هو الذي يستفاد من المضمرة بالتقريب الذي ذكرنا والأمر الثاني هو الذي يدلّ عليه دليل نفي الحرج الظاهر في الحرج الشخصي. نعم ظاهر المتن انّ ذلك مقتضى الاحتياط وانّ الفتوى هو كون دم الجروح والقروح معفوّاً عنه مطلقاً حتّى يتحقّق البرء ولعل منشأه إمكان المناقشة في حجّية المضمرة من جهة الإضمار أو استبعاد حمل المطلقات على صورة وجود المشقّة وقد عرفت انّ الاضمار في الرواية لا يقدح في اعتبارها لأنّ منشأه ما ذكرنا والاستبعاد في غير محلّه لما عرفت من انّه مع عدم فرض وجود المشقّة العرفية النوعية في مورد رواية سماعة قد جعله الإمام (عليه السلام) في الجواب علّة للعفو وعدم وجوب غسل الزائد على المرّة فيستفاد من ذلك وجود هذه المشقّة نوعاً وعليه فلا استبعاد في حمل المطلقات على صورة وجودها فالأحوط الوجوبي رعايتها كما لا يخفى.
بقي الكلام في حكم دم البواسير التي هي علّة وقروح باطنية في أطراف المقعدة قد تنفجر وتسيل دمها في مقابل النواسير التي هي قروح خارجية حوالي المقعدة أو غيرها وكذا حكم سائر القروح والجروح الباطنية الخارج دمها إلى الظاهر وقد نفى في المتن خلوّ كونه كسائر القروح والجروح عن القوّة ولكنّه ربّما يشكل بأنّ عموم الحكم للباطني من القروح والجروح غير ظاهر لأنّ إطلاق اللفظين ظاهر في الظاهر والباطن يحتاج إلى التقييد ولا يفهم من قول القائل زيد فيه جرح أو قرح إلاّ الجرح والقرح الظاهران.
ويندفع الإشكال بمنع الظهور في الظاهر ضرورة أنه يصحّ أن يقال للمبتلى بدم
(الصفحة 456)
البواسير انّ به قرحة من دون تقييد الباطن. نعم لا ملازمة بينه وبين سائر القروح الباطنية كقرح الصدر أو المعدة أو نحوهما لأنّها وإن كان يصدق عليها الفرج حقيقة ولا حاجة فيها إلى التقييد أيضاً إلاّ انّ الظاهر انصراف القرح الوارد في الفتاوى والنصوص عن مثلها لأنّ المتفاهم منه عرفاً هو القرح الذي يصيب دمه الثوب والبدن عادة ومن الواضح عدم ثبوت هذا الوصف فيها فلا مجال لتوهّم شمول الأدلّة لها خصوصاً إذا كان مثل دم الاستحاضة.
ويمكن أن يكون إطلاق المتن أيضاً ناظراً إلى هذه الصورة ولم يكن المراد كل قرح باطني خرج دمه إلى الظاهر حتّى يشمل مثل قرح الصدر والمعدة بل المراد القروح الباطنية التي يخرج دمها إلى الظاهر ويصيب الثوب أو البدن عادة مثل دم البواسير فتدبّر، كما انّه لا تبعد دعوى انّ العفو في القروح والجروح الظاهرية انّما هو بالإضافة إلى الدم الواقع في المحل الذي يصيبه عادة من الثوب والبدن، وامّا إذا أصاب ما يكون أجنبياً بالإضافة إليه كما لو أصاب دم القرحة التي في رجله رأسه أو عمامته فلا يتحقّق العفو بالنسبة إليه.
(الصفحة 457)
الثاني: الدم في البدن واللباس إن كانت سعته أقلّ من الدرهم البغلي ولم يكن من الدماء الثلاثة: الحيض والنفاس والاستحاضة، ونجس العين والميتة على الأحوط في الاستحاضة وما بعدها وإن كان العفو عمّا بعدها لا يخلو عن وجه، بل الأولى الاجتناب عمّا كان من غير مأكول اللحم، ولما كانت سعة الدرهم البغلي غير معلومة يقتصر على القدر المتيقّن وهو سعة عقد السبابة 1.
1 ـ في هذا الأمر جهات من الكلام:
الاُولى: لا إشكال ولا خلاف في ثبوت العفو عمّا دون الدرهم من الدم، بل عن جمع من الأصحاب دعوى الإجماع بالنسبة إلى الثوب ويأتي البحث في مشاركة البدن للثوب في الجهة الثانية ـ إن شاء الله تعالى ـ كما انّه لا شبهة في عدم ثبوت العفو فيما زاد على الدرهم وانّما الإشكال والخلاف فيما إذا كان بقدره من غير زيادة ولا نقصان وإن كان هذا الفرض نادر التحقّق وإحرازه صعباً فالمستفاد من مثل المتن ممّا علق فيه الحكم بالعفو على ما إذا كانت سعته أقلّ من الدرهم أو ما إذا كان دونه أو مثلهما من التعبيرات عدم ثبوت العفو في المساوي كما ربّما نسب إلى المشهور بل عن الخلاف الإجماع عليه وعن كشف الحقّ نسبته إلى الإمامية.
ولابدّ من ملاحظة الروايات فنقول:
منها: صحيحة عبدالله بن أبي يعفور في حديث قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): الرجل يكون في ثوبه نقط الدم لا يعلم به ثمّ يعلم فينسى أن يغسله فيصلّي ثمّ يذكر بعدما صلّى، أيعيد صلاته؟ قال: يغسله ولا يعيد صلاته إلاّ أن يكون مقدار الدرهم مجتمعاً فيغسله ويعيد الصلاة. ودلالتها على عدم ثبوت العفو في المساوي ظاهرة.
ومنها: مرسلة جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أبي جعفر وأبي عبدالله (عليهما السلام) انّهما قالا: لا بأس أن يصلّي الرجل في الثوب وفيه الدم متفرّقاً شبه