(الصفحة 263)
طائفة اصطفاهم الله من بين الناس وفضّلهم على غيرهم بمقتضى الآيات والروايات الكثيرة في هذا الباب أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله.
ومن العجب بعد ذلك من بعض المنتحلين للتشيّع المعتقدين بالإمامة كيف يرى انّه لا فضيلة للأئمّة المعصومين (عليهم السلام) على غيرهم وانّ امتيازهم في مجرّد استجابة الدعاء وانّهم لا يقدرون على شيء من الاُمور المذكورة فإذا كان المسيح قادراً على إحياء الموتى غاية الأمر بإذن الله كيف لا يكون الإمام قادراً عليه وتأويل الآية الظاهرة في ذلك من دون قيام دليل على خلاف ظاهره لا مجال له أصلاً، ودعوى رجوعه إلى الشرك واضحة الفساد فإنّ الشرك لا يتحقّق إلاّ بالاعتقاد باتّحاد الرتبة في الذات أو في الفعل أو في العبادة وما نعتقده في أئمّتنا (عليهم السلام) لا يرجع إلى ذلك بوجه فانّ قدرتهم تابعة لقدرة الله ولا تكون واقعة في عرضها وهذا من الوضوح بمكان فإنّ قدرة العبد من شؤون قدرة المولى وقدرة الوكيل في طول قدرة الموكّل ولا وجه لجعل القدرتين في عرض واحد مع التحفّظ على مقاميّ العبودية والمولوية والوكيلية والموكلية.
وبالجملة لابدّ للنافي من الالتزام بأحد أمرين: امّا بأنّ الله تعالى مع عموم قدرته وشمولها لكلّ شيء لا يقدر على إعطاء مزية الإماتة والإحياء وشبههما لبعض المخلوقات ولا يمكن له إقدار غيره على ذلك ومن المعلوم انّ هذا يرجع إلى تحديد قدرته ونفي ما فرض من عموم القدرة وشمولها ودعوى انّ عدم العموم انّما هو لعدمن قابلية المقدور لاستلزامه الشرك مدفوعة بما عرفت من عدم الاستلزام بل كونه مؤيّداً للتوحيد وانحصار منبع القدرة فيه تعالى.
وامّا بأنّه تعالى مع ثبوت القدرة له على ذلك لم يتحقّق منه هذا الأمر المقدور فنقول: لا وجه ـ حينئذ ـ لعدم التحقّق بعدما نرى من فضل الأئمّة (عليهم السلام) على جميع
(الصفحة 264)
المخلوقين وامتيازهم عليهم وقابليتهم لهذه العناية العظيمة.
وحيث إنّ الالتزام بالأمرين على ما عرفت ممّا لا مجال له فلا محيص عن الرجوع إلى محض الحقيقة والصراط المستقيم الذي دلَّ عليه الكتاب والسنّة في عليّ والأئمّة (عليهم السلام) وعند ذلك نسأل الله القول الثابت والعقيدة الراسخة المستقيمة وأن يخرج عن قلوبنا حبّ الدنيا الذي هو الأساس للانحرافات والداعي إلى الضلالة والغواية كما هو غير خفيّ على أهل البصيرة والدراية.
(الصفحة 265)
مسألة 12 ـ غير الاثنى عشرية من فرق الشيعة إذا لم يظهر منهم نصب ومعاداة وسبّ لسائر الأئمّة(عليهم السلام) الذين لا يعتقدون بإمامتهم طاهرون وامّا مع ظهور ذلك منهم فهم مثل سائر النواصب 1.
1 ـ والأولى طرح البحث بهذه الصورة وهي انّ إنكار الولاية لجميع الأئمّة (عليهم السلام)أو لبعضهم هل يكون مثل إنكار الرسالة موجباً للكفر والنجاسة أم لا؟ فنقول: المشهور بين الأصحاب طهارة أهل الخلاف وغيرهم من الفرق المخالفة للشيعة الاثنى عشرية المعروفة بالإمامية، ولكن صاحب الحدائق (قدس سره) قد اعتقد بكفرهم ونجاستهم ونسبه إلى المشهور بين المتقدّمين وإلى السيّد المرتضى (قدس سره)وغيره ولم يقتصر على الحكم بنجاسة غير الشيعة بل عمّم الحكم بها للشيعة غير الاثنى عشرية وقال: بأنّ أوّل من قال بالطهارة هو المحقّق (قدس سره) ثمّ اعترض عليه شديداً قائلاً بأنّه لا دليل على طهارتهم أصلاً.
وليعلم انّه يكون هناك دليلان قطعيان مقتضاهما طهارة كلّ مسلم ـ إمامياً كان أم غيره من فرق المسلمين:
الأوّل: ما ورد في غير واحد من الروايات من انّ المناط في الإسلام وحقن الدماء والتوارث وجواز النكاح انّما هو شهادة أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً (صلى الله عليه وآله)رسول الله، وفي بعضها زيادة «انّه هو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلّها».
الثاني: السيرة القطعية المستمرّة القائمة على معاملة الطهارة مع المخالفين بأجمعهم حيث إنّ المتشرّعة في زمان الأئمّة (عليهم السلام) وكذلك الأئمّة بأنفسهم كانوا يشترون منهم اللحم ويرون حلّية ذبائحهم ويباشرونهم ويعاملون معهم معاملة الطهارة مطلقاً ويفرّقون بينهم وبين الكفّار بل ولا يفرّقون بينهم وبين متابعيهم في الجهات الراجعة إلى أصل الإسلام والطهارة المترتّبة عليه كما هو واضح. وعليه
(الصفحة 266)
فدعوى كون ذلك لعلّه لأجل الحرج الرافع للحكم مدفوعة جدّاً.
وعن صاحب الحدائق (قدس سره) انّه قد استدلّ على نجاستهم بوجوه:
الأوّل: الروايات الكثيرة المستفيضة الدالّة على انّ المخالف لهم كافر نحو ما ورد من الله جعل علياً (عليه السلام) علماً بينه وبين خلقه ليس بينه وبينهم علم غيره فمن تبعه كان مؤمناً ومن جحده كان كافراً. وما يدلّ على انّ علياً (عليه السلام) باب هدى من خالفه كان كافراً. وما دلّ على انّ الإسلام قد بُني على خمس ـ الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية وانّه ما نودي أحد بشيء مثل ما نودي بالولاية. وغير ذلك من الروايات الظاهرة في مغايرة الإسلام مع إنكار الولاية.
والجواب عن هذا الوجه:
أوّلاً: انّ المراد من الكافر في مثل هذه الروايات ليس ما يقابل الإسلام لما عرفت من انّ الكافر ربّما يطلق على ما يقابل الايمان كإطلاقه على تارك الصلاة أو الزكاة أو الحجّ على ما ورد في آيته، وقد يطلق على المعنى اللغوي منه وهو مجرّد الستر والإخفاء . والدليل على انّ الكافر قد أطلق في الروايات المذكورة على غير المؤمن قوله (عليه السلام) في الرواية الاُولى: «فمن تبعه كان مؤمناً». وامّا ما يدلّ على انّ الإسلام قد بُني على خمس ومنها الولاية فالجواب عن الاستدلال به عدم إمكان الالتزام بمفاده لعدم مدخلية فعل غير الولاية من الخمسة المذكورة فيها وهي الصلاة والزكاة والحجّ والصوم في معنى الإسلام ضرورة انّه كيف يمكن الحكم بكفر من ترك إحدى الاُمور الأربعة المذكورة ، وعليه فيمكن أن يكون المراد من الإسلام فيها هو الإيمان.
وثانياً: لو سلم انّ إنكار الولاية يستلزم الكفر لكنّه لا دليل على نجاسة كلّ كافر إذ لا إجماع في المسألة مع انّ الفاضلين وجمعاً آخر قد اعتقدوا كفر أهل الخلاف ومع
(الصفحة 267)
ذلك قد حكموا بطهارتهم فمجرّد الكفر لا يلازم النجاسة، ولعل نسبة صاحب الحدائق نجاسة أهل الخلاف إلى المشهور بين المتقدّمين قد نشأت من انّه قد رأى حكمهم بكفرهم فزعم الملازمة بينه وبين الحكم بالنجاسة.
الثاني: الروايات الدالّة على انّ المخالف لهم ناصب. وفي بعضها: «انّ الناصب ليس من نصب لنا أهل البيت لأنّك لا تجد أحداً يقول: إنّي أبغض محمّداً وآل محمّد ولكن الناصب من نصب لكم وهو يعلم انّكم تتولّونا وانّكم من شيعتنا».
والجواب أوّلاً: انّ هذه الروايات مخالفة لما يدلّ على انّ الناصب من نصب لأهل البيت (عليهم السلام) لا مجرّد من اعتقد عدم إمامتهم.
وثانياً: انّا لا نفهم المراد من التعليل المذكور الواقع في الرواية الثانية إذ لم يقل أحد بأنّ النصب هو بغض محمّد وآله (عليهم السلام) جميعاً إذ الناصب ينتحل الإسلام ظاهراً ولا يجتمع ذلك مع بغض الرسول كما لا يخفى.
وثالثاً: لو نصب أحد للشيعة لأنّهم يحبّون علياً وأولاده (عليهم السلام) ويعتقدون بإمامتهم فهل يمكن أن لا يكون ناصباً لهم (عليهم السلام) فالنصب للشيعة بما هم كذلك نصب لهم ومن المعلوم انّ كلّ مخالف لا يتّصف بهذه الصفة.
الثالث: انّ أهل الخلاف منكرون لما ثبت بالضرورة من الدين وهو ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث بيّنها لهما النبي (صلى الله عليه وآله) وأمرهم بقبولها وهم منكرون لولايته وقد مرّ انّ إنكار الضروري يستلزم الكفر.
والجواب: انّ الولاية بالنحو الذي هو معتقد الشيعة لا تكون من ضروريات الدين بحيث يعلم بها كلّ من دخل في الإسلام، فإنّ الضروري عبارة عن أمر واضح بديهي يعرفه جميع طبقات المسلمين، نعم هي من ضروريات المذهب وكلّ من أنكرها خارج عنه.