(الصفحة 282)
مفاد الهيئة هو الوجوب بل مجرّد البعث الملائم مع الاستحباب أيضاً كما مرّ.
الثاني: الاعمر الوارد بأمر الصبيان بالصلاة وغيرها من العبادات، فانّ الأمر بالأمر بالشيء أمر بذلك الشيء حقيقة، وحيث إنّ الشارع أمر أولياء الصبيان بأمر أطفالهم بالصلاة مثلاً فيثبت بذلك انّه أمر الشارع الأطفال بها. غاية الأمر انّ شيئاً من الأمرين لا يكون على سبيل الوجوب بل على سبيل الاستحباب فالدليل على محبوبية عبادات الصبي ومشروعيتها تعلّق الأمر الاستحبابي بها بالكيفية المذكورة.
وفيه انّ هذا الأمر انّما يتمّ لو كان أولياء الأطفال مأمورين بأمرهم بجميع العبادات ولكن ذلك لم يثبت إلاّ في خصوص الصلاة إلاّ أن يقال بعدم القول بالفصل بين الصلاة وغيرها من أعمال الصبي وعباداته. هذا تمام الكلام في مباحث النجاسات ويتلوه البحث عن أحكام النجاسات إن شاء الله تعالى.
وقد وقع الفراغ من تسويد هذه الأوراق التي هي جزء من كتابنا الموسوم بـ «تفصيل الشريعة» في شرح «تحرير الوسيلة» بيد العبد المفتاق إلى رحمة ربّه المفضال محمد الموحّدي اللنكراني الشهير بالفاضل ابن العلاّمة الفقيه الفقيد آية الله المرحوم فاضل اللنكراني ـ حشره الله مع من يحبّه ويتولاّه من النبي والأئمّة المعصومين صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين ـ ووفّقني الله لأداء بعض حقوقه الواجبة التي هي أكثر من أن تحصى ولا يحرمني من دعائه في ذلك العالم الذي لابدّ من الانتقال إليه، وكان ذلك في اليوم الحادي عشر من شهر ربيع الثاني من شهور سنة 1395 من الهجرة النبوية على مهاجرها آلاف الثناء والتحية في مكتبة الوزيري في بلدة «يزد» المعروفة بدار العبادة وأنا مقيم فيها بالإقامة الموقتة الإجبارية مع عدم استقامة الحال وتشويش البال والهموم المتعدّدة والغموم
(الصفحة 283)
المتكثّرة بمعزل من الناس أجمعين حتّى ممّن ينتحل منهم العلم والدين وقد جعلهما وسيلة للوصول إلى حطام الدنيا وذريعة للبلوغ إلى الأغراض السفلى نسأل الله تبارك وتعالى أن يحفظنا من شرور أنفسنا ويوفّقنا لما هو وظيفتنا من تحصيل معالم الدين وترويج شريعة سيّد المرسلين ونشر معارف أئمّة الحقّ واليقين وأن يعجّل في فرج الإمام المنتظر والحجّة الثاني عشر بحق آبائه الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.
اللهمّ انّا نرغب إليك في دولة كريمة تعزُّ بها الإسلام وأهله وتذلُّ بها النفاق وأهله.
(الصفحة 284)
بسم الله الرحمن الرحيم
القول في أحكام النجاسات
مسألة 1 ـ يشترط في صحّة الصلاة والطواف واجبهما ومندوبهما طهارة البدن حتّى الشعر والظفر وغيرهما ممّا هو من توابع الجسد، واللباس الساتر منه وغيره، عدا ما استثنى من النجاسات وما في حكمها من متنجّس بها، وقليلها ولو مثل رأس الابرة ككثيرها عدا ما استثنى منها، ويشترط في صحّة الصلاة أيضاً طهارة موضع الجبهة في حال السجود دون المواضع الاُخر فلا بأس بنجاستها ما دامت غير سارية إلى بدنه أو لباسه بنجاسة غير معفوّ عنها وتجب إزالة النجاسة عن المساجد بجميع أجزائها من أرضها وبنائها حتّى الطرف الخارج من جدرانها على الأحوط، كما انّه يحرم تنجيسها، ويلحق بها المشاهد المشرّفة والضرائح المقدّسة، وكل ما علم من الشرع وجوب تعظيمه على وجه ينافيه التنجيس كالتربة الحسينية بل وتربة الرسول(صلى الله عليه وآله) ـ وسائر الأئمّة(عليهم السلام) والمصحف الكريم حتّى جلده وغلافه، بل وكتب الأحاديث عن المعصومين(عليهم السلام) على الأحوط بل الأقوى لو لزم الهتك بل مطلقاً في بعضها، ووجوب تطهير ما ذكر كفائي لا يختص بمن نجّسها، كما انّه تجب المبادرة مع القدرة على تطهيرها، ولو توقّف ذلك على صرف مال وجب، وهل يرجع به على من نجّسها لا يخلو من وجه، ولو
(الصفحة 285)
توقّف تطهير المسجد ـ مثلاًـ على حفر أرضه أو تخريب شيء منه جاز بل وجب، وفي ضمان من نجّسه لخسارة التعمير وجه قوي، ولو رأى نجاسة في المسجد ـ مثلاً ـ وقد حضر وقت الصلاة تجب المبادرة إلى إزالتها مقدّماً على الصلاة مع سعة وقتها فلو تركها مع القدرة واشتغل بالصلاة عصى لكن الأقوى صحّتها، ومع ضيق الوقت قدّمها على الإزالة 1.
1 ـ الكلام في هذه المسألة يقع في مقامات:
المقام الأوّل: في اعتبار طهارة البدن واللباس في صحّة الصلاة والطواف.
امّا الصلاة فقد اتّفقوا على اعتبار طهارتهما فيها وقد دلّت عليه الأخبار الكثيرة المتواترة إلاّ انّها وردت في موارد خاصّة من البول والمني ومثلهما ولم ترد رواية في اعتبار إزالة النجس بعنوانه أو طهارة الثوب والبدن كي تكون جامعة لجميع الأفراد ومثبتة للحكم بنحو العموم. نعم يمكن استفادته من صحيحة زرارة قال: قلت له: أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شيء من مني إلى أن قال: فإن ظننت انّه قد أصابه ولم أتيقّن ذلك فنظرت فلم أرَ شيئاً ثمّ صلّيت فرأيت فيه؟ قال: تغسل ولا تعيد الصلاة. قلت: لِمَ ذلك؟ قال: لأنّك كنت على يقين من طهارتك ثمّ شككت فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ أبداً. الحديث. فانّه على تقدير كون الضمير في «غيره» راجعاً إلى الدم وكون الخير مرفوعاً معطوفاً عليه تدلّ على مانعية مطلق النجاسات في الصلاة لكن هذا التقدير لا يلائمه ذكر «شيء من مني» عقيب «غيره» ضرورة انّه على هذا التقدير لا حاجة إليه أصلاً. نعم يمكن الاستفادة من الصحيحة من طريق آخر وهو انّ الإمام (عليه السلام) قد عبّر في مقام الجواب عن السؤال عن علّة عدم الإعادة في صورة عدم التيقّن بقوله (عليه السلام) : لأنّك كنت على يقين من طهارتك وهذا التعبير بلحاظ اشتماله على كلمة الطهارة وإضافتها إلى
(الصفحة 286)
المصلّي مع كون مورد السؤال هو الثوب يعطي انّ المعتبر في الصلاة طهارة المصلّي. غاية الأمر انّ المراد بالمصلّي ليس خصوص بدنه بل أعمّ منه ومن الثوب الذي هو مورد السؤال، فالمستفاد من الصحيحة اعتبار عنوان عام شامل لجميع النجاسات كما هو ظاهر.
كما انّه يمكن استفادة ذلك من السؤال في بعض الروايات بلحاظ دلالته على مفروغية اعتبار الخلو عن النجاسة في صحّة الصلاة عند السائل وتقرير الإمام (عليه السلام)له على ذلك، ففي رواية أبي العلاء عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يصيب ثوبه الشيء ينجسه فينسى أن يغسله فيصلّي فيه ثمّ يذكر انّه لم يكن غسله أيعيد الصلاة؟ قال: لا يعيد قد مضت الصلاة وكتبت له. ودلالته على اعتبار طهارة البدن امّا بالأولوية وامّا بعدم القول بالفصل.
كما انّه يمكن الاستفادة من بعض الروايات الواردة في مثل التكة والجورب والقلنسوة المشتملة على لفظ «القذر» الظاهرة في اعتبار إزالته في غير الاُمور المذكورة ممّا تتمّ الصلاة فيه منفرداً، ففي رواية إبراهيم بن أبي البلاد عمّن حدثّهم عن أبي عبدالله (عليه السلام) : لا بأس بالصلاة في الشيء الذي لا تجوز الصلاة فيه وحده يصيب القذر مثل القلنسوة والتكة والجورب.
وامّا استفادته من حديث «لا تعاد» المشتمل على لفظ «الطهور» أو مثل قوله (عليه السلام): «لا صلاة إلاّ بطهور..» فمورد الإشكال بل المنع. نعم يمكن الاستفادة من صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لا صلاة إلاّ بطهور ويجزيك عن الاستنجاء ثلاثة أحجار بذلك جرت السنّة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وامّا البول فانّه لابدّ من غسله. فانّ الظاهر بقرينة الذيل انّه لا تختص الطهارة المعتبرة في الصلاة بالطهارة من الاحداث بل تعمّ الطهارة من مطلق الخبائث كما لا يخفى، ولكن مقتضاها اعتبار