(الصفحة 277)
الطهارة من انّ من ذهب إلى نجاسته في كتاب ذهب إلى طهارته في كتاب آخر وعليه فالشهرة على النجاسة غير ثابتة، نعم الظاهر انّ المشهور بين القدماء هي المانعية عن الصلاة لظهور كلماتهم فيها لا في النجاسة.
وثانياً: بأنّه لو سلّم انّ الشهرة كانت قائمة على النجاسة لكن الشهرة الجابرة لضعف السّند انّما هي الشهرة المقابلة للنادر الشاذّ ـ على ما هو مقتضى مقبولة ابن حنظلة ـ لا الشهرة التي في مقابلها شهرة اُخرى بناء على إمكان وجود شهرتين كما يظهر من المقبولة أيضاً.
وقد انقدح ممّا ذكرنا انّه بعد عدم قيام الدليل على نجاسة عرق الجنب من الحرام لابدّ من الالتزام بالطهارة على ما هو مقتضى الأصل والقاعدة، بل لو قصرنا النظر إلى الأدلّة لا نرى دليلاً معتبراً على المانعية أيضاً لانحصاره في الروايات المذكورة التي عرفت حالها.
وممّا يؤيّد عدم النجاسة وعدم المانعية عن الصلاة انّ السؤال في الأخبار المتقدّمة انّما كان عن عرق مطلق الجنب لا خصوص الجنب عن الحرام، وهذا يكشف عن عدم معهودية النجاسة والمانعية إلى زمان العسكري (عليه السلام) وإنّ التفصيل بين القسمين من الجنب قد صدر منه (عليه السلام) مع انّه من البعيد أن تكون النجاسة أو المانعية مخفية عند المسلمين إلى عصر العسكري (عليه السلام) مع شدّة ابتلائهم به فيظهر من ذلك انّه لا مناص من حمل الأخبار المانعة ـ على تقدير اعتبارها ـ على التنزّه والكراهة كيف وقد ورد في جملة من الأخبار انّه لا بأس بعرق الجنب وانّ الثوب والعرق لا يجنبان كما عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن الجنب والحائض يعرقان في الثوب حتّى يلصق عليهما؟ فقال: إنّ الحيض والجنابة حيث جعلهما الله عزّوجلّ ليس في العرق فلا يغسلان ثوبهما. وما عن أبي عبدالله (عليه السلام): لا
(الصفحة 278)
يجنب الثوب الرجل ولا يجنب الرجل الثوب.
فالحقّ بعد ذلك طهارة عرق الجنب من الحرام وعدم مانعيته وإن كان الأحوط الاجتناب عنه خصوصاً في الصلاة.
بقي في هذا المقام فروع:
الأوّل: انّه بناء على القول بالنجاسة أو مجرّد المانعية هل يختص ذلك بما إذا كانت الحرمة ذاتية كما إذا كان من زنا أو وطىء البهيمة أو الاستمناء أو نحوها أو يعمّ ما إذا كانت الحرمة غير ذاتية كوطىء الحائض والجماع في يوم الصوم الواجب المعيّن؟ وجهان مبنيان على انّ المراد بالحلال والحرام في الروايات المتقدّمة هل هي الحرمة والحلّية الفعليتان فيحكم بنجاسة أو مانعية عرق من جامع زوجته وهي حائض وطهارة عرق من اُكره على الزنا أو اضطرّ إليه وذلك لثبوت الحرمة الفعلية في الأوّل والحلّية الفعلية في الثاني، أو انّ المراد منهما هي الحلّية والحرمة الذاتيتان فيحكم بالعكس؟
لا تبعد دعوى انصراف الحلال والحرام إلى الذاتيتين فانّ ظاهر قوله (عليه السلام): «إذا كان عرق الجنب وجنابته من حرام لا تجوز الصلاة فيه، وإن كانت جنابته من حلال فلا بأس» أن تكون الجنابة من حرام ذاتي كما انّ المتبادر من النهي عن الصلاة في أجزاء غير المأكول هو ما لا يؤكل لحمه ذاتاً وإن اضطرّ إليه فعلاً ولأجله جاز له الأكل فالمراد من الحلال والحرام هما الذاتيان بحكم الانصراف فتدبّر.
الثاني: في كيفية الاغتسال من الجنابة على تقدير نجاسة العرق قال السيّد (قدس سره)في العروة بعد الحكم بأنّ العرق الخارج منه حال الاغتسال قبل تمامه نجس: «وعلى هذا فليغتسل في الماء البارد، وإن لم يتمكّن فليرتمس في الماء الحار وينوي الغسل حال الخروج أو يحرّك بدنه تحت الماء بقصد الغسل».
(الصفحة 279)
أقول: امّا نيّة الغسل حال الخروج من الماء الحار ففيه انّ خروجه منه دفعة ممّا لا يكاد يمكن عادة فانّه يخرج من تحت الماء تدريجاً وعليه فإذا خرج رأسه من الماء قبل خروج سائر الأعضاا وعرق فانّه لا محالة يكون عرقاً خارجاً منه قبل تمام الغسل إذ لم يتحقّق الخروج الذي نوى الغسل حاله بجميع الأعضاء فلابدّ من أن يحكم بنجاسته إلاّ أن يقال: إنّ المقصود صحّة الغسل والعرق الخارج في الفرض لا يضرّ بصحّته ولكن يجاب عنه بأنّ الفرض الصحّة مع حصول طهارة البدن وإلاّ لم تكن حاجة إلى الكيفيات المذكورة أصلاً كما لا يخفى.
وامّا تحريك البدن تحت الماء بقصد الغسل فهو يبتني على القول بكفاية الارتماس بحسب البقاء في صحّة الغسل وعدم لزوم احداثه، وامّا على القول باعتبار احداثه من الأوّل فلابدّ أن يكون حدوث الارتماس بنيّة الغسل ولا يكفي تحريك البدن تحت الماء بقصده، مع انّه على فرض عدم اعتبار الاحداث في صحّة الغسل الارتماسي يمكن أن يقال بعدم لزوم تحريك البدن أيضاً بل يكفي مجرّد البقاء تحت الماء بنيّة الغسل. والذي يسهل الخطب ما عرفت من ابتناء مثل هذه المسائل على القول بالنجاسة وقد عرفت انّ الأقوى عدمها.
الثالث: انّ الصبي غير البالغ إذا أجنب من حرام فبناء على القول بنجاسة العرق من المجنب عن حرام يقع الكلام فيه من جهتين:
الجهة الاُولى: في نجاسة عرقه وعدمها وهما مبنيان على ما يمكن أن يقال به في نظائر المقام ـ من انّ المراد من الحرام المأخوذ في الروايات الدالّة على النجاسة هل هو الحرام الفعلي الذي يستحق فاعله العقاب بحيث يكون لعنوان «الحرام» دخالة في ترتّب الحكم أو انّ الحرام المأخوذ فيها قد اُخذ مشيراً إلى العناوين المحرمة مثل الزنا واللواط والاستمناء فكأنّه قيل: عرق الزاني أو اللاطي أو المستمني نجس؟
(الصفحة 280)
فعلى الأوّل لا يحكم بنجاسة عرق الصبي إذا أجنب من حرام لعدم اتّصاف الفعل الصادر منه بالحرمة وعدم استحقاق فاعله للعقوبة. وعلى الثاني لابدّ من الحكم بنجاسته لتحقّق السبب منه وان لم يتّصف بالحرمة الفعلية بالإضافة إليه.
والظاهر هو الوجه الأوّل لأنت ظاهر أخذ الحرام موضوعاً انّ لعنوانه مدخلية في ترتّب الحكم فحمله على كون أخذه للإشارة إلى أمر آخر خلاف الظاهر، ويؤيّده انّ الوطي بالشبهة مع انّه عمل مبغوض ذاتاً لم يلتزموا فيه بنجاسة عرق الواطي وليس هو إلاّ لعدم كونه محرماً فعلياً وعليه فلا يمكن الالتزام بنجاسة عرق الصبي.
الجهة الثانية: في صحّة الغسل من الصبي وفساده بعد ابتلائه بنجاسه عرقه على ما هو المفروض وملخّص الكلام في هذه الجهة انّها من صغريات الكبرى المعروفة وهي انّ عبادات الصبي هل تكون محكومة بالصحّة والمشروعية أم لا، وإجمال البحث فيها انّ المشهور المعروف بين الفقهاء (قدس سرهم) صحّة عبادات الصبي ومشروعيتها غاية الأمر انّها لا تتّصف بالوجوب واللزوم.
وقد استدل عليها بأمرين:
الأوّل: إطلاقات أدلّة التكليف كالأوامر المتعلّقة بالصلاة والصوم ونحوهما حيث إنّ إطلاقها يشمل الصبيان. وامّا حديث رفع القلم فقد يقال فيه انّه يدلّ على مجرّد رفع قلم المؤاخذة عنهم. وبعبارة اُخرى يدلّ على رفع التكليف عنهم في مرحلة التنجّز مع بقائه مشتركاً بينهم وبين المكلّفين إلى المرحلة الفعلية.
وفيه: انّه من البعيد أن يكون المرفوع هو قلم المؤاخذة لعدم مناسبة القلم مع المؤاخذة أصلاً.
وقد يقال: إنّ رفع القلم عن الصبي حتّى يحتلم بمعنى رفع قلم فعلية التكليف مع
(الصفحة 281)
بقائه مشتركاً بينه وبين غيره في مرحلة الإنشاء.
وفيه أيضاً انّه لا مناسبة بين رفع القلم والفعلية فانّ بلوغ التكليف إلى مرحلتها أمر يتحقّق مع وجود شرائط الفعلية ولا حاجة إلى وضع القلم حتّى يكون مرفوعاً في الصبي فتدبّر.
وقد يقال: إنّ رفع القلم بمعنى رفع قلم الإنشاء مع بقاء ملاك التكليف ومناطه مشتركاً بين البالغ وغيره. وبعبارة اُخرى اشتراكهما في مرحلة الاقتضاء وافتراقهما في مرتبة الإنشاء بضميمة انّ وجود الملاك والمناط وثبوت هذه المرتبة كاف في الاتصاف بالصحّة والمشروعية.
وفيه انّه لو سلم كفاية الاقتضاء والملاك في الصحّة لكن لا طريق لنا إلى استكشافه في أعمال الصبي وعباداته فانّ الكاشف عن ملاكات الأحكام ومناطاتها هو الأوامر الصادرة من الشارع والمفروض اختصاصها بالبالغين فمن أين يستكشف وجود الملاك في عبادة الصبي، ودعوى انّه من المعلوم انّه لا فرق في الملاك بين عمله وعمل البالغ مدفوعة بعدم حصول هذا القطع لنا ولا طريق إلى الكشف أصلاً.
مع انّ إثبات هذه المراحل الأربعة أو الخمسة لكل حكم من الأحكام التكليفية وتفسير الإنشائية والفعلية بالكيفية المعروفة يحتاج إلى بحث لا يسعه المقام. وكيف كان فهذا الأمر لا يقتضي مشروعية عبادات الصبي إلاّ أن يقال بعد الفراغ عن شمول الإطلاقات للصبيان وعدم اختصاصها من أوّل الأمر بالمكلّفين بأنّه قد انعقد الإجماع في مقابلها على عدم اللزوم على الصبي والقدر المتيقّن من الإجماع نفي اللزوم لا نفي المشروعية والاستحباب ففي الحقيقة الإجماع قرينة على التصرّف فيها بالحمل على الاستحباب في مورد الصبي وشبهه خصوصاً لو قلنا بعدم كون