(الصفحة 73)
القاعدة من دون حاجة إلى مثل رواية خاصّة أو انّ مقتضى القاعدة النجاسة؟ قال بعض الأعلام ـ على ما في تقريراته ـ : إنّ مقتضى القاعدة الطهارة من دون فرق بين صورة الاكتساء لذلك القشر وعدمه لقصور ما دلّ على نجاسة الميتة عن شمول بيضتها لأنّ أجزاء الميتة وإن كانت نجسة كنفسها إلاّ انّ أدلّة نجاستها غير شاملة لما هو خارج عن الميتة وإن كانت ظرفاً لوجوده من غير أن تتّصل بشيء من أجزاء الميتة فالحكم بطهارة البيضة على وفق القاعدة في كلتا الصورتين.
ولا يخفى ما فيه من المناقشة لأنّ البيضية قبل الانفصال يكون جزء من الحيوان وإن لم تكن متّصلة بشيء من أجزائه كبوله وفضلته ونحوهما، فالأدلّة الدالّة على نجاسة الميتة تشمل البيضة لكونها جزء منها وعليه فيكون مقتضى القاعدة نجاستها مطلقاً.
سلمنا انّ العمومات الدالّة على نجاسة الميتة لا تشمل البيضة لعدم كونها جزء منها ولكنّه لابدّ أن يفصل في ما هو مقتضى القاعدة بين ما إذا كانت البيضة على حالة تسري النجاسة من الميتة إلى باطنها وبين ما إذا لم تكن كذلك إلاّ أن يقال بأنّ البيضة في تلك الحالة لا يطلق عليها عنوانها أو يقال بأنّ الكلام في النجاسة العينية لا النجاسة العرضية الحاصلة من السراية فتدبّر.
وكيف كان فقد وردت في البيضة الخارجة من الميتة طوائف ثلاث من الروايات:
منها: ما دلّ على طهارتها ـ مطلقاً ـ كموثقة حسين بن زرارة قال: كنت عند أبي عبدالله (عليه السلام) وأبي يسأله عن السنّ من الميتة والبيضة من الميتة وأنفحة الميتة، فقال: كلّ هذا ذكي. وهذه الرواية ناظرة إلى خصوص الطهارة والنجاسة بقرينة إرداف البيضة في السؤال من السنّ.
(الصفحة 74)
ومنها: ما دلّ على جواز أكلها كذلك كرواية صفوان عن الحسين بن زرارة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: الشعر والصوف والريش وكل نابت لا يكون ميتاً وقال: وسألته عن البيضة تخرج من بطن الدجاجة الميتة فقال: تأكلها.
ومنها: ما فصل فيه بين حالتي الاكتساء وعدمه كموثقة غياث بن إبراهيم عن أبي عبدالله (عليه السلام) في بيضة خرجت من است دجاجة ميتة قال: إن كانت اكتست الجلد الغليظ فلا بأس بها.
وناقش في سندها صاحبا المعالم والمدارك (قدس سرهما) نظراً إلى انّ غياث بن إبراهيم زيدي والراوي عنه ـ وهو محمد بن يحيى ـ مردّد بين محمد بن يحيى الخزاز ومحمد بن يحيى الخثعمي والثاني ممّن لم يذك بعدلين.
وهذه المناقشة انّما تتمّ على مذهبهما من عدم حجّية غير الصحاح من الروايات واعتبار تذكية الرواة بعدلين، وامّا بناء على حجّية خبر الثقة ـ كما هو الحقّ ـ فلا مجال للمناقشة في سندها لأنّ غياث بن إبراهيم سواء كان هو غياث بن إبراهيم الزيدي أو غياث بن إبراهيم التميمي ثقة كما انّ محمد بن يحيى ثقة سواء كان هو محمد بن يحيى الخزاز المذكى بتذكية عدلين أو محمد بن يحيى الخثعمي لأنّ الثاني أيضاً ثقة فلا إشكال في سند الرواية.
وامّا دلالتها الظاهر انّ السؤال فيها يكون عن الحلّية والحرمة لا عن النجاسة والطهارة لكون المنفعة المقصودة من البيضة هي الأكل ولا يتبادر من السؤال عن البيضة إلاّ كون المقصود السؤال عن جواز الأكل وعدمه فنفي البأس في الجواب مشروطاً بالاكتساء للجلد الغليظ لا يكون ناظراً إلاّ إلى جهة الأكل وعليه فالرواية المفصّلة في المقام خارجة عمّا هو محل البحث فيه من الطهارة والنجاسة ودعوى الملازمة بين الأمرين مدفوعة بأنّ جواز الأكل وإن كان ملازماً لثبوت الطهارة
(الصفحة 75)
اخلاّ انّ عدم الجواز لا يكشف عن ثبوت النجاسة كما هو ظاهر وعليه فلا دليل على تقييد موثقة حسين بن زرارة الدالّة على طهارة البيضة الخارجة من الميتة مطلقاً والتفصيل في الحلّية والحرمة لا ينافي إطلاق الطهارة على ما هو مقتضى الرواية في المسألتين اللهمّ إلاّ أن يقال انّها قبل اكتسائها الجلد الغليظ تسري نجاسة الميتة إلى باطنها ولكنّه على تقدير صحّته لا يرتبط بالمقام لأنّ الكلام في النجاسة العينية المتحقّقة بعنوان الجزئية للميتة وعدمها لا النجاسة العرضية الناشئة من السراية كما مرّ.
إن قلت: مقتضى رواية صفوان ـ المتقدّمة ـ جواز الأكل مطلقاً.
قلت: نعم لكنّه لا مانع من تقييدها بمفهوم رواية غياث بناء على ثبوت المفهوم وصلاحيته للتقييد.
ثمّ انّه قد فصل العلاّمة (قدس سره) في الحكم بطهارة البيضة الخارجة من الميتة بين الحيوان الحلال وغيره واشترط في الحكم بها حلّية الحيوان مستنداً في ذلك إلى ورود جملة من الروايات في البيضة الخارجة من الدجاجة وهي ممّا يؤكل لحمه، وانصراف غيرها من الأخبار المطلقة إلى الحيوانات المحلّلة لأنّه قد سُئل فيها عن جواز أكل البيضة ولا يجوز أكل شيء من أجزاء ما لا يؤكل لحمه.
والحقّ ـ وفاقاً للمتن ـ عدم الفرق بين الحيوان الحلال وغيره لا لما أفاده بعض الأعلام من انّ الحكم بطهارتها لا يتوقّف على ورود رواية أصلاً لأنّه على طبق القاعدة لما عرفت من المناقشة فيه بل لعدم صحّة دعوى انصراف الأخبار المطلقة إلى الحيوانات المحلّلة لعدم معقولية كون السؤال في جميعها عن جواز الأكل وعدمه فهل يمكن حمل موثقة ابن زرارة الدالّة على الطهارة مطلقاً وعلى كون البيضة في رديف السنّ على جواز الأكل ضرورة انّه لا يعقل السؤال عن جواز أكل السن
(الصفحة 76)
فالرواية ناظرة إلى خصوص الطهارة والنجاسة، ولكن ما ذكرنا انّما يبتني على كون مورد السؤال الأوّل هو السن ـ كما في الوسائل المطبوعة أخيراً ـ وامّا بناء على أن يكون هو اللبن كما يدل عليه الاستشهاد بالرواية على طهارة لبن الميتة ـ كما سيأتي ـ فهذه الرواية أيضاً ظاهرة في كون السؤال فيها عن جواز الأكل وعليه فيسري الإشكال إلى ما ذكرنا من إطلاق الطهارة وعدم اختصاصها بصورة الاكتساء أيضاً فتدبّر جيّداً.
الفرع الرابع: الأنفحة من الميتة وفيها بحثان: الأوّل في حكمها. والثاني في موضوعها ومعناها.
أمّا الأوّل: فالظاهر انّه لا إشكال في طهارتها فتوى ـ كما نقل عن الغنية والمنتهى والمدارك وغيرها ـ وامّا نصّاً فقد اختلف فيها النصوص:
فمنها: ما يدلّ على الطهارة كصحيحة زرارة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن الأنفحة تخرج من الجدي الميت، قال: لا بأس به. وموثقة حسين بن زرارة المتقدّمة قال: كنت عند أبي عبدالله (عليه السلام) وأبي يسأله عن السن (اللبن) من الميتة والبيضة من الميتة وأنفحة الميتة فقال: كلّ هذا ذكى.
ورواية يونس عنهم (عليهم السلام) المتقدّمة أيضاً قالوا: خمسة أشياء ذكية ممّا فيه منافع الخلق: الأنفحة والبيض والصوف والشعر والوبر.
ومنها: ما يظهر منه خلاف ذلك كرواية بكر بن حبيب قال: سُئل أبو عبدالله (عليه السلام)عن الجبن وانّه توضع فيه الأنفحة من الميتة قال: لا تصلح، ثمّ أرسل بدرهم فقال: اشتر من رجل مسلم ولا تسأله عن شيء.
ورواية عبدالله بن سليمان عنه (عليه السلام) في الجبن قال: كل شيء لك حلال حتّى يجيئك شاهدان يشهدان انّ فيه ميتة. ومن المعلوم انّ الميتة التي يمكن أن تقع في الجبن عادة
(الصفحة 77)
ليست إلاّ الأنفحة من الميتة.
ورواية أخرى لعبدالله بن سليمان قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الجبن إلى أن قال: قلت : ما تقول في الجبن؟ قال: أولَم ترني آكله؟ قلت: بلى ولكني أحبّ أن أسمعه منك، فقال: سأخبرك عن الجبن وغيره، كلّ ما كان فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتّى تعرف الحرام بعينه فتدعه. والظاهر منها أيضاً انّ الجبن الحرام ما وقعت فيه الأنفحة من الميتة.
ورواية أبي الجارود قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الجبن فقلت له: اخبرني من رأى أنّه يجعل فيه الميتة فقال: أمن أجل مكان واحد يجعل فيه الميتة حرم ما في جميع الأرضين؟! إذا علمت انّه ميتة فلا تأكله، وإن لم تعلم فاشتر وبع وكل، والله انّي لاعترض السوق فأشتري بها اللحم والسمن والجبن والله ما أظن كلّهم يسمون هذه البربر وهذه السودان؟!. والظاهر منها انّه لو علم انّ فيه الميتة أي الانفحة منها يكون حراماً.
كما انّ الظاهر انّه لا يكاد يمكن الجمع الدلالي بين الطائفتين من الأخبار بل بينهما المعارضة واللازم الرجوع إلى المرجحات وأوّلها الشهرة الفتوائية وهي في جانب الطهارة كما انّها مخالفة لمذهب العامّة.
ولا يخفى انّ الأخبار الدالّة على النجاسة وإن كانت مطروحة للمعارضة إلاّ انّ مطروحيتها من هذه الجهة فقط أي من جهة دلالتها على نجاسة الانفحة من الميتة لا من جميع الجهات فلا تنافي دلالتها على حجّية البيّنة واعتبارها ـ كما استشهد بها عليها ـ أو على عدم وجوب الاجتناب في الشبهة الموضوعية كما هو ظاهر.
وامّا البحث الثاني فقد اختلف كلام اللغويين في معناها: فعن الصحاح: «الأنفحة بكسر الهمزة وفتح الفاء مخفّفة كرش الحمل أو الجدي ما لم يأكل فإذا أكل فهو