(الصفحة 440)
عليه انّه على تقدير الاعتراف بكون مورد الاخبار هو الماء السؤال عن انّه الوجه في التعدّي عنه إلى مطلق المايعات خصوصاً مع عدم كونها في اللطافة والتأثر مثل الماء إلاّ أن يقال بدلالة مثل صحيحة محمّد بن أبي نصر ـ المتقدّمة ـ الدالّة على انّه يكفي الإناء على عدم الاختصاص بالماء لعدم وضوح كون ما في الإناء ماء كما لا يخفى فترك الاستفصال دليل العموم لسائر المائعات.
وامّا من الجهة الثانية فالحقّ معه لأنّ غاية ما يستفاد من الأخبار الواردة في تأثير المتنجّس هو التنجيس في المتنجس مع واسطة واحدة أيضاً لأنّ مثل رواية حريز الدالّة على نجاسة الإناء وتأثيرها في تنجس ملاقيه لا يدلّ على أزيد من ذلك ضرورة انّ الإناء لا يكون إلاّ متنجّساً مع واسطة واحدة والملاقى له وإن كان متنجّساً مع واسطتين إلاّ انّه لم يعلم من الرواية تأثيره في نجاسة ملاقيه أيضاً. فغاية ما هو مدلول الرواية التأثير في المتنجّس مع واسطة واحدة وعليه فلا يعلم وجه عطف الواسطتين على الواسطة الواحدة والحكم بالتنجيس فيهما كالحكم به فيها ويمكن أن يكون مرادهم تعدّد المتنجّس وتكثّره لا تكثر الواسطة. نعم لو كان نجاسة ما في الإناء في مورد رواية حريز مستنداً إلى ملاقاته مع المتنجّس كاليد المتنجّسة لا إلى مثل شرب الكلب الذي هو نجس لتمّت دلالتها على ثبوت الحكم فيما كانت هناك واسطتان أيضاً، لكن المفروض فيها شرب الكلب من الإناء فالماء هو المتنجّس الأوّل كما انّه لو كان مثل صحيحة محمد بن أبي نصر ـ المتقدّمة ـ الدالّ على نجاسة ما في الإناء بإدخال اليد القذرة فيه دالاًّ على لزوم غسل الإناء أيضاً الذي هو إرشاد إلى نجاسة ما يلاقيه لكانت دلالتها عليه أيضاً ظاهرة لكنّها خالية عن الدلالة على لزوم غسل الاناء.
وبالجملة: مورد ما يدلّ على غسل الإناء هو الملاقاة مع عين النجس، وما كان
(الصفحة 441)
مورده الملاقاة مع المتنجّس يكون خالياً عن الأمر بغسل الإناء إلاّ أن يقال بأنّ ملاحظتهما وضمّ كلّ منهما إلى الآخر يوجب ثبوت الحكم مع تعدّد الواسطة أيضاً بمقتضى الروايات لكن الذي يوهن ذلك انّ ضمّ كلّ منهما إلى الآخر واستفادة ذلك منهما إن كان مع قطع النظر عن الإجماع وعدم القول بالفصل فهو ممنوع وإن كان مع ملاحظتهما فلا حاجة إلى الضمّ أيضاً.
نعم صحيحة العيص بن القاسم المتقدّمة يمكن استفادة تعدّد الواسطة منها بناءً على أن يكون المراد من قوله (عليه السلام) : إن كان من بول أو قذر شاملاً لما إذا كان ما في الطشت غسالة لتطهير المتنجّس بالبول أو القذر أيضاً وان يكون المراد من قوله (عليه السلام): فيغسل ما أصابه وجوب غسل مطلق ما أصابه ولو نفس الطشت ومثله فانّها على هذين التقديرين تدلّ على ثبوت الحكم مع تعدّد الواسطة أيضاً فإنّ ما في الطشت ربّما يكون متنجّساً مع واسطة واحدة والطشت أو مثله المأمور بغسله يكون متنجّساً مع واسطتين كما لا يخفى، ولكن التقديران خصوصاً الأوّل منهما غير ظاهرين فتدبّر.
والحاصل: انّه لا يستفاد من الروايات أزيد من التنجيس فيما إذا كانت الواسطة واحدة والظاهر انّه لا يكون هناك إجماع بعد كون أصل المسألة خلافية فإثبات الحكم مع تعدّد الواسطة سواء كانت اثنتين أو أزيد مشكل ولكن الاحتياط لا ينبغي بل لا يجوز تركه في مثل المقام.
المقام الثالث: في انّه هل يجري على المتنجّس بالمتنجّس جميع الأحكام الخاصّة المترتّبة عليه من لزوم تعدّد الغسل فيما إذا تنجّس بالبول أو لزوم التعفير أوّلاً فيما إذا تنجّس بولوغ الكلب فيه، فكما انّه يجب رعاية التعدّد في المتنجّس بالبول كالثوب مثلاً كذلك تجب رعايته في الثوب الآخر المتنجّس بالملاقاة مع الثوب الأوّل، وكما
(الصفحة 442)
يجب تعفير الإناء الذي ولغ فيه الكلب كذلك يجب تعفير الإناء الثاني الملاقي مع الإناء الأوّل أم لا؟ واحتاط في المتن وجوباً بالجريان خصوصاً فيما إذا صبّ ماء الولوغ في إناء آخر.
والحقّ أن يقال: إنّه تارة يقال بكفاية الغسل مرّة واحدة في مطلق النجاسات وانّ الزائد عنها يحتاج إلى الدليل واُخرى يقال بعدم الاكتفاء به فيه بل اللازم الغسل إلى أن يحصل القطع بالطهارة أو يقوم الدليل على الكفاية.
فعلى الأوّل فالظاهر انّ المتنجّس الثاني لا يلزم فيه رعاية التعدّد لعدم قيام الدليل على اعتباره فيه فإنّ الدليل انّما دلّ على اعتبار التعدّد فيما أصابه البول وهذه الخصوصية لا تتجاوز عن المتنجس الأوّل بداهة انّ المتنجس الثاني لم يصبه البول وانّما أصابه المتنجس بالبول فلا مجال للالتزام به.
وعلى الثاني الذي يبتني على جريان استصحاب النجاسة وبقائها إلى أن يحصل المزيل ـ حقيقة أو تعبّداً ـ فلا مناص من رعاية التعدّد في المتنجّس الثاني والثالث وهكذا أيضاً لعدم حصول القطع بارتفاع النجاسة الحاصلة يقيناً عند الاكتفاء بالمرّة.
والظاهر انّ المبنى الصحيح هو الأوّل، لأنّ أصل النجاسة في أكثر الأعيان النجسة انّما استفيد من الأمر بغسل ملاقيها ومقتضى إطلاقه الاكتفاء بتحقّق مسمّى الغسل وحقيقته الحاصلة بمرّة واحدة ولو كان التعدّد معتبراً لكان عليهم البيان خصوصاً مع ملاحظة عدم اعتبار التعدّد عند العقلاء بوجه.
نعم يمكن أن يقال مع البناء على هذا المبنى : إنّ المستفاد ممّا دلّ على اعتبار التعدّد في البول ونحوه عدم الاختصاص بالمتنجس الملاقى له من دون واسطة بل يسري الحكم إلى المتنجّس مع الواسطة أيضاً لأنّ نجاسته انّما نشأت من البول أيضاً
(الصفحة 443)
كنجاسة المتنجّس الأوّل، فالدليل يدلّ على اعتبار التعدّد فيه أيضاً، لكنّه يرد على هذا القول انّ تنجّس المتنجّس الثاني لو كان مستفاداً من أصل دليل نجاسة البول لكان لهذا الاستفادة مجال ولكنّه لا يكون كذلك فانّ نجاسة البول انّما اُستفيدت من الأمر بغسل ملاقيه مرّتين ونجاسة المتنجّس الثاني انّما اُستفيدت من دليل آخر مفاده لزوم غسله من دون اعتبار التعدّد ولا ملازمة بينهما في الحكم من هذه الجهة.
وهكذا الكلام بالإضافة إلى التعفير الثابت في ولوغ الكلب فإنّ الدليل الدالّ على اعتبار التعفير انّما دلّ على اعتباره في الإناء الذي ولغ الكلب فيه ولا دلالة له على اعتباره في الإناء الآخر الذي لم يتحقّق فيه ولوغ الكلب. غاية الأمر انّه تنجّس بالملاقاة مع الإناء الأوّل الذي ولغ الكلب فيه بل لو لم يكن في البين دليل على أصل تنجّس الإناء الآخر لم نكن نلتزم بذلك فاللازم ملاحظة ذلك الدليل وهو خال عن اعتبار التعفير.
نعم ربّما يقال فيما إذا ولغ الكلب في إناء وصبّ مائه في إناء آخر من غير أن يصيب الكلب نفسه شيئاً من الإنائين بلزوم تعفير الإناء الثاني أيضاً لاشتراكه مع الإناء الأوّل فيما هو العلّة في تنجيسه وهو شرب الكلب من الماء المظروف مع فرض عدم إصابة نفسه وقد يوجه الاشتراك بأنّ لزوم التعفير انّما نشأ من انتقال بعض المكيروبات المضرّة إلى ما ولغ فيه الكلب وبعد الانتقال لا فرق بين بقائه في الإناء الأوّل أو صبّه ـ بأجمعه أو ببعضه ـ في الإناء الثاني وهكذا.
ولكنّه اُجيب عنه بأنّ العمدة في دليل التعفير هي صحيحة البقباق المتقدّمة الدالّة على انّ الكلب رجس نجس لا تتوضّأ بفضله واصبب ذلك الماء واغسله بالتراب أوّل مرّة ثمّ بالماء، ومرجع الضمير في قوله (عليه السلام) : واغسله، غير مذكور فيها ولكنّه يستفاد من القرينة الخارجية انّ المراد به هو الإناء الذي ولغ الكلب فيه وبقى
(الصفحة 444)
فيه فضله ويلزم صبّه، ومن المعلوم انّ الإناء الذي ولغ الكلب فيه هو الإناء الأوّل دون الثاني والثالث، وامّا حديث انتقال بعض الميكربات فالظاهر انّ النجاسة ووجوب التعفير لا يدوران مداره وإلاّ لزم الحكم بوجوب تعفير الثوب والبدن وغيرهما ممّا اُفرغ فيه شيء من الماء الذي ولغ الكلب فيه مع انّه لم يقل بذلك أحد لأنّ اعتباره مختصّ بالآنية.
هذا ولكنّه مع ذلك كلّه يشكل الحكم بالفرق بين الإنائين فإنّ منشأ الحكم بالتعفير ـ على ما هو المتفاهم عند العرف ـ هو مجرّد ملاقاة الماء الذي ولغ فيه الكلب مع الإناء المفروض عدم إصابة الكلب نفسه شيئاً من الانائين فالإناء الأوّل لا وجه للزوم تعفيره إلاّ مجرّد الملاقاة مع الماء الكذائي ولا فرق بينه وبين الإناء الثاني من هذه الجهة أصلاً واحتمال مدخلية المظروفية حال الولوغ بعيد عن الأذهان إذ ليس للظرف خصوصية بل الخصوصية انّما هي في المظروف من ناحية الولوغ وشبهه كاللطع باللسان وهذه الخصوصية لا تنعدم مع تبدّل الظرف والاناء بوجه فالأحوط لو لم يكن أقوى رعاية التعفير في هذه الصورة.