(الصفحة 315)
شريعة سيّد المرسلين فالأحوط لو لم يكن الأقوى لزوم التباعد والتفاصل بينه وبين النجاسات خصوصاً بعد نفي الإشكال عنه من مثل شيخ المشايخ أجمعين وبعد إمكان دعوى أولوية المصحف عن المسجد ضرورة انّ إضافته إلى الله تعالى أشدّ من إضافة المسجد إليه لأنّه المعجزة الوحيدة.
ومن المعلوم انّ عروض التنجّس له يوجب التنفّر والانزجار وانحطاط مرتبته العالية في الأنظار العادية فاللازم مراعاة ذلك في نفس المصحف وشؤونه من الورق والجلد والغلاف فتدبّر.
المقام الخامس: في أحكام متعلّقة بالإزالة غير ما ذكر:
منها: انّ وجوب الإزالة في موارد ثبوته كفائي ولا يختص بمن تحقّق منه التنجيس بل هو وغيره سواء في هذه الجهة وذلك لعدم اختصاص أدلّة الوجوب ببعض دون بعض بل يشمل الخطاب جميع من استجمع شرائط هذا التكليف فهو متوجّه إلى العموم وحيث انّ الإزالة لا تكون قابلة للتكليف بها إذا قام بها بعض المكلّفين لعدم بقاء موضوعها بعد تحقّقها فلا محالة يصير الحكم بنحو الوجوب الكفائي.
وعن الشهيد في ظاهر «الذكرى» اختصاص الوجوب بمن أدخله.
ويرد عليه ـ بعد وضوح كون مراده خصوص ما إذا كان من أدخله واجداً لشرائط التكليف وبعد الإيراد عليه بأنّه ربّما لا يكون الإدخال من فعل المكلّف أصلاً ـ انّه إن كان المراد انّ الأمر بالإزالة متوجّه إلى خصوص الفاعل المختار العالم بثبوت هذا التكليف ولا تكليف بالإضافة إلى غيره أصلاً سواء تحقّق من المكلّف أم لم يتحقّق فالجواب عنه ما عرفت من عدم اختصاص أدلّة الوجوب وشموله لجميع المكلّفين.
(الصفحة 316)
وإن كان المراد انّ الأمر بالإزالة يتوجّه أوّلاً إلى خصوص الفاعل المذكور عيناً فإذا عصى وخالف يتوجّه في المرتبة الثانية إلى العموم كفاية نظير ما ذكروه في إنفاق الوالد على ولده الفقير وبالعكس حيث انّه واجب عيني في حقّ المنفق وإذا عصى ولم يتحقّق منه الإنفاق يجب على غيره كفاية فالجواب عنه انّه لا يستفاد ذلك من الدليل فانّه ليس في شيء من الأدلّة إشعار بتعدّد المرتبة وثبوت العينية والكفائية بل ليس هنا إلاّ تكليف واحد متوجّه إلى العموم ولا محالة يكون كفائياً.
نعم وجّهه في المصباح بقوله: «ويمكن توجيهه فيما لو كان من أدخله متعمّداً في فعله آثماً به بدعوى انّه يستفاد عرفاً ممّا دلّ على وجوب التجنيب حرمة التنجيس أعني جعل المسجد متنجّساً أعمّ من احداثه وإبقائه فيجب عليه عيناً رفعه تخلّصاً عن التنجيس المحرم كما انّه يجب عليه وعلى غيره من المكلّفين إزالته كفاية للأمر بالتجنيب الشامل للجميع فليتأمّل».
ويرد عليه إنّ حرمة التنجيس وإن كانت تستفاد من الأمر بالإزالة بالملازمة العرفية المتقدّمة إلاّ انّها تتقدّم بحسب المورد على الأمر بالإزالة ضرورة انّ الأولى فيما إذا لم تتلوّث المسجد بعد والثانية بعد تحقّق التنجيس وإن شئت قلت حرمة التنجيس لا معنى لثبوتها بالإضافة إلى البقاء أصلاً وإلاّ يلزم أوّلاً ثبوت التكليفين وكون مخالفة واحدة مخالفة لهما معاً، وثانياً انّه على هذا التقدير لا اختصاص له بمن أدخله فانّه لو كان الدليل عليها وجوب الإزالة وهو ثابت على الجميع فالحرمة المستفادة منه أيضاً ثابتة عليهم فلا اختصاص ولعلّه لما ذكرنا أمر بالتأمّل.
وقد انقدح من جميع ما ذكرنا بطلان ما عرفت من الشهيد (قدس سره) وانّ الوجوب في جميع الموارد لا يكون إلاّ كفائياً.
ومنها: إنّ وجوب الإزالة على الفور وقد استظهر نفي الخلاف فيه بل عن المدارك
(الصفحة 317)
والذخيرة نسبته إلى الأصحاب والوجه فيه انّ المرتكز عند المتشرّعة والمستفاد من الفتاوى والإجماعات المحكية ما عرفت من كون الملاك في هذا الحكم احترام المسجد ومثله ومنافاة ذلك للنجاسة الموجبة للتنفّر نوعاً وهذا يقتضي أن يكون الوجوب على الفور كما انّ المستفاد من الروايات الدالّة على ذلك ـ على تقدير الإغماض عن المناقشة فيها ـ هو وجوب حفظ المسجد عن النجاسة وحرمة إحداثها فيه أو إبقائها ولا مجال لاحتمال أن يكون المراد مجرّد تبعيدها عن المسجد في زمان من الأزمنة المستقبلة سيما بالنسبة إلى خبر علي بن جعفر (عليه السلام)فتدبّر.
ومنها: انّه لو توقّفت الإزالة على صرف مال وجب ولا يسقط لأجل ذلك فانّه في هذه الصورة يكون صرف المال مقدّمة للإزالة الواجبة، ومقدّمة الواجب امّا واجبة عقلاً وشرعاً أو عقلاً فقط. وعلى أيّ حال لا ريب في وجوبها.
ولكنّه ربّما يقال: إنّ المال الذي يتوقّف الإزالة على بذله إن كان من أموال نفس المسجد كاُجرة الدكاكين الموقوفة لمصالح المسجد أو كان بمقدار يسير لا يعدّ صرفه ضرراً على المتصدّي ولم يكن حرجياً في حقّه ففي هذه الصورة يجب بذله من باب وجوب المقدّمة، وامّا إذا كان ضررياً أو موجباً للحرج فالظاهر عدم وجوب البذل لأنّ الإجماع أو مثله من الأدلّة اللبّية لا يشمل هذه الصورة بعد وجود القدر المتيقّن لها، والروايات وإن كانت مطلقة إلاّ انّ حكومة أدلّة نفي الضرر أو الحرج على جميع الأحكام الشرعية التي منها وجوب الإزالة ـ على ما هو المفروض ـ تقتضي عدم الوجوب في المقام وقد ذهبوا إلى انّ الميّت إذا لم يكن له مال يشترى به الكفن ولم يكن من تجب عليه نفقته موسراً لا يجب عليه ولا على غيره شراء الكفن له وانّما يدفن عارياً أو يكفن من بعض أسهم الزكاة لأنّ الواجب الكفائي هو التكفين لا بذل الكفن، كما انّ الواجب هو التغسيل دون شراء الماء له وهذا الحكم لا دليل عليه
(الصفحة 318)
سوى قاعدة نفي الضرر.
ويرد عليه ـ مضافاً إلى انّ لازم ما أفاده التفصيل في باب التكفين أيضاً بأن يقال بذل الكفن إن لم يكن ضرراً على المتصدّي ولا حرجياً في حقّه يجب عليه في هذه الصورة مع انّ ظاهره ثبوت الحكم هناك بنحو الإطلاق، وإلى انّ لزوم الضرر والحرج انّما هو إذا لم يجز الرجوع به على من نجّسه ولم يكن ضامناً له فمن الممكن أن نختار ضمانه فيما سيجيء من البحث عنه فنفس الفرض يتوقّف على نفي الضمان وبدونه لا يتحقّق أصلاً ـ الفرق بين المقام وبين باب التكفين وعدمن كون المقايسة في محلّها ضرورة انّ الواجب هناك هو التكفين الذي هو من أعمال المكلّفين وبدون وجود الكفن يكاد لا يتحقّق الواجب فلا معنى لبقاء وجوبه بدونه. وامّا الواجب في المقام فهو الإزالة التي يكون موضوعها متحقّقاً لفرض تلوّث المسجد بالنجاسة. غاية الأمر توقّفها على بذل الماء.
وبعبارة اُخرى عمل المكلّف هنا يتوقّف على بذل المال، وامّا هناك فالتكفين لا يتوقّف عليه بل الكفن محتاج إليه والمقايسة الصحيحة انّما هي مقايسة المقام بما إذا كان التكفين مع وجوب الكفن متوقّفاً على بذل مال كما إذا كان إحضار الكفن الموجود متوقّفاً عليه فهل لا يجب البذل في هذه الصورة أو يجب بعنوان المقدّمة مع انّ في دليلي الضرر والحرج سيما الأوّل كلاماً مذكوراً في محلّه.
ومنها: انّه فيما لو توقّفت الإزالة على بذل مال وقد بذلها لتحقّقها فهل يرجع به إلى من نجس المسجد على تقدير كون المتصدّي للإزالة غيره أم لا؟ فيه وجهان والمذكور في المتن انّ الرجوع به لا يخلو عن وجه والمختار في «العروة» انّ عدم الرجوع لا يخلو عن قوّة.
وذكر بعض الأعلام في توضيح كلام السيّد (قدس سره) ما حاصله: «انّه إذا نجس أحد
(الصفحة 319)
مال غيره واحتاج تطهيره إلى بذل الاُجرة عليه فالظاهر عدم ضمانه للاُجرة لأنّ أدلّة الضمان وإن كانت تشمل العين وأوصافها من دون فرق بين وصف الصحّة وغيرها من أوصاف الكمال إلاّ انّ اُجرة التطهير والإرجاع إلى الحالة السابقة لا دليل على ضمانها، فإذا صار تنجيس مال الغير موجباً لسقوطه عن المالية كما إذا نجس لبن الغير ـ مثلاً ـ أو سبباً لنقصان في قيمته فلا إشكال في الضمان لنفس المال أو مقدار النقص الحاصل، وامّا اُجرة التطهير فلا وجه لضمانها فإذا كان هذا حال تنجيس ملك الغير فحال تنجيس المسجد الذي هو وقف ومعنى وقفه تحريره واضح لأنّه لا معنى لشمول أدلّة الضمان له بعد اختصاصها بمال الغير وقد ثبت انّ إتلاف أرض المسجد ونفسه غير موجب للضمان فما ظنّك بإتلاف صفاتها الكمالية».
والعجب منه حيث زعم انّ القائل بالضمان في مفروض المسألة يقول بضمان من نجس المسجد بالإضافة إلى نفس المسجد أو مالكه التقديري حيث ينفي شمول أدلّة الضمان لاختصاص موردها بما إذا ثبت المالية أوّلاً وكونها للغير ثانياً مع انّ الضمان على تقديره انّما هو بالإضافة إلى المتصدّي للإزالة الباذل للمال لأجلها فإذا لم يتصدّ أحد للإزالة لا يكون هناك ضمان أصلاً كما انّه إذا تبرّع متبرِّع ببذل المال أيضاً كذلك فالضمان انّما هو بالإضافة إليه والوجه في ثبوته انّما هو كون عمله الذي هو التنجيس صار موجباً لثبوت تكليف على العموم بنحو الكفاية والمفروض انّ موافقته تتوقّف على بذل المال، فقياس المسجد بمال الغير الذي لا تجب إزالة النجاسة عنه بوجه في غير محلّه جدّاً. نعم تمكن المناقشة في انّ ذلك بمجرّده لا يثبت الضمان بعد عدم نهوض الدليل عليه إلاّ أن يقال باستفادة ذلك من قاعدة الغرور المبتنية على ضمان الغار لكونه سبباً لضمان المغرور فانّه إذا كانت السببية للضمان