(الصفحة 448)
فانّه في تلك الصورة لا تكون العين النجس أو المتنجّس بها محسوسة أصلاً ومعه لا تتحقّق الإصابة المفروضة في دليل النجاسة، وامّا هذه الصورة التي تكون العين النجس أو المتنجّس فيها محسوسة فالإصابة متحقّقة وإن كان ظرفها انّما هو الباطن فتدبّر.
(الصفحة 449)
القول فيما يعفى عنه في الصلاة
مسألة 1 ـ ما يعفى عنه من النجاسة في الصلاة اُمور: الأوّل: دم الجروح والقروح في البدن واللباس حتّى تبرء، والأحوط إزالته أو تبديل ثوبه إذا لم يكن مشقّة في ذلك على النوع إلاّ أن يكون حرجاً عليه فلا يجب بمقدار الخروج عنه فالميزان في العفو أحد الأمرين، امّا أن يكون في التطهير والتبديل مشقّة على النوع فلا يجب مطلقاً أو يكون ذلك حرجياً عليه مع عدم المشقّة النوعية فلا يجب بمقدار التخلّص عنه، وكون دم البواسير منها وإن لم تكن قرحة في الخارج، وكذا كلّ قرح أو جرح، باطني خرج دمه إلى الخارج لا يخلو من قوّة 1.
1 ـ العفو في الصلاة عن دم الجروح والقروح في الجملة ممّا لا خلاف فيه ولا إشكال، والخلاف انّما هو فيما اعتبر فيه، ظاهر المحقّق في الشرائع اعتبار قيد المشقّة الظاهرة في المشقّة الفعلية والسيلان فيه والمراد من السيلان أن لا يكون في البين فترة يمكن وقوع الصلاة فيها من دون الدم. وعن كاشف الغطاء نسبته اعتبار كلا القيدين تارة إلى الأكثر واُخرى إلى المشهور . وعن مفتاح الكرامة أيضاً ما يقرب من ذلك قال: «إنّ الظاهر من كلام الأكثر انّ المدار على المشقّة والحرج وكلامهم يعطي لزوم الاستمرار على وجه لا يتيسّر الصلاة بدون الدم فيكون حالهما حال
(الصفحة 450)
صاحب السلس والمبطون والمستحاضة ودائم النجاسة».
لكن عن ظاهر الصدوق وصريح جملة من المتأخّرين بل أكثرهم عدم اعتبار شيء من القيدين والعفوّ عنه مطلقاً حتّى يتحقّق البرء، وعن جملة من الأصحاب اعتبار أحد القيدين.
وربّما يورد على من اعتبر القيدين معاً بأنّه على هذا التقدير لا تبقى خصوصية للدمين لأنّ كلّ دم بل كل نجاسة يكون معفوّاً عنها مع وجود هذين القيدين مع انّ ظاهرهم ثبوت الخصوصية لهما وان أفرادهما بالذكر لأجل هذه الخصوصية لا بمجرّد متابعة الرواية في التعرّض لهما ومن هنا يحتمل بل يغلب على الظنّ أن لا يكون مرادهم من المشقّة ما هو ظاهرها من المشقّة الفعلية بل المشقّة النوعية كما انّه ربّما يحتمل أن يكون مرادهم بالسيلان ومثله من التعابير المختلفة الواردة في الكلمات هو ما كان له استعداد الجريان لا ما كان جارياً بالفعل.
وكيف كان فالمتبع هي الروايات الواردة في الباب وما يفهم منها فنقول:
منها: رواية أبي بصير قال: دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) وهو يصلّي فقال لي قائدي: إنّ في ثوبه دماً فلمّا انصرف قلت له: إنّ قائدي أخبرني انّ بثوبك دماً، فقال لي: إنّ بي دماً ميل ولست أغسل ثوبي حتّى تبرء. وهذه الرواية مطلقة من جهة القيدين فانّه وإن كان من المحتمل وجود كلا القيدين في الدماميل التي كانت بالإمام (عليه السلام) إلاّ انّ بيان الحكم بصورة الإطلاق وعدم التقييد بشيء منهما ظاهر في عدم مدخليته مع انّ وجود القيد الثاني مظنون العدم لأنّه من المستبعد أن تكون إزالة الدم من الثوب أو تبديله مشقّة مشقّة على الإمام (عليه السلام). وبالجملة فالرواية خالية عن اعتبار شيء من القيدين بل جعلت الغاية فهيا البرء.
ومنها: صحيحة ليث المرادي قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : الرجل تكون به
(الصفحة 451)
الدماميل والقروح فجلده وثيابه مملوّة دماً وقيحاً وثيابه بمنزلة جلده فقال: يصلّي في ثبابه ولا يغسلها ولا شيء عليه. ودلالتها على الإطلاق كالرواية المتقدّمة.
ومنها: صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال: سألته عن الرجل يخرج به القروح فلا تزال تدمى كيف يصلّي؟ فقال: يصلّي وإن كانت الدماء تسيل. فإنّ المفروض في كلام الراوي وإن كان هو استمرار الادماء إلاّ انّ تعميم الحكم في الجواب بكلمة «ان» الوصلية ينفي اعتباره بل مقتضى الكلمة انّ جواز الصلاة مع عدمالاستمرار يكون أظهر وبنحو أولى مع انّ الظاهر انّه ليس المراد من القيد هو استمراره بنحو لا يكون في البين فترة بمقدار الصلاة أيضاً، بل المتفاهم عند العرف هو تكرّر الخروج وشيوعه في مقابل انقطاعه بالمرّة.
ومنها: موثقة عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن الدمل يكون بالرجل فينفجر وهو في الصلاة، قال: يمسحه ويمسح يده بالحائط أو بالأرض ولا يقطع الصلاة. والأمر بمسحه كذا مسح يده بالحائط أو بالأرض ليس لأجل مدخليتهما في الصلاة بل انّما هو لأجل انّه لا مانع من مسحه ليزول ألمه بخروج القيح والدم مضافاً إلى عدم تلوث الثوب به لأنّه لا داعي إليه كما انّه الوجه في الأمر بمسح اليد فتدبّر.
ومنها: موثقة سماعة بن مهران عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا كان بالرجل جرح سائل فأصاب ثوبه من دمه فلا يغسله حتّى يبرء وينقطع الدمّ.
وقد استشهد بهذه الرواية للقول باعتبار السيلان نظراً إلى توصيف الجرح بالسائل في موضوع القضية الشرطية وإلى عطف انقطاع الدم على البرء الظاهر في كونه من قبيل عطف الخاصّ على العامّ فالمراد بالبرء ـ حينئذ ـ وقوف الدم عن السِّيلان وإمساكه الصادق على الفترات الحاصلة في الأثناء.
والجواب انّ توصيف الجرح بالسائل انّما هو لكون المراد من الرواية نفي وجوب
(الصفحة 452)
غسل الثوب ومن المعلوم انّه مع عدم السيلان لا يصيب الثوب قهراً فالشرطية مسوقة لبيان الموضوع ولا مفهوم لها ـ حينئذ ـ وإن قلنا بثبوت المفهوم لها في غير هذه الصورة مع انّ جعل الغاية هو البرء الظاهر في انقطاع الدمّ من أصل وعدم جريانه ولو مع فترة ظاهر في عدم مدخلية السيلان وإلاّ لكان المناسب جعل الغاية غير البرء، ومنه يظهر انّ العطف يوجب حمل الانقطاع على الانقطاع الكلّي المساوق للبرء لا الانقطاع الموقّت الصادق مع الفترة أيضاً.
وبالجملة: لا مجال للاستشهاد بظهور الرواية على مدخلية قيد السيلان في العفو كما انّه لا دلالة على ذلك لرواية إسماعيل الجعفي قال: رأيت أبا جعفر (عليه السلام)يصلّي والدم يسيل من ساقه. ضرورة انّها حكاية فعل ولا تنافي الإطلاق بوجه.
ومنها: موثقة سماعة المضمرة قال: سألته عن الرجل به الجرح والقرح فلا يستطيع أن يربطه ولا يغسل دمه قال: يصلّي ولا يغسل ثوبه كل يوم إلاّ مرّة فانّه لا يستطيع أن يغسل ثوبه كلّ ساعة.
ومثلها المضمر المرويّ في مستطرفات السرائر عن البزنطي عن العلاء عن محمد بن مسلم، قال: قال: إنّ صاحب القرحة التي لا يستطيع ربطها ولا حبس دمها يصلّي ولا يغسل ثوبه في اليوم أكثر من مرّة.
وقد استدلّ بقوله (عليه السلام) في مضمرة سماعة: فانّه لا يستطيع أن يغسل ثوبه كلّ ساعة، تارة على اعتبار السّيلان نظراً إلى انّ الغسل كل ساعة انّما يكون مع السيلان وعدم الفترة في البين إذ مع وجودها لا حاجة إلى الغسل كلّ ساعة، واُخرى على اعتبار المشقّة وعدم الاستطاعة لظهوره في كونه علّة للعفو وعدم وجوب الغسل فيدلّ على انّ الملاك هو المشقّة وهي الموجبة للعفو.
والجواب عن الأوّل وضوح عدم كونه بظاهره علّة للحكم ضرورة انّه مع