(الصفحة 34)
غسله؟ فقال: نعم لا بأس به إلاّ أن تكون النطفة فيه رطبة فإن كانت جافّة فلا بأس. وظاهرها التفصيل بين الرطب والجاف كما نسب إلى أبي حنيفة.
ولكن الحقّ عدم دلالتها على الطهارة أيضاً لأنّ الحكم بعدم البأس في الجاف يكون لعدم العلم بسراية المني إلى البدن لاحتمال سبق الموضع الطاهر بالبدن وتجفيفه وحكمه بثبوت البأس في الرطب منه يكون لحصول العلم ـ عادةًـ بتحقّق السراية في هذه الصورة، وإن أبيت فلا محيص من حملها على التقية بعد معارضتها مع الروايات الكثيرة الدالّة على النجاسة لكونها موافقة لمذهب أبي حنيفة ـ كما ذكرنا ـ بل ولكونها مخالفة للضرورة. فانقدح انّ نجاسة مني الإنسان ممّا لا ارتياب فيها أصلاً وإن حكي عن الشافعي طهارة المني مطلقاً وعن الحنابلة طهارته من الإنسان ومن الحيوانات المحلّلة.
المسألة الثانية: في مني الحيوانات المحرّمة التي لها نفس سائلة وقد ادّعى الإجماع على نجاسته وانّه لا إشكال فيها أيضاً، والكلام في انّه هل يمكن استفادة ذلك من الأدلّة أم لا وبعبارة اُخرى هل يوجد في الأدلّة ما يدلّ بعمومها أو إطلاقها على نجاسة المني في هذا المورد أم لا؟ فلابدّ من ملاحظة الروايات فنقول:
منها: صحيحة محمد بن مسلم ورواية عنبسة المتقدّمتان في المسألة الاُولى ومثلهما من الروايات الآمرة بغسل الثوب الذي أصابه المني ـ من دون تقييد ـ ويظهر من بعض استفادة الإطلاق منها كما عن المعتبر والمنتهى أيضاً ولكنّه أنكره صاحب الجواهر (قدس سره) بدعوى تبادر الإنسان من الأدلّة قال: «ولعلّه لاشتمالها أو أكثرها على إصابة الثوب ونحوه ممّا يندر غاية الندرة حصوله من غير الإنسان».
وقد أورد عليه الماتن ـ دام ظلّه ـ بأنّ منشأ دعوى التبادر والانصراف توهّم ندرة الوجود مع انّها غير مسلمة في المحيط الذي وردت الروايات فيه ضرورة انّه
(الصفحة 35)
محل تربية الحيوانات واستنتاجها واستفحالها وغير خفي على من رأى كيفية استفحال البهائم شدّة الابتلاء بمنيّها وكثرته وان اصابة منيّها خصوصاً البهائم الثلاثة بالثوب وغيره ممّا يحتاج إليه الإنسان ويبتلى به كثيرة لا يمكن معها دعوى الانصراف، ودعوى الانصراف والتبادر انّما صدرت ممّن لا يبتلى به ونشأ في بيت أو محيط كان الابتلاء به نادراً أو مفقوداً رأساً فقاس به سائر الأمكنة والأشخاص وإلاّ فلا قصور في الإطلاقات أصلاً.
وكلامه ـ دام ظلّه ـ في غاية الجودة والمتانة لأنّ دعوى الإطلاق في هذه المسألة لا تقصر عن دعواه في كثير من الموارد التي قد التزموا به كما أفاده في آخر كلامه ولكن الأظهر في الإطلاق صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبدالله (عليه السلام)المتقدّمة أيضاً قال: ذكر المني وشدّده وجعله أشدّ من البول، ثمّ قال: إن رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك إعادة الصلاة لبعد أن يكون اللام في كل من المني والبول للعهد الخارجي وظهور كونها في كليهما للجنس فتدلّ حينئذ على انّ طبيعة المني أشدّ من طبيعة البول وقد ذكر في وجه أشدّية المني من البول احتمالات:
1 ـ كون المني أشدّ لاحتياج إزالته إلى الدلك والفرك دون البول. ويرده ـ مضافاً إلى وضوحه وعدم احتياجه إلى الذكر فانّه شيء يعرفه كل من غسل ثوباً متنجّساً بالمني ـ انّ إفادة ذلك ممّا لا يلائم شأن الإمام (عليه السلام) من جهة بيانه للأحكام كما هو ظاهر.
2 ـ كون الأشدّ بمعنى الأنجس. وفيه انّ الأمر بالعكس على حسب تصريح بعض الروايات الواردة في البول الدالّة على أنجسيته للزوم غسله مرّتين دون المني.
3 ـ كون الأشدّية باعتبار وجوب غسل الجنابة للمني دون البول. وفيه انّ وجوب غسل الجنابة انّما هو لأجل خروج المني من المجرى وحصول الجنابة
(الصفحة 36)
للإنسان وليس حكماً لطبيعة المني ومرتبطاً به.
4 ـ كون الأشدّية بمعنى سعة دائرة نجاسة المني حيث إنّه نجس من كل حيوان ذي نفس سائلة ـ محرّماً كان أم محلّلاً ـ بخلاف البول. وهذا الاحتمال خال عن المناقشة ويقرب دعوى الإطلاق في الصحيحة.
وما أفاده بعض الأعلام من انّ الأشدّية لو كان بلحاظ نجاسة المني من الحيوانات المحلّلة مع طهارة أبوالها لوجب أن يقول نجاسة المني أوسع من نجاسة البول ولا يناسبه التعبير بالأشدّية الظاهرة في اشتراك المني مع البول في النجاسة وكون الأوّل أشدّ من الثاني.
مدفوع بأنّه بعد فرض كون اللام في كلا الأمرين للجنس لابدّ من ملاحظة الطبيعة في كل واحد منهما ولا وجه للحاظ مني كل حيوان مع البول منه وعليه فلابدّ من استكشاف وجه كون طبيعة المني أشدّ من طبيعة البول ولا يعلم وجه لذلك إلاّ سعة دائرة نجاسته بخلاف البول.
وكيف كان دلالة الصحيحة على نجاسة المني في الحيوانات المحرّمة ممّا لا ينبغي الإشكال فيها أصلاً كما لا يخفى.
المسألة الثالثة: في مني الحيوانات المحلّلة التي لها نفس سائلة ونجاسته أيضاً من المسائل المجمع عليها ويدلّ عليها الإطلاقات بالتقريب المتقدّم بل يمكن دعوى كون التمسّك بالإطلاق في هذه المسألة أسهل لأنّ الابتلاء بالحيوانات المحلّلة أكثر من الابتلاء بالحيوانات المحرّمة ويدلّ عليها أيضاً صحيحة محمد بن مسلم ـ المتقدّمة ـ الدالّة على أشدّية المني من البول ـ بناءً على ما اخترناه من معنى الأشدّية ـ فإنّ مرجعها إلى سعة دائرة نجاسة المني وشمولها للحيوانات المحلّلة أيضاً دون البول لاختصاص نجاسته بالحيوانات المحرّمة ـ كما مرّ في بحثه ـ .
(الصفحة 37)
وعلى ما ذكرنا فلا يبقى مجال لما أفاده بعض الأعلام من انّه لا دلالة في شيء من الأخبار على نجاسة المني في هذه المسألة لانصراف المطلقات إلى مني الإنسان واختصاص الصحيحة بما إذا كان البول نجساً لاقتضاء الأشدّية ذلك.
نعم في مقابل أدلّة النجاسة موثقتان توهم دلالتهما على طهارة المني من الحيوانات المحلّلة:
إحداهما: موثّقة عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: كل ما أكل لحمه فلا بأس بما يخرج منه. فانّ الموصول عام للمني لأنّه أيضاً خارج منه.
ثانيتهما: موثقة ابن بكير المعروفة حيث ورد في ذيلها: «فإن كان ممّا يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وألبانه وكلّ شيء منه جائز. فإنّ قوله «كلّ شيء» يشمل المني أيضاً.
والإنصاف عدم ثبوت الإطلاق لهما بحيث يشمل المني لأنّ الاُولى منصرفة إلى البول والروث اللذين كثر التعرّض لهما في الروايات ولهذا أوردها صاحب الوسائل (قدس سره) مع تبحّره في تبويب الروايات ـ في باب حكم البول والروث ويؤيّده انّه هل يمكن استفادة حكم الدم أيضاً منها مع ثبوت وصف الخروج له أيضاً وليس ذلك إلاّ لأجل اختصاصها بالاخبثين.
وامّا الثانية فلا تكون في مقام بيان الطهارة والنجاسة بل تكون ناظرة إلى جهة بيان صحّة الصلاة في تجزاء ما يؤكل لحمه من ناحية عدم كونها ممّا لا يؤكل لا من جهة الطهارة والنجاسة ويدلّ على ذلك ذكر الوبر والشعر والألبان فيها أيضاً فلا دلالة للموثقة على طهارة مني الحيوان المأكول بوجه.
والذي يستهل الخطب ما عرفت من قيام الإجماع القطعي على النجاسة في هذه المسألة أيضاً.
(الصفحة 38)
المسألة الرابعة: في مني الحيوانات المحلّلة التي ليست لها نفس سائلة ولا يبعد ـ بعد عدم قيام الإجماع فيها وعدم وجود دليل خاص على النجاسة ـ دعوى انصراف الأدلّة عنها فيصير مقتضى الأصل الطهارة وأشدّية المني من البول بالتقريب الذي ذكرنا لا تقتضي ثبوت النجاسة في هذه المسألة أيضاً بعد الشكّ في أصل ثبوت المني لها أوّلاً وقوّة احتمال الانصراف ثانياً.