(الصفحة 321)
دليل حرمته للمقام بعد كون الغرض حفظ احترام المسجد وبعده عن النجاسة غير الملائمة مع المسجدية فإنّ المنساق من دليله ما إذا كان الغرض هو الإضرار بالمسجد، نقول بأنّ ذلك الدليل على فرض شموله للمقام انّما يكون مورده التخريب من غير التعمير، وامّا لو قلنا بوجوب التعمير بعده وإرجاعه إلى الحالة الاُولى فالظاهر عدم الشمول مع هذه الجهة وعليه فدليل وجوب الإزالة ولو كان هو الإجماع أو الإرتكاز يشمل المقام ويحكم بوجوبها ولو كان التطهير متوقّفاً على التخريب أيضاً.
وامّا لو كان المراد بالإضرار هي المانعية عن الصلاة والعبادة فيه فمجرّد المانعية في زمان محدود لا ينفي وجوب الإزالة ولا يزاحمه بعد عدم قيام الدليل على حرمة المانعية في هذه الصورة أصلاً. فالإنصاف جواز التخريب والحفر بل وجوبهما مطلقاً كما هو ظاهر المتن.
وامّا ضمان من نجّسه لخسارة التعمير الذي مرجعه إلى ثبوت وجوب الطمّ وتعمير الخراب بالإضافة إليه فقط لا إلى ثبوت الوجوب على العموم وجواز الرجوع إليه كما في الحكم المتقدّم الذي كان مورده توقّف الإزالة على بذل المال فانّه في المقام لا تكون الإزالة متوقّفة على بذله أصلاً بل تعمير الخراب وطمّ الحفر متوقّفان عليه وظاهر الحكمب الضمان على خصوص من نجّسه كون التكليف ثابتاً في حقّه فقط.
وبالجملة فلا دليل على ضمان المتصدّي للإزالة المباشر للتطهير امّا لأجل انّ الحفر والتخريب انّما صدر لمصلحة المسجد وتطهيره، والتصرّف فيما يرجع إلى الغير إذا كان لمصلحة الغير لا يكون مستتبعاً للضمان، وامّا لاختصاص أدلّة الضمان بما إذا أتلف مال الغير والمساجد لا تكون مملوكة بل محرّرة ومنفكّة عن الملكية لوجه الله
(الصفحة 322)
كالعبيد المعتقة.
وامّا ضمان من نجسه فيبتني على انّه لو تحقّق التخريب من مكلّف ابتداءً لا لمصلحة المسجد هل يجب عليه الإرجاع إلى الحالة الاُولى وتعمير المسجد كما كان أم لا؟ فعلى الأوّل يتحقّق الضمان في المقام لأنّ التنجيس صار موجباً لثبوت التكليف بالإزالة المتوقّف موافقته على التخريب، وعلى الثاني لا وجه لثبوته فيه.
وممّا ذكرنا ظهر انّ الحكم بالضمان في هذه الصورة أشدّ إشكالاً من الحكم به في الفرض السابق وإن كان المستفاد من المتن خلاف ذلك ضرورة انّ الضمان هناك كان بالإضافة إلى المتصدّي للإزالة المباشر لها، وامّا هنا فالضمان انّما يكون بالنظر إلى نفس المسجد.
المقام السادس: في مزاحمة إزالة النجاسة عن المسجد مع الصلاة فيما إذا حضر وقتها وقد اُفيد في المتن انّه مع سعة وقت الصلاة تكون الإزالة مقدّمة عليها ومع ذلك لو تركها واشتغل بالصلاة تكون صلاته صحيحة. غاية الأمر تحقّق العصيان بترك الإزالة لأنّها كانت واجبة على الفور ومع ضيق وقت الصلاة تكون الصلاة مقدّمة على الإزالة، فالكلام يقع في موردين:
المورد الأوّل: ما إذا كان وقت الصلاة متّسعاً والبحث فيه عن حكمين:
الحكم الأوّل: تقدّم الإزالة على الصلاة ومرجعه إلى ثبوت التزاحم بين الحكمين وأهمية وجوب الإزالة بالإضافة إلى وجوب الصلاة أو كونه محتمل الأهمّية فقط، امّا التزاحم فلظهور ثبوت الملاك والمناط في كليهما ضرورة بقاء وجوب الصلاة على ملاكه وبقاء وجوب الإزالة على ملاكه أيضاً وعدم ارتفاعه بمجرّد المزاحمة، وامّا الأهمّية فلكون وجوب الإزالة على الفور وكونها من الواجبات المضيقة والمفروض سعة وقت الصلاة. ومن المعلوم انّ الواجب الموسّع لا مجال له مع
(الصفحة 323)
الواجب المضيّق بل لا تزاحم بينهما أصلاً كما لا يخفى.
الحكم الثاني: صحّة الصلاة مع ترك الإزالة وتحقّق العصيان والاشتغال بها وقدد ذكر لها وجوه:
الأوّل: صحّة الترتّب الراجعة إلى ثبوت الأمر بالمهمّ عند عصيان الأمر بالأهمّ وكون الأمر بالأهمّ مطلقاً والأمر بالمهمّ مشروطاً بعصيانه ومخالفته وعليه فصحّة الصلاة في مفروض المسألة انّما هي لكونها مأموراً بها عند عصيان الأمر بالإزالة وتركها وهذه ـ أي مسألة الترتّب ـ مسألة معروفة محرّرة في الاُصول.
الثاني: ما اختاره المحقّق الخراساني (قدس سره) بعد الحكم بامتناع الترتّب واستحالته من كفاية الملاك في تصحيح العبادة وعدم الحاجة إلى تعلّق الأمر بها أصلاً.
الثالث: ما اختاره أيضاً في آخر كلامه من انّ الأمر في الواجب الموسّع انّما تعلّق بالطبيعي الجامع بين تمام الأفراد، والفرد المزاحم مع الواجب المضيّق وإن كان لم يتعلّق به أمر حتّى في غير مورد التزاحم إلاّ انّه لا مانع من الإتيان به بداعي الأمر المتعلّق بالطبيعة المفروض ثبوته وعدم ارتفاعه لأنّه لا وجه لارتفاعه بعد كونه بنحو الواجب الموسّع والمزاحمة مع المضيّق انّما هي بالإضافة إلى بعض أفراده. فالإتيان بالفرد المزاحم بداعي الأمر بالطبيعة لا مانع منه، فالصلاة في الفرض صحيحة ولو قلنا بعدم كفاية الملاك في صحّة العبادة واحتياجها إلى الأمر.
مع انّه ربّما يقال بأنّه لا طريق إلى إحراز الملاك غير الأمر المتعلّق بالعبادة فمع فرض سقوط الأمر لأجل المزاحمة من أين يستكشف ثبوت الملاك حتّى يكون كافياً وإن كان هذا الايراد في غير محلّه ضرورة انّ فرض التزاحم مساوق مع إحراز الملاك في كلا الواجبين مضافاً إلى انّه من الواضح انّ الصلاة في الفرض لم يحدث لها جهة سوى المزاحمة وعدم إمكان الإتيان بالمتزاحمين في زمان واحد فلا
(الصفحة 324)
مجال لخروجها عن الملاك الذي كانت عليه.
نعم ربّما يقال في الوجه الثالث إنّ تصحيح العبادة من طريقه انّما يبتني على عدم كون الأمر بالشيء مقتضياً للنهي عن ضدّه الخاص ضرورة انّه مع القول بالاقتضاء لا مناص من الحكمب البطلان في مفروض المسألة.
مع انّه على هذا التقدير أيضاً تكون الصلاة صحيحة لأنّ النهي الناشئ من قبل الأمر بالضدّ ـ على تقديره ـ نهي غيري وهو لا يمتنع اجتماعه مع العبادة فانّه كما انّ الأمر الغيري لا يكون مقرّباً كذلك النهي الغيري لا يوجب تحقّق المبغوضية ومع انتفائها وصلاحية العمل للمقرّبية تقع العبادة صحيحة.
الرابع: ما هو الحقّ تبعاً لما أفاده سيّدنا العلاّمة الاستاذ الماتن ـ دام ظلّه ـ في مباحثه الاُصولية من تصوير الأمر بالأهمّ والمهمّ في عرض واحد من دون تقييد الأمر بالمهمّ بالعصيان للأمر بالأهمّ أو بالبناء عليه بل كلاهما ثابتان في رتبة واحدة ولا يلزم من ذلك محذور أصلاً وهو يبتني على مقدّمات كثيرة دقيقة مذكورة في محلّها ونتيجتها صحّة الصلاة في مفروض المسألة لعدم تفاوت بينها وبين سائر الأفراد في الجهة المرتبطة بالصحّة والعبادية أصلاً.
المورد الثاني: ما إذا كان وقت الصلاة مضيّقاً ولا خفاء ـ حينئذ ـ في تقدّمها على الإزالة لأنّه ـ مضافاً إلى عدم شمول أدلّة الوجوب ـ التي عرفت انّ عمدتها الإجماع وارتكاز المتشرّعة ـ لمثل هذا المورد الذي يستلزم الاشتغال بالإزالة ترك الصلاة في وقتها ـ يدلّ على تقدّم الصلاة ما ورد فيها من كونها عمود الدين وانّها لا تترك بحال ومثل ذلك من التعبيرات التي تكشف عن أهمّيتها بالإضافة إلى سائر الواجبات وعليه فلا إشكال في تقدّمها على الإزالة واتّصافها بالصحّة.
بقي في هذا المقام فرع: وهو انّه إذا وقع التزاحم بين الإزالة والصلاة في أثناء
(الصفحة 325)
الصلاة كما إذا تنجّس المسجد في حال الاشتغال بالصلاة والتفت المصلّي إليه أو علم في الأثناء بوقوعه قبل الصلاة أو كان عالماً به قبلها ثمّ غفل وصلّى فتذكّر في الأثناء ومثل الصورة الأخيرة ما إذا علم قبلها وصلّى مع الالتفات عصياناً ثمّ ندم وبنى على ترك العصيان في أثناء الصلاة فهل الحكم عبارة عن لزوم قطع الصلاة والاشتغال بالإزالة ثمّ إعادتها أو انّه عبارة عن لزوم الإتمام ثمّ الإزالة بعدها أو يمكن التفصيل بين الصور المذكورة؟ ومن المعلوم انّ محلّ الكلام ما إذا لم يمكن الجمع بين الإزالة والإتمام، وامّا إذا أمكن كما إذا لم تكن الإزالة مستلزمة للانحراف ولا لتحقّق الفعل الكثير القاطع لها فلا إشكال في لزوم كلا الأمرين من دون أن يكون هناك شكّ وارتياب في البين كما انّ محلّ الكلام ما إذا كان الإتمام موجباً للإخلال بالفورية العرفية، وامّا مع عدم الإخلال كما إذا كان في أواخر صلاته فلا ريب في وجوب الإتمام.
وامّا مع عدم الإمكان واستلزام الإتمام للإخلال بالفورية العرفية فالظاهر هو التخيير بين الأمرين لأنّ عمدة الدليل على كلا المطلبين هو الإجماع القائم في البين على حرمة قطع الصلاة المفروضة وكذا وجوب إزالة النجاسة بالفورية العرفية التي ينافيها إتمام اللاة وإلاّ لم يكن الاشتغال بها أيضاً منافياً وحيث لم يثبت أهمّية شيء من الأمرين ولا يجري احتمالها في خصوص واحد من الحكمين فلا محيص عن الحكم بثبوت التخيير في البين.
وإن شئت قلت بعدم شمول شيء من الإجماعين للمقام بعد ثبوت القدر المتيقّن لهما ضرورة انّ المتيقّن من الإجماع على حرمة القطع غير ما إذا كان القطع لغرض الاشتغال بواجب مثل الإزالة كما انّ المتيقّن من الإجماع على لزوم إزالة النجاسة فوراً فيتخيّر بين الإتمام والقطع والإزالة فتدبّر.