(الصفحة 381)
بالصلاة التي يصلّيها أوّلاً أو بما يصلّيها ثانياً ولا دليل على اعتبار هذا العلم في تحقّق الامتثال ومزيد التحقيق في محلّه.
وامّا مرسلة الشيخ الدالّة على انّه يتركهما ويصلّي عرياناً فهي ضعيفة بإرسالها وعدم اعتناء المشهور بها حتّى نفس الشيخ في الكتابين كما عرفت فلا يمكن الاعتماد عليها بوجه خصوصاً في مقابل الصحيحة المتقدّمة المعتضدة بموافقة القاعدة والشهرة الفتوائية.
المقام الثاني: فيما إذا لم يسع الوقت للتكرار وأمكن للمصلّي الصلاة عارياً وقد احتاط الماتن ـ دام ظلّه ـ فيه بالصلاة عارياً.
والظاهر انّ هذه المسألة مبتنية على المسألة السابقة وهي ما لو انحصر ثوبه بالنجس فإن قلنا بأنّ الواجب في تلك المسألة هي الصلاة في الثوب النجس كما اختاره كاشف اللثام وتبعه جمع من مقاربي عصرنا منهم السيّد (قدس سره) في «العروة» فالواجب عليه هنا الصلاة في أحد الثوبين الذي لا يعلم بنجاسته بطريق أولى لوضوح انّه إذا كانت الصلاة في الثوب النجس واجبة مع العلم بمقارنتها لوجود النجاسة فلا محالة تكون واجبة مع احتمال المقارنة بطريق أولى كما هو ظاهر.
وإن قلنا بأنّ الواجب في تلك المسألة هي الصلاة عارياً كما عرفت انّه المعروف بين الأصحاب فهل اللازم عليه هنا أيضاً كذلك أو انّه لابدّ في المقام من الحكم بوجوب الصلاة في أحد الثوبين؟
ربّما يقال بالثاني نظراً إلى ثبوت الفرق بين المقامين فإنّ الأمر هناك دائر بين الصلاة فاقدة للستر وللمانع وبين الصلاة واجدة لهما معاً قطعاً للعلم بنجاسة الثوب المنحصر، وهنا دائر بين الصلاة فاقدة للشرط قطعاً وبينها واجدة للمانع احتمالاً. وبعبارة اُخرى الأمر في المسألة السابقة كان دائراً بين المخالفة القطعية للأمر المنجز
(الصفحة 382)
المعلوم بترك ما هو شرط للمأمور به يقيناً وبين المخالفة له بإتيانه واجداً للمانع كذلك، وهنا دائر بين المخالفة القطعية له بترك ما هو شرط له وبين المخالفة الاحتمالية بإيقاع الصلاة في الثوب الذي يشكّ في طهارته ولا ريب انّ الترجيح مع الثاني على ما يحكم به العقل قطعاً.
والظاهر انّ هذا القول يتمّ على تقدير الجمود على طبق الروايات الدالّة على تعيّن الصلاة عارياً مع انحصار الثوب بالنجس من دون استفادة المناط منها أصلاً فانّه على هذا التقدير لا مجال لدعوى شمول الروايات للمقام لكون موردها صورة الانحصار فاللازم الرجوع إلى العقل وهو يحكم بمثل ما ذكر.
وامّا إن استفدنا من تلك الروايات انّ الملاك في تعيّن الصلاة عارياً مع انحصار الثوب في اقوائية مانعية النجاسة بالإضافة إلى شرطية الستر ـ كما لا يبعد هذه الاستفادة ـ فالظاهر اقتضاء المناط لأن يصلّي عارياً في المقام أيضاً لأنّ القول بوجوب الصلاة في الثوب هنا مرجعه إلى الاكتفاء بمحتمل الصلاتية إذ على تقدير نجاسة الثوب واقعاً لا تتحقّق الصلاة أصلاً و ـ حينئذ ـ فاللازم أن يقال بكفاية الشكّ في تحقّق الامتثال مع عدم وجود ما يحرزه كما هو المفروض وهو ممّا يحكم العقل ببداهة خلافه وإن شئت قلت: الصلاة في الثوب الذي يشكّ في طهارته مع عدم إحرازها بالأصل ـ لفرض كونه من أطراف العلم الإجمالي ـ كالصلاة فيما علم نجاسته من حيث عدم تحقّق الامتثال المعتبر في سقوط الأمر، وحيث إنّه قد علم من الأخبار المتقدّمة ترجيح جانب المانع على جانب الشرط فالواجب عليه هنا أيضاً الصلاة عارياً.
وبعبارة اُخرى الصلاة عارياً تشتمل على رعاية جانب المانع قطعاً والصلاة في أحد الثوبين تتضمّن رعاية جانب الشرط كذلك. ومن الواضح انّ الاقوائية
(الصفحة 383)
تقتضي تعين الأوّل مع انّه لو لم يكن هناك اقوائية فرضاً لما كان وجه لتعين الثاني بل كان مخيّراً بينه وبين الأوّل، وعليه فدوران الأمر بين الكيفيتين انّما هو من قبيل دوران الأمر بين التعيين والتخيير ومقتضى الاحتياط العقلي فيه هو الأخذ بما يحتمل تعيّنه وبما ذكرنا يظهر وجه ما اُفيد في المتن من انّ الاحتياط يقتضي الصلاة عارياً فتدبّر.
بقي الكلام: في هذا المقام في وجه وجوب القضاء خارج الوقت في ثوب طاهر وهو يتضمّن أمرين أحدهما أصل وجوب القضاء والثاني كونه في ثوب طاهر ومرجعه إلى عدم الاكتفاء بالقضاء في أحد الثوبين.
امّا الأمر الثاني فالوجه فيه واضح لأنّه بعد ثبوت وجوب القضاء لابدّ من الإتيان بها في ثوب طاهر لأنّ المفروض كونه محرزاً بعد خروج الوقت. نعم على تقدير بقاء الاشتباه يكفي التكرار في الثوبين بعنوان القضاء لعدم الفرق بينها وبين الاداء من هذه الحيثية أصلاً.
وامّا الأمر الأوّل فيشكل وجهه نظراً إلى انّ القضاء انّما هو بأمر جديد وموضوعه فوت الفريضة في وقتها، ومن المعلوم عدم تحقّق الموضوع في المقام لأنّ الواجب على المكلّف في الوقت انّما هو الإتيان بها عارياً لما قد عرفت من اقتضاء الاحتياط له كذلك، ومع الإتيان بما هو الواجب لا يبقى مجال لتحقّق الفوت كما في صورة انحصار الساتر بالنجس والصلاة عارياً وقد حكم في المتن فيها بعدم ثبوت القضاء عليه ومعه يبقى سؤال الفرق بينه وبين المقام من جهة نفي وجوب القضاء عليه هناك وإيجابه هنا.
ودعوى انّ الفرق بين المقامين هو عدم كون الصلاة في الثوب الطاهر مقدورة له هناك وثبوت المقدورية في المقام لأنّه يمكن له الصلاة في الثوب الطاهر في الوقت.
(الصفحة 384)
غاية الأمر انّ العلم بها كان متوقّفاً على تكرار الصلاة والمفروض عدم سعة الوقت له فأصل الصلاة فيه مقدور.
مدفوعة بأنّ مجرّد المقدورة لا يصلح فارقاً بين المقامين فانّ اللازم في باب القضاء ملاحظة ما هو الواجب في الوقت مع فوته. ومن المعلوم انّ الواجب في الوقت في المقامين هي الصلاة عارياً ولم يتحقّق الفوت أصلاً. إلاّ أن يقال إنّ الواجب عليه في المقام أوّلاً هي الصلاة في الثوب الطاهر المتوقّفة على التكرار والاكتفاء بصلاة واحدة عارياً انّما نشأ من ضيق الوقت وعدم سعته للتكرار، فالواجب أوّلاً قد فات في وقته قطعاً واللازم الإتيان به بعد خروج الوقت.
وامّا في المقام السابق فالواجب من الابتداء هي الصلاة عارياً لفرض الانحصار وهي لم تفت في وقتها وعليه فاللازم التفصيل في ذلك المقام بين ما إذا كانت الصلاة في الثوب الطاهر مقدورة له في بعض الوقت وبين ما إذا لم تكن كذلك وهو مع انّه مخالف لإطلاق عنوان المقام لعدم استشمام رائحة من التفصيل فيه مخالف لالتزامهم ظاهراً، مع انّ الملاك في القضاء ليس ما هو الواجب أوّلاً بل الملاك ما هو الواجب في الوقت في ظرف الإتيان به وتحقّق الامتثال من المكلّف. وكيف كان فالحكم بوجوب القضاء هنا مشكل.
المقام الثالث: فيما إذا لم يسع الوقت للتكرار ولم يمكن الصلاة عارياً. ومن المعلوم انّ الحكم فيه هي الصلاة في أ حد الثوبين لأنّ المفروض عدم القدرة على التكرار مع رعاية الوقت وعدم إمكان الصلاة عارياً وقد احتاط فيه في المتن بوجوب القضاء في ثوب طاهر والكلام فيه هو الكلام في المقام السابق.
(الصفحة 385)
القول في كيفية التنجيس بها
مسألة 1 ـ لا ينجس الملاقى لها مع اليبوسة، ولا مع النداوة التي لم ينتقل منها اجزاء بالملاقاة، نعم ينجس الملاقي مع بلة في أحدهما على وجه تصل منه إلى الآخر، فلا يكفي مجرّد الميعان كالزيبق بل والذهب والفضّة الذائبين ما لم تكن رطوبة سارية من الخارج، فالذهب الذائب في البوتقة النجسة لا يتنجّس ما لم تكن رطوبة سارية فيها أو فيه، ولو كانت لا تنجّس إلاّ ظاهره كالجامد 1.
1 ـ أقول: الوجه في عدم تأثّر الملاقي مع اليبوسة والجفاف هو الارتكاز العرفي حيث إنّ المتفاهم عند العرف من دليل منجسية النجس وتأثيره في نجاسة الملاقي تحقّق ذلك عند سراية النجس إليه والسراية غير متحقّقة مع اليبوسة وفقدان الرطوبة.
وامّا الأخبار الواردة في نجاسة ملاقى النجس أو المتنجّس من غير تقييد بما إذا كانت هناك رطوبة فطائفة منها واردة في مثل ملاقي البول أو الماء المتنجّس ونحوهما ممّا فيه الميعان والرطوبة والأمر في هذه الطائفة واضح لأنّه لا حاجة إلى التقييد بعد عدم انفكاك المورد عن القيد أصلاً، وامّا الطائفة الاُخرى الواردة فيما لا رطوبة فيه بالذات ولا يكون فيها تقييد أصلاً فاللازم بمقتضى الارتكاز والفهم العرفي رفع اليد عن إطلاقها لأنّ ملاقاة اليابس مع مثله لا أثر لها عند العرف أصلاً.