(الصفحة 399)
الأنصاري (قدس سره) عن هذه الرواية بالموثقة في رسالة البراءة والاشتغال وهو يدلّ على اعتبارها عنده.
ومنها: ما عن الاستاذ الوحيد البهبهاني (قدس سره) من انّ روايات مسعدة متينة غير مضطربة توجد مضامينها في الروايات المعتبرة.
والعمدة في تصحيح رواية مسعدة هو وقوعه في سند بعض روايات «كامل الزيارات» الذي التزم مؤلِّفه ـ وهو محمد بن قولويه استاذ الشيخ المفيد (قدس سره) ـ في ديباجته بأنّه لا ينقل فيه إلاّ عن ثقات الأصحاب. ومن المعلوم انّه توثيق إجمالي لجميع رواة روايات الكتاب، ومن العجيب بعد ذلك انّ بعض الأعلام مع تصريحه بأنّ وقوع الراوي في سند بعض روايات الكتاب المذكور يكفي في وثاقته وجواز الاعتماد على خبره قد ضعف رواية مسعدة في المقام مع وقوعه في سند بعض تلك الروايات، فالمناقشة من حيث السند مدفوعة جدّاً.
ثانيهما: انّ البيّنة ـ في هذه الرواية ـ لم يرد منها معناها المصطلح عليه بل اُريد بهذا المعنى اللغوي وهو الدليل وما به البيان، ويدلّ عليه ـ مضافاً إلى انّه معناه لغةً ـ انّ المثبت في الموضوعات الخارجية غير منحصر بالعلم والبيّنة المصطلح عليها لأنّها كما تثبت بهما كذلك تثبت بالاستصحاب والإقرار. وقد استشكل بهذا الوجه أيضاً بعض الأعلام ـ على ما في تقريرات بحثه ـ .
والجواب عنه انّ المراد من البيّنة ـ في الرواية ـ لو كان هو مطلق الدليل والحجّة لم يكن وجه لذكر الاستبانة التي قد اُريد منها العلم قبل ذكر مطلق الدليل والحجّة لشمول المطلق له أيضاً فيكون من ذكر العام بعد الخاص ولا يعلم له وجه أصلاً.
نعم ذكر الخاص بعد العام ربّما يتداول إشعاراً بعناية خاصّة بالإضافة إلى الخاص، وامّا العكس كما في المقام فلا وجه له أصلاً إلاّ الترقي وإفادة عدم الانحصار
(الصفحة 400)
وهو خلاف ظاهر العبارة.
وإن كان المراد منها هو الدليل غير القطعي والحجّة غير القاطعة بشهادة وقوعها في مقابل الاستبانة فما المانع من أن تكون البيّنة المصطلحة من مصاديقها بل هي مصداق واضح لها.
فالأولى أن يقال: إنّ البيّنة في الرواية بمعنى شهادة العدلين كما كان كذلك في النبوي المتقدّم، وعلى ما ذكرنا يتحقّق الاختلاف بين الكتاب والسنّة من جهة استعمالها فيه في المعنى اللغوي مطلقاً واستعمالها فيها في المعنى الاصطلاحي كما في الروايتين.
وامّا ما استدلّ به لإثبات مرامه من عدم انحصار المثبت في الموضوعات الخارجية بالعلم والبيّنة المصطلح عليها وثبوتها بالاستصحاب والإقرار ونحوهما ففيه انّا لا نضائق من ذلك لكن رواية مسعدة لا تكون في مقام حصر الحجّة في البيّة والعلم ولا منافاة بينها وبين ما يدلّ على الثبوت بالاستصحاب والإقرار وعلى تقدير كونها ظاهرة في ذلك نرفع اليد عن هذا الظهور بمقتضى أدلّة المثبتات الاُخر.
نعم يبقى شيء وهو انّ الرواية واردة في مورد الحلّية والحرمة والكلام في باب الطهارة والنجاسة والجواب وضوح عدم الفرق بين الحكمين من هذه الجهة. فانقدح انّ رواية مسعدة تدلّ على حجّية شهادة العدلين في جميع الموضوعات الخارجية المترتّبة عليها بعض الآثار الشرعية، وتؤيّدها ما ورد في الجبن من انّه حلال حتّى يجيئك شاهدان يشهدان عندك انّ فيه الميتة. وهذه الرواية وإن كانت ضعيفة سنداً إلاّ انّ صلوحها للتأييد غير قابل للمناقشة.
رابعها: خبر العدل الواحد وقد استشكل في المتن في الاكتفاء به في مقام ثبوت النجاسة وكذا طهارة ما ثبتت نجاسته ونهى عن ترك الاحتياط في الصورتين ولكنّه
(الصفحة 401)
لا يخفى انّ لنا في الشريعة موضوعات تثبت بخبر العدل الواحد بلا إشكال كاخبار المؤذِّن بدخول الوقت بسبب أذانه إذا كان عادلاً بل وكذلك إذا كان موثّقاً، وكاخبار عدل واحد بعزل الموكّل للوكيل، وكما لو اخبر البائع بوزن المبيع مطلقاً ـ أي ولو لم يكن عادلاً ـ فهو حجّة معتبرة في هذه الموارد بلا إشكال كما انّه لا إشكال في عدم اعتباره في الدعاوى والترافع وفي مثل الزنا. انّما الإشكال في سائر الموارد كالقبلة والنجاسة ونحوهما وانّه هل يكون خبر العدل الواحد حجّة فيها كما تكون حجّة في باب الأحكام والروايات أم لا يكون كذلك؟ وقد ذهب المشهور إلى عدم حجّيته في الموضوعات والفرق بينها وبين الأحكام والروايات.
ولكنّه قد استدلّ على الحجّية في الموضوعات أيضاً بوجوه ثلاثة:
الأوّل: إلغاء الخصوصية من الموارد التي يكون فيها حجّة بلا كلام وإثبات حجّيته في جميع الموارد إلاّ ما خرج بالدليل.
وفيه أوّلاً: انّه لا يصحّ إلغاء الخصوصية من تلك الموارد فإنّ مورد إلغاء الخصوصية ما لا يكاد ينسبق إلى الذهن ولا يحتمل فيه اعتبار الخصوصية ومدخليتها مثل قوله: رجل شكّ بين الثلاث والأربع حيث لا يخطر بالبال مدخلية الرجولية في الحكم المترتّب على الشكّ بين الثلاث والأربع بل الموضوع فيه انّما هو نفس الشكّ بينهما، وفي المقام لا مجال لهذا الكلام فإنّ الدليل الدال على اعتبار خبر المؤذِّن وأذانه أو اعتبار أخبار العدل بعزل الوكيل لا يفهم منه عرفاً انّ الموضوع للاعتبار انّما هو نفس اخبار العدل ولا تكون خصوصية الاذان ومثله دخيلة في الحكم أصلاً.
وثانياً: إلغاء الخصوصية من الموارد التي يكون خبر الواحد فيها حجّة والحكم بثبوتها في جميع الموارد إلاّ ما خرج بالدليل ليس بأولى من إلغاء الخصوصية من
(الصفحة 402)
الموارد التي لا يكون خبر الواحد فيها حجّة والحكم بعدم ثبوتها في جميع الموارد إلاّ ما خرج بالدليل كما هو واضح.
الوجه الثاني: عموم مفهوم آية النبأ وشموله لخبر العادل في الموضوعات خصوصاً مع ملاحظة نزولها في مورد الأخبار بالموضوع وهو ارتداد بني المصطلق على ما هو المذكور في التفاسير.
وفيه: إنّ هذا الوجه إنّما يتمّ على تقدير تمامية الاستدلال بالآية المذكورة لحجّية خبر الواحد في باب الأحكام وقد حقّقنا في مبحث حجّية خبر الواحد من علم الاُصول عدم التمامية فراجع.
الوجه الثالث: وهو العمدة استمرار السيرة العقلائية وجريانها على الأخذ بأخبار الموثّقين والاعتماد عليها فيما يرجع إلى معاشهم ومعادهم وقد أمضاها الشارع بعدم الردع عنها مع كونها بمرئى منه ومسمع، ومن الظاهر عدم اختصاص هذه السيرة بباب دون باب وإن حال الموضوعات الخارجية والأحكام عندهم سواء فلا مناص من الإيكال عليها والحكم بحجّية خبر الواحد في الموضوعات أيضاً.
والجواب: إنّ رواية مسعدة بن صدقة ـ المتقدّمة ـ الدالّة على اعتبار البيّنة رادعة عن هذه السيرة قطعاً لا لأجل كونها في مقام حصر الحجّة في شهادة العين بعد الاستبانة والعلم حتّى ينتقض بالاستصحاب والإقرار وحكم الحاكم. وقد عرفت عدم كونها في هذا المقام أصلاً، بل لأجل انّه لو كان خبر العدل الواحد حجّة في الموضوعات يصير اعتبار البيّنة والحكم بحجّيتها لغواً فإنّ البيّنة على ما مرّ لا تكون في الرواية إلاّ بمعنى شهادة العدلين فإذا كان خبر العدل الواحد حجّة يصير ضمّ الآخر إليه لغواً كالحجر في جنب الإنسان ضرورة انّ الاختلاف بينهما إنّما هو في
(الصفحة 403)
الوحدة والتعدّد فإذا كانت الوحدة كافية فلا مجال لجعل المتعدّد موضوعاً وليس الفرق بينهما كالفرق بين البيّنة وبين الاستصحاب مثلاً فانّهما متخالفان وجعل أحدهما موضوعاً للحجّية لا ينفي كون الآخر أيضاً كذلك وهذا بخلاف المقام، كما انّه لو قيل بتعميم الحكم لخبر الواحد الثقة ولو لم يكن عادلاً تلزم اللغوية من جهتين فإنّ اعتبار العدالة ـ على ما هو معنى البيّنة في الرواية ـ لا يجتمع مع كفاية الوثاقة كما انّ اعتبار التعدّد لا يجتمع مع كفاية الوحدة فالإنصاف انّ رواية مسعدة الدالّة على اعتبار خبر العدلين في ثبوت الموضوعات تدلّ على عدم الاكتفاء بالواحد مقام المتعدّد وبالوثاقة مقام العدالة فهي صالحة للرادعية عن السيرة المذكورة فلم يثبت حجّية خبر العادل الواحد فضلاً عن الثقة، لأجله استشكل في الاكتفاء به في المتن كما عرفت.
بقي الكلام في هذه المسألة فيما أفاده في المتن من عدم ثبوت النجاسة وكذا الطهارة ما ثبتت نجاسته بالظنّ وإن كان قويّاً وكذا بالشكّ إلاّ في مورد الاستبراء.
أقول: امّا عدم الثبوت بالشكّ فواضح ضرورة انّه القدر المسلّم من مورد جريان أصالة الطهارة الجارية في المقام الأوّل واستصحاب النجاسة الجاري في المقام الثاني فلا مجال للاكتفاء به في ثبوت النجاسة أو الطهارة. نعم قد مرّ البحث في مورد الاستبراء فراجع.
وامّا عدم الثبوت بالظنّ فالظاهر انّه لابدّ من التفصيل بين الظنّ القوي البالغ مرتبة الاطمئنان الذي يعبّر عنه بالعلم العادي العقلائي ويكون احتمال خلافه موهوماً عند العقلاء في الغاية بحيث لا يكون مورداً لاعتنائهم بوجه ولذا يعبّر عنه بالاطمئنان الذي معناه خلوّ الذهن عن الاضطراب الناشئ من الترديد وحصول الطمأنينة والسكون له وبين غيره من الظنون بالقول بحجّية القسم الأوّل فانّه حجّة