(الصفحة 126)
قلت: الآية لا تكون دليلاً على جواز أكله بوجه: امّا من الجهة الاُولى ـ وهي استفادة المطلوب من الحصر في الآية ـ ففيها انّ الحصر فيها لا يكون حقيقياً لاستلزامه تخصيص الأكثر المستهجن لوضوح انّ المحرمات غير منحصرة في تلك الاُمور فلا محيص امّا من حملها على الحصر الإضافي بدعوى انّ المحرمات بالإضافة إلى ما جعلته العرب في ذلك العصر محرّماً على أنفسها منحصرة في تلك الاُمور، وامّا من حملها على زمان نزولها وانحصار المحرمات في ذلك الزمان فيها وبالجملة لا يستفاد منها حلية أكل الدم المتخلّف أصلاً.
وامّا من الجهة الثانية ففيها ما لا يخفى من عدم ثبوت مفهوم الوصف ولا غيره من القيود حتّى الشرط لابتنائه على إثبات كون القيد علّة منحصرة لثبوت سنخ الحكم بحيث ينتفي السنخ بانتفاء القيد وأصل العلّية فضلاً عن الانحصار ممنوع فما الدليل على كون المسفوحية علّة حتّى نبحث بعده عن انحصارها فيه فتدبّر فانقدح انّ الآية الشريفة ساكتة عن حكم الدم غير المسفوح مع عدم وضوح معنى المسفوح أيضاً كما عرفت، فاللازم الرجوع في حكم الدم المتخلّف من جهة الأكل إلى الدليل العام المقتضي لحرمة أكل الدم. نعم فيما إذا كان مستهلكاً في الامراق ونحوه لا يكون الموضوع باقياً حتّى يحكم عليه بالحرمة كما انّه فيما إذا كان معدوداً جزء من اللحم وتابعاً يكون مقتضى سيرة المتشرّعة عدم لزوم الاجتناب عنه في الأكل وعدم لزوم تخليص اللحم من الدم بالكلّية كما لا يخفى.
(الصفحة 127)
مسألة 8 ـ ما شكّ في انّه دم أو غيره طاهر مثل ما إذا خرج من الجرح شيء أصفر قد شكّ في انّه دم أو لا، أو شكّ من جهة الظلمة أو العمى أو غير ذلك في انّ ما خرج منه دم أو قيح، ولا يجب عليه الاستعلام، وكذا ما شكّ في انّه ممّا له نفس سائلة أو لا، امّا من جهة عدم العلم بحال الحيوان كالحية ـ مثلاً أو من جهة الشكّ في الدم وانّه من الشاة مثلاً أو من السمك فلو رأى في ثوبه دماً ولا يدري انّه منه أو من البق أو البرغوث يحكم بطهارته 1.
1 ـ قد تقدّم البحث في بعض فروع هذه المسألة وهي صورة الشكّ في كونه ممّا له نفس سائلة أو لا والحكم في الجميع هو الرجوع إلى قاعدة الطهارة لكون الشبهة في جميعها موضوعية والحكم فيها جريان القاعدة وقد مرّ انّه لا يجب الاستعلام وإن كان رفع الشبهة متوقّفاً على مجرّد النظر ونحوه.
(الصفحة 128)
مسألة 9 ـ الدم الخارج من بين الأسنان نجس وحرام ولا يجوز بلعه، ولو استهلك في الريق يطهر ويجوز بلعه، ولا يجب تطهير الفمّ بالمضمضة ونحوها 2.
2 ـ الوجه في نجاسة الدم الخارج من بين الأسنان وحرمته هو الوجه في نجاسة غيره من الدم الخارج من الإنسان وحرمته لعدم الفرق واحتمال كونه ما لم يخرج من الفم إلى الخارج يعدّ من قبيل الدم في الباطن ضعيف جدّاً فانّ كونه في الباطن ما دام لم يخرج من العروق ولم يظهر في الفم فلا مجال للإشكال في الحرمة والنجاسة. نعم لو استهلك في الريق يطهر ويجوز بلعه على ما في المتن ولكن في التعبير مسامحة فانّه بعد الاستهلاك ليس بشيء حتّى يحكم عليه بالطهارة وجواز البلع بل المقصود جواز بلع الريق الذي استهلك فيه الدم من جهة عدم اشتماله على الأجزاء الدموية على ما هو المفروض وعدم تنجّسه بملاقات الدم لعدم الدليل على تنجّس الأجزاء الداخلية بملاقاة شيء من النجاسات والفرق ـ على ما في العروة ـ بين الدم الخارج من الأسنان واستهلاكه في ماء الفم وبين الدم الداخل من الخارج كذلك بإيجاب الاحتياط في الثاني في غير محلّه وإلاّ لكان اللازم عدم جواز تزريق الدم من الخارج لإيجابه نجاسة الدم في العروق كلاًّ.
(الصفحة 129)
مسألة 10 ـ الدم المنجمد تحت الأظفار أو الجلد بسبب الرضّ نجس إذا ظهر بانخراق الجلد ونحوه إلاّ إذا علم استحالته فلو انخرق الجلد ووصل إليه الماء تنجّس، ويشكل معه الوضوء أو الغسل فيجب إخراجه إن لم يكن حرج، ومعه يجب أن يجعل عليه شيء كالجبيرة ويمسح عليه أو يتوضّأ ويغتسل بالغمس في ماء معتصم كالكرّ والجاري هذا إذا علم من أوّل الأمر انّه دم منجمد، وإن احتمل انّه لحم صار كالدم بسبب الرض فهو طاهر 3.
(3) الوجه في نجاسة الدم المنجمد كونه غير خارج عن عنوان الدم بسبب الانجماد والانجماد لا يكون من المطهرات. نعم مع العلم باستحالته إلى عنوان آخر لا يكون نجساً كما انّه إذا احمتل انّه لحم صار كالدم بسبب الرض يكون طاهراً لكون الشبهة موضوعية والمرجع فيها قاعدة الطهارة فالكلام في الدم المنجمد مع العلم بكونه دماً غير مستحيل أو مشكوك الاستحالة وفي هذا الفرض لا مناص من الحكم بالنجاسة إذا ظهر بانخراق الجلد ونحوه و ـ حينئذ ـ يشكل معه الوضوء أو الغسل أي يتعسّران معه لا الإشكال بالمعنى الاصطلاحي فانّه فيما إذا كانت المسألة ذات وجهين والمقصود هنا الإشكال بالمعنى اللغوي الراجع إلى العسر لأنّ الماء بعد الانخراق يلاقي مع الدم المنجمد ويصير نجساً ولا يكاد يصل الماء إلى البشرة لمانعية الدم المنجمد عن الوصول إليها وعليه فيجب إخراجه بجميع أجزائه إن لم يكن هناك حرج ومع ثبوت الحرج الرافع للتكليف يكون له طريقان:
أحدهما: أن يجعل عليه شيئاً كالجبيرة ويمسح عليه.
ثانيهما: أن يتوضّأ أو يغتسل بالغمس في ماء معتصم كالكرّ والجاري.
ولا يخفى انّ إجراء حكم الجبيرة هنا محلّ كلام لاحتمال أن تكون الجبيرة مختصّة بالجراحات المحجوبة كالدمل قبل انخراقه لا ما إذا كانت مكشوفة فإنّ فيها التيمّم
(الصفحة 130)
والأولى اختيار الطريق الثاني وهو الغمس في ماء معتصم وإن كان فيه إشكال أيضاً من جهة انّ الاعتصام مانع عن سراية النجاسة إلى الماء إلاّ انّ إخراج اليد ـ مثلاًـ من الماء المعتصم موجب لبقاء رطوبات نجسة على الدم وسرايتها إلى ما حوله إلاّ أن يقال بعدم كون هذه المرتبة من الرطوبة موجبة لسراية النجاسة.
وكيف كان فقد عرفت انّ ذلك انّما هو فيما إذا اُحرز كونه دماً وامّا مع احتمال كونه لحماً صار كالدم بسبب الرضّ ـ كما قد يتّفق أحياناً ـ وإن كان دعوى كونه كذلك غالباً ـ كما في العروة ـ ممنوعة جدّاً فالحكم فيه الطهارة وإن انخرق ولا يجب إخراجه لكفاية وصول الماء إيه لكنّه أفاد بعض الأعلام في شرح العروة الوثقى ـ المسمّى بمصباح الهدى ـ انّه لابدّ للمكلّف في هذه الصورة من الجمع بين الجبيرة وبين الوضوء أو الغسل من دون جبيرة للعلم الإجمالي بثبوت أحد التكليفين لأنّه امّا أن يجب عليه الوضوء أو الغسل من دونها ـ لو كان السواد المترائي عارضاً للّحم بسبب الرض ـ أو الجبيرة ـ لو كان دماً منجمداً ـ فلابدّ من الجمع بينهما.
والظاهر ثبوت الطريق إلى استكشاف الواقع لأنّه لو كان لحماً مرضوضاً لا يمكن إخراجه أصلاً بخلاف ما إذا كان دماً منجمداً إلاّ أن يقال بعدم وجوب الفحص أصلاً أو يقال بإمكان إخراج اللحم المرضوض نظراً إلى انّ فساده أوجب انفصاله.
وكيف كان فالظاهر انّ منشأ الترديد وثبوت العلم الإجمالي هو الشكّ في طهارته ونجاسته فمع إجراء قاعدة الطهارة لا يبقى مجال للعلم الإجمالي أصلاً فتدبّر جيّداً.