(الصفحة 128)
مسألة 9 ـ الدم الخارج من بين الأسنان نجس وحرام ولا يجوز بلعه، ولو استهلك في الريق يطهر ويجوز بلعه، ولا يجب تطهير الفمّ بالمضمضة ونحوها 2.
2 ـ الوجه في نجاسة الدم الخارج من بين الأسنان وحرمته هو الوجه في نجاسة غيره من الدم الخارج من الإنسان وحرمته لعدم الفرق واحتمال كونه ما لم يخرج من الفم إلى الخارج يعدّ من قبيل الدم في الباطن ضعيف جدّاً فانّ كونه في الباطن ما دام لم يخرج من العروق ولم يظهر في الفم فلا مجال للإشكال في الحرمة والنجاسة. نعم لو استهلك في الريق يطهر ويجوز بلعه على ما في المتن ولكن في التعبير مسامحة فانّه بعد الاستهلاك ليس بشيء حتّى يحكم عليه بالطهارة وجواز البلع بل المقصود جواز بلع الريق الذي استهلك فيه الدم من جهة عدم اشتماله على الأجزاء الدموية على ما هو المفروض وعدم تنجّسه بملاقات الدم لعدم الدليل على تنجّس الأجزاء الداخلية بملاقاة شيء من النجاسات والفرق ـ على ما في العروة ـ بين الدم الخارج من الأسنان واستهلاكه في ماء الفم وبين الدم الداخل من الخارج كذلك بإيجاب الاحتياط في الثاني في غير محلّه وإلاّ لكان اللازم عدم جواز تزريق الدم من الخارج لإيجابه نجاسة الدم في العروق كلاًّ.
(الصفحة 129)
مسألة 10 ـ الدم المنجمد تحت الأظفار أو الجلد بسبب الرضّ نجس إذا ظهر بانخراق الجلد ونحوه إلاّ إذا علم استحالته فلو انخرق الجلد ووصل إليه الماء تنجّس، ويشكل معه الوضوء أو الغسل فيجب إخراجه إن لم يكن حرج، ومعه يجب أن يجعل عليه شيء كالجبيرة ويمسح عليه أو يتوضّأ ويغتسل بالغمس في ماء معتصم كالكرّ والجاري هذا إذا علم من أوّل الأمر انّه دم منجمد، وإن احتمل انّه لحم صار كالدم بسبب الرض فهو طاهر 3.
(3) الوجه في نجاسة الدم المنجمد كونه غير خارج عن عنوان الدم بسبب الانجماد والانجماد لا يكون من المطهرات. نعم مع العلم باستحالته إلى عنوان آخر لا يكون نجساً كما انّه إذا احمتل انّه لحم صار كالدم بسبب الرض يكون طاهراً لكون الشبهة موضوعية والمرجع فيها قاعدة الطهارة فالكلام في الدم المنجمد مع العلم بكونه دماً غير مستحيل أو مشكوك الاستحالة وفي هذا الفرض لا مناص من الحكم بالنجاسة إذا ظهر بانخراق الجلد ونحوه و ـ حينئذ ـ يشكل معه الوضوء أو الغسل أي يتعسّران معه لا الإشكال بالمعنى الاصطلاحي فانّه فيما إذا كانت المسألة ذات وجهين والمقصود هنا الإشكال بالمعنى اللغوي الراجع إلى العسر لأنّ الماء بعد الانخراق يلاقي مع الدم المنجمد ويصير نجساً ولا يكاد يصل الماء إلى البشرة لمانعية الدم المنجمد عن الوصول إليها وعليه فيجب إخراجه بجميع أجزائه إن لم يكن هناك حرج ومع ثبوت الحرج الرافع للتكليف يكون له طريقان:
أحدهما: أن يجعل عليه شيئاً كالجبيرة ويمسح عليه.
ثانيهما: أن يتوضّأ أو يغتسل بالغمس في ماء معتصم كالكرّ والجاري.
ولا يخفى انّ إجراء حكم الجبيرة هنا محلّ كلام لاحتمال أن تكون الجبيرة مختصّة بالجراحات المحجوبة كالدمل قبل انخراقه لا ما إذا كانت مكشوفة فإنّ فيها التيمّم
(الصفحة 130)
والأولى اختيار الطريق الثاني وهو الغمس في ماء معتصم وإن كان فيه إشكال أيضاً من جهة انّ الاعتصام مانع عن سراية النجاسة إلى الماء إلاّ انّ إخراج اليد ـ مثلاًـ من الماء المعتصم موجب لبقاء رطوبات نجسة على الدم وسرايتها إلى ما حوله إلاّ أن يقال بعدم كون هذه المرتبة من الرطوبة موجبة لسراية النجاسة.
وكيف كان فقد عرفت انّ ذلك انّما هو فيما إذا اُحرز كونه دماً وامّا مع احتمال كونه لحماً صار كالدم بسبب الرضّ ـ كما قد يتّفق أحياناً ـ وإن كان دعوى كونه كذلك غالباً ـ كما في العروة ـ ممنوعة جدّاً فالحكم فيه الطهارة وإن انخرق ولا يجب إخراجه لكفاية وصول الماء إيه لكنّه أفاد بعض الأعلام في شرح العروة الوثقى ـ المسمّى بمصباح الهدى ـ انّه لابدّ للمكلّف في هذه الصورة من الجمع بين الجبيرة وبين الوضوء أو الغسل من دون جبيرة للعلم الإجمالي بثبوت أحد التكليفين لأنّه امّا أن يجب عليه الوضوء أو الغسل من دونها ـ لو كان السواد المترائي عارضاً للّحم بسبب الرض ـ أو الجبيرة ـ لو كان دماً منجمداً ـ فلابدّ من الجمع بينهما.
والظاهر ثبوت الطريق إلى استكشاف الواقع لأنّه لو كان لحماً مرضوضاً لا يمكن إخراجه أصلاً بخلاف ما إذا كان دماً منجمداً إلاّ أن يقال بعدم وجوب الفحص أصلاً أو يقال بإمكان إخراج اللحم المرضوض نظراً إلى انّ فساده أوجب انفصاله.
وكيف كان فالظاهر انّ منشأ الترديد وثبوت العلم الإجمالي هو الشكّ في طهارته ونجاسته فمع إجراء قاعدة الطهارة لا يبقى مجال للعلم الإجمالي أصلاً فتدبّر جيّداً.
(الصفحة 131)
السادس والسابع: الكلب والخنزير البريان عيناً ولعاباً وجميع أجزائهما وإن كانت ممّا لا تحلّه الحياة كالشعر والعظم ونحوهما، وامّا كلب الماء وخنزيره فطاهران 1.
1 ـ الكلام في هذه المسألة يقع في مقامات:
المقام الأوّل: في نجاسة الكلب والخنزير في الجملة، ولم يخالف فيها أحد من أصحابنا الإمامية(رض) . نعم ذهب إلى طهارتهما مالك والزهري وداود ونسب إلى أبي حنيفة القول بنجاسة الكلب حكماً لا عيناً، واستدلّ على طهارته بقوله تعالى: (فكلوا ممّا أمسكن عليكم)(1) وفيه انّه لا تكون في مقام بيان طهارة الكلب بل في مقام بيان حلّية الحيوان الذي أمسكه الكلب وتذكيته ولذا لا يجوز التمسّك بها لجواز أكله من غير تطهير دمه الخارج عن موضع عض الكلب.
وكيف كان فتدلّ على نجاسة الكلب في الجملة ـ مضافاً إلى الإجماع ـ روايات مستفيضة بل متواترة الدالّة عليها بالسنّة مختلفة كقوله (عليه السلام): «انّ الكلب رجس نجس» أو: «انّ الله تعالى لم يخلق خلقاً أنجس من الكلب» أو: «لا والله انّه نجس لا والله انّه نجس» أو: «إن أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله» أو غير ذلك من التعبيرات التي لم يقع مثلها في غير الكلب من سائر النجاسات.
وفي مقابلها ما يدلّ بظاهره على طهارته كصحيحة ابن مسكان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن الوضوء ممّا ولغ الكلب فيه أو السنور أو شرب منه جمل أو دابة أو غير ذلك أيتوضّأ منه أو يغتسل؟ قال: نعم إلاّ أن تجد غيره فتنزّه عنه. فانّها بإطلاقها يشمل الماء القليل والكثير فتدلّ على عدم نجاسة الكلب.
وقد حملها الشيخ الطوسي (قدس سره) على ما إذا كان الماء بالغاً قدر كر واستشهد له
(الصفحة 132)
برواية أبي بصير عن الصادق (عليه السلام) في حديث: ولا تشرب من سؤر الكلب إلاّ أن يكون حوضاً كبيراً يستقى منه فانّها مقيّدة لصحيحة ابن مسكان.
ونفى المحقّق الهمداني (قدس سره) البعد عن حملها على الماء الكثير لقوّة احتمال ورودها في مياه الغدران التي تزيد عن الكر غالباً.
وقال بعض الأعلام: «انّه لا مناص من تقييد إطلاق صحيحة ابن مسكان بما دلّ على انفعال الماء القليل بملاقاة الكلب التي منها رواية أبي بصير المتقدّمة وذلك لأنّ النسبة بينهما هي العموم المطلق فانّ الصحيحة دلّت على طهارة الماء الذي باشره الكلب مطلقاً ـ قليلاً كان أو كثيراً ـ والأخبار المتقدّمة قد دلّت على انفعال الماء القليل بملاقاة الكلب وعليه فمقتضى قانون الإطلاق والتقييد حمل الصحيحة على ما إذا كان الماء بالغاً قدر كرّ ثمّ قال: إنّه لو سلّمنا انّ الصحيحة واردة في خصوص القليل فغاية ما يستفاد منها عدم انفعال الماء القليل بالملاقاة وهي إذاً من الأدلّة الدالّة على اعتصام الماء القليل».
والتحقيق انّ السائل لم يكن نظره إلى السؤال عن الطهارة والنجاسة أصلاً بل سئل عن انّ مماسة الحيوان مطلقاً ومباشرته مع الماء هل يوجب عدم جواز التوضّي من ذ لك الماء أم لا فأجاب الإمام (عليه السلام) بما أجاب، ويشهد له ـ مضافاً إلى انّه من البعيد أن تكون طهارة مثل الجمل مع شدّة الابتلاء به وكثرته مشكوكة للسائل في زمن الصادق (عليه السلام) ما ورد في ذيل الرواية من قوله (عليه السلام) : «إلاّ أن تجد غيره فتنزّه عنه» إذ النجاسة لا فرق فيها بين صورة وجدان الغير وعدمها فالسؤال لا محالة يكون عن حكم تكليفي وهو جواز التوضّي عن الماء الذي باشره الحيوان، وممّا يؤيّد ذلك أيضاً قول السائل: «أو غير ذلك» الظاهر في اتّحاد جميع الحيوانات عنده من هذه الجهة التي هي محطّ نظره، ومنشأ السؤال انّ الوضوء انّما هو أمر عبادي