(الصفحة 136)
أصلاً وإطلاق الجزء عليه انّما هو بنحو المسامحة فلا يشمله الدليل الدال على نجاسة الحيوان.
وفيه: انّ هذه مكابرة جدّاً ومخالفة لحكم العرف والعقلاء ولما هو مقتضى اللغة فانّ كونه جزء كسائر أجزاء الحيوان ممّا لا يكاد يخفى. نعم يمكن منع الجزئية في مثل اللعاب ولكنّه أيضاً مدفوع فإنّ جزئية الرطوبات غير المنفصلة لا ينبغي الارتياب فيها والانفصال لو كان مؤثراً في سلب وصف الجزئية لكنه ليس بمؤثر في رفع الحكم ولا يكون موجباً للاستحالة بمجرّده كما هو ظاهر.
الثاني: انّ ما لا تحلّه الحياة من أجزائهما يكون نظير شعر الميتة وعظمها وغيرهما ممّا لا تحلّه الحياة فكما انّها من الميتة لا تتّصف بالنجاسة كذلك هي من الحيوانين لا وجه للحكم بنجاستها.
وفيه: انّ هذا قياس محض والعمل به منهي عنه على المذهب، مع انّه قياس مع الفارق لأنّ نجاسة الكلب والخنزير ذاتية غير مستندة إلى موتهما، وامّا الميتة فنجاستها عرضية مستندة إلى الموت وهو انّما يعرض لخصوص الأجزاء التي تحلّها الحياة دون ما لا تحلّه فالقياس مع الفارق.
الثالث: الروايات الواردة الدالّة بظاهرها عليه:
منها: صحيحة زرارة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن الحبل يكون من شعر الخنزير يستقى به الماء من البئر هل يتوضّأ من ذلك الماء؟ قال: لا بأس.
ومنها: رواية اُخرى لزرارة قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن جلد الخنزير يجعل دلواً يستقى به الماء؟ قال: لا بأس.
ومنها: رواية حسين بن زرارة عن أبي عبدالله ـ في حديث قال: قلت له: شعر الخنزير يعمل حبلاً ويستقى به من البئر التي يشرب منها أو يتوضّأ منها قال: لا
(الصفحة 137)
بأس به.
والجواب عن الاُولى والثالثة انّهما لا دلالة لهما على طهارة شعر الخنزير بل نفس السؤال تدلّ على مفروغية نجاسته ومورد نظر السائل هو انّ ملاقاة الشعر مع البئر هل تؤثر في نجاسته بحيث يرتفع بسببه جواز الشرب والتوضي منها أم لا وعليه فالحكم بنفي البأس نظراً إلى اعتصام مع ماء البئر لا دلالة فيه على طهارة الشعر أصلاً كما هو واضح لا يخفى وعن الرواية الثانية انّ ظاهرها السؤال عن حكم الانتفاع بجلد الخنزير بأن يجعل دلواً يستقى به الماء بعد كون نجاسته مفروغاً عنها عند زرارة ونفي البأس في الجواب ظاهر في جواز الانتفاع به وعدم كونه محرماً شرعاً فأين الدلالة على طهارة الجلد ولا إشعار في الرواية بكون الاستقاء به من الماء انّما هو للشرب أو التوضي من ماء الدلو فتدبّر جيّداً.
فانقدح من ذلك عدم تمامية شيء من الوجوه التي يمكن أن تكون مستندة للقائل بالطهارة بل الكلب والخنزير نجسان بجميع أجزائهما بمقتضى دليل النجاسة هذا مع ورود روايات خاصّة دالّة على نجاسة شعر الخنزير:
منها: مصحّحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: إنّ رجلاً من مواليك يعمل الحائل من شعر الخنزير قال: إذا فرغ فليغسل يده.
ومنها: رواية بريد الاسكاف قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن شعر الخنزير يعمل به إلى أن قال: فاعمل به واغسل يدك إذا مسسته عند كل صلاة، قلت: ووضوء؟ قال: لا اغسل يدك كما تمسّ الكلب.
فرع: قال السيّد (قدس سره) في العروة: «ولو اجتمع أحدهما ـ أي الكلب والخنزير ـ مع الآخر فتولّد منهما ولد فإن صدق عليه اسم أحدهما تبعه وإن صدق عليه اسم أحد الحيوانات الاُخر، أو كان ممّا ليس له مثل في الخارج كان ظاهراً، وإن كان الأحوط
(الصفحة 138)
الاجتناب عن المتولّد منهما إذا لم يصدق عليه اسم أحد الحيوانات الطاهرة».
أقول: المتولّد منهما إن كان مصداقاً لاسم أحدهما لا إشكال في نجاسته لشمول دليل نجاسة ذلك العنوان له.
وإن لم يكن مصداقاً لشيء من الاسمين فتارة يقال بنجاسته مطلقاً لما أفاده الشيخ الأنصاري (قدس سره) من انّ نجاسة المتولّد من الكلب والخنزير ارتكازية عند المتشرّعة، ومن انّ الولد تابع لأبويه في النجاسة والطهارة كولد المسلم وولد الكافر، ومن انّ الولد حقيقة من جنس الوالدين وإن كان غيرهما ظاهراً. واُخرى يفصل فيه بما أفاده بعض الأعلام في شرح العروة ـ على ما في تقريراته ـ من انّ المتولّد من الكلب والخنزير إذا كان ملفقاً منهما بأن كان رأسه رأس أحدهما وبدنه بدن الآخر، أو كان رجله رجل أحدهما ويده يد الآخر فلا مناص من الحكم بنجاسته بلا فرق في ذلك بين صدق عنوان أحدهما عليه وعدمه وذلك لأنّ المتركّب من عدّة اُمور محرمة أو نجسة محرم أو نجس بمقتضى الفهم العرفي وإن لم يصدق عليه شيء من عناوين تلك الأجزاء إلى أن قال: وامّا إذا لم يكن المتولّد منهما ملفقاً من الكلب والخنزير ولم يتبع أحدهما في الاسم فلابدّ من الحكم بطهارته».
والجواب:
امّا عن الوجوه المذكورة في كلام الشيخ (قدس سره) فهو انّه لم يثبت هذا الارتكاز عند المتشرّعة فانّهم إذا رأوا حيواناً لا يسئلون عن نسبه بل يحكمون عليه بحكم أمثاله ونظائره من الحيوانات، ولا دليل على التبعية هنا وثبوتها في الكافر والمسلم لا توجب الحكم بها في غيرهما، ومنع كون حقيقة الولد من جنس الوالدين أو لا ومنع كون الأحكام تابعة للحقائق والماهيات ثانياً فانّها تابعة للعناوين والأسامي التي تكون موضوعة لها في لسان الدليل فمع عدم صدق شيء من العنوانين ـ كما هو
(الصفحة 139)
المفروض ـ لا مجال لإسراء حكمهما إليه.
وامّا عن الذي أفاده البعض المتقدّم فهو انّه إن كان المراد من التلفيق من العنوانين، تلفيق عنوان الكلب وعنوان الخنزير عليه معاً بحيث يكون عند العرف مصداقاً لكلا العنوانين ومجمعاً لاسم الأبوين فالحكم كما أفاده من النجاسة إلاّ انّه على هذا التقدير يكون التنظير بالمتركّب من اُمور محرمة أو نجسة غير صحيح لأنّ المتركّب من اُمور نجسة أو محرّمة محرم مطلقاً ونجس كذلك سواء انطبق عليه العنوان الملفق أم لا كما هو المستفاد من كلامه واستدلاله، وإن كان مراده من التلفيق هو التلفيق في الحقيقة والماهية فلا دليل على نجاسة الملفق إذا لم ينطبق عليه عنوان أحدهما لما عرفت من انّ الأحكام تابعة للعناوين والأسامي.
وامّا المعجون المتركّب من عدّة اُمور نجسة فهو بالنظر إلى العالم بالأجزاء والتركّب منها نجس ولكنّه بالإضافة إلى غير العالم بها لا وجه للحكم بنجاسته إذا لم ينطبق عليه شيء من العناوين النجسة بل يمكن الحكم بالطهارة عليه بالإضافة إلى العالم في هذه الصورة سيّما إذا انطبق عليه عنوان طاهر غير الاجزاء للاستحالة وعدم شمول أدلّة النجاسة له.
والحقّ انّ المتولّد منهما أو من أحدهما وآخر إذا لم ينطبق عليه عنوان نجس لا محيص عن الحكم بطهارته ولا سبيل إلى الالتزام بالنجاسة لا من الطريق الذي سلكه الشيخ الأعظم (قدس سره) لما عرفت من عدم تماميته، ولا من طرق الاستصحاب الذي سلكه بعض آخر سواء كان المراد منه استصحاب نجاسته حال كونه منياً أو علقة ضرورة بطلانه على هذا التقدير لكون الموضوع متبدّلاً والعنوان متغيّراً وصيرورة المني والعلقة ولداً، أو كان المراد منه استصحاب نجاسته حال كونه جنيناً فيما إذا كانت اُمّه نجسة سواء كان أبوه طاهراً أم لم يكن كذلك بتقريب انّ الجنين
(الصفحة 140)
جزء من الاُمّ وحيث تكون الاُمّ نجسة بجميع أجزائها ـ كما هو المفروض ـ فالجنين الواقع في رحمها أيضاً محكوم بالنجاسة وتستصحب النجاسة بعد تولّده وانفصاله من الاُمّ، فإنّ هذه الدعوى أيضاً فاسدة لأنّ الجنين لا يكون جزء لاُمّه ولا يكون معدوداً عند العرف من أجزائها، وانّما يكون الرحم وعاء لتكوّن الجنين فيه ونموّه، ونجاسة الجنين إذا سقط انّما هي لأجل كونه ميتة ومشمولاً لأدلّة نجاستها لا لأجل الجزئية وإلاّ لاختصّت بما إذا كانت الاُمّ نجسة مع انّه من الواضع عدم الاختصاص به.
وربما يقال بجريان استصحاب الكلّي الجامع بين الذاتي والعرضي في جميع موارد الشكّ في النجاسة العينية بتقريب انّ الولد عند ملاقاته لرطوبات الاُمّ نعلم بنجاسته امّا عرضاً أو ذاتاً، ومع الغسل عن العرضية والتطهير منها نشكّ في بقاء الذاتية فيستصحب كلّي النجاسة على نحو القسم الثاني من أقسام استصحاب الكلّي.
وفيه أوّلاً: انّ هذا الاستصحاب ـ على تقدير جريانه ـ لا يثبت المدعى فانّ المدّعى هي النجاسة العينية وغاية ما يثبت بهذا الاستصحاب هو كلّي النجاسة الجامع بين الذاتية والعرضية.
وثانياً: انّه إن قلنا بعدم تنجّس الجنين في الباطن فلازمه عدم كون الحيوان مقطوع النجاسة في حال كونه جنيناً فهذا الحيوان قبل تولّده قد كان مشكوك النجاسة بالنجاسة العينية فقط والأصل الجاري فيه حينئذ هي قاعدة الطهارة الحاكمة بعدم نجاسته كذلك والنجاسة العرضية الحاصلة عند التولّد زائلة بالغسل والتطهير ـ على ما هو المفروض ـ وعليه فلا يبقى مجال لدعوى العلم الإجمالي بأنّه امّا نجس ذاتاً أو عرضاً لأنّ النجاسة العرضية زائلة والنجاسة العينية منفية بقاعدة