(الصفحة 147)
وهن الرواية كما هو غير خفي.
ورواية ابن بكير عن صالح بن سيابة عن الحسين بن أبي سارة قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : إنّا نخالط اليهود والنصارى والمجوس وندخل عليهم وهم يأكلون ويشربون فيمر ساقيهم ويصبّ على ثيابي الخمر؟ فقال: لا بأس به إلاّ أن تشتهي أن تغسله لأثره.
وفيه انّها ضعيفة للحسين والصالح مع انّ تقرير الإمام (عليه السلام) ذهاب الحسين في مجلس الشراب والمخالطة مع أهل الكتاب يوجب وهناً آخر في الرواية مضافاً إلى انّه لم يثبت إطلاق نفي البأس من جهة الصلاة وغيرها حتّى يكون نفيه من جهة الصلاة دليلاً على الطهارة وإن كانت دلالته على هذا التقدير أيضاً ممنوعة لما عرفت من كونه أعمّ من الطهارة.
وبالجملة: الإطلاق غير ثابت ومن المحتمل قوياً أن يكون محطّ نظر السائل السؤال عن نفس لبس الثوب الملوّث بالخمر وانّه هل يكون محرّماً تكليفاً أم لا، والشاهد عليه ـ مضافاً إلى انّ اهتمام الشارع بالخمر والمبارزة معها والاجتناب عنها بمرتبة أوجبت الشكّ والترديد في جواز لبس الثوب الذي أصابه الخمر ـ قوله (عليه السلام)في مرسلة الصدوق الآتية: «إنّ الله حرّم أكله وشربه ولم يحرم مسّه ولبسه».
وإن أبيت إلاّ عن ثبوت الإطلاق لهذه الرواية ودلالة نفي البأس من جهة الصلاة فيه على الطهارة وعدم نجاسة الخمر حتّى يتنجّس الثوب بسببها نقول الإطلاق قد قيّد بالروايات المتقدّمة الدالّة على نجاسة الخمر فلابدّ من حمله على نفي البأس من جهة اللبس وغيره فتدبّر جيّداً.
وموثقة ابن بكير قال: سألرجل أبا عبدالله (عليه السلام) وأنا عنده عن المسكر والنبيذ يصيب الثوب قال: لا بأس.
(الصفحة 148)
ويرد على الاستدلال بها ما أوردناه على الاستدلال بالرواية المتقدّمة.
ومرسلة الصدوق قال: سُئل أبو جعفر وأبو عبدالله (عليهما السلام) فقيل لهما: انّا نشتري ثياباً يصيبها الخمر وودك الخنزير عند حاكتها أنصلّي فيها قبل أن نغسلها؟ فقالا: نعم، لا بأس انّ الله انّما حرّم أكله وشربه ولم يحرّم لبسه ومسّه والصلاة فيه.
وهذه الرواية تامّة سنداً ـ لاسناد الصدوق إيّاها إلى الإمام (عليه السلام) دون الرواية والنقل ـ وظاهرة دلالة إلاّ من الجهة التي أشرنا إليها من كون تجويز الصلاة فيه أعمّ من الطهارة مع انّها متضمّنة لما لا يمكن الالتزام به بوجه وهو تجويز الصلاة في ودك الخنزير أي شحمه فإنّ فيه ثلاث جهات يكفي كل واحدة منها للمنع عن الصلاة فيه وهي كونه جزء من الميتة أوّلاً ونجساً ثانياً لأنّ البحث في نجاسة الخمر دون الخنزير الذي فرغنا عن ثبوت نجاسته، وجزء ممّا لا يؤكل لحمه ثالثاً فتصير الرواية موهونة بذلك جدّاً.
وحسنة علي الواسطي قال: دخلت الجويرية ـ وكانت تحت عيسى بن موسى ـ على أبي عبدالله (عليه السلام) وكانت صالحة ، فقالت: إنّي أتطيّب لزوجي فيجعل في المشطة التي أمتشط بها الخمر وأجعله في رأسي؟ قال: لا بأس.
وفي الاستدلال بها نظر لاحتمال أن تكون شبهة السائلة في حلّية الانتفاع بالخمر وجواز جعلها في المشطة التي تمتشط بها فلا دلالة فيها على جواز الصلاة المستلزم للطهارة على ما هو المتفاهم عند العرف وإن كان فيه نظر أيضاً كما مرّ، وبهذا يتحقّق الجمع بين هذه الرواية وبين صحيحة علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) قال: سألته عن النضوح يجعل فيه النبيذ أيصلح للمرأة أن تصلّي وهو على رأسها؟ قال: لا حتّى تغتسل منه. فإنّ مقتضى الجمع بين الروايتين أن يقال بكون الاُولى مسوقة لبيان الحكم التكليفي والثانية لبيان الحكم الوضعي أي النجاسة.
(الصفحة 149)
وصحيحة علي بن رئاب قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الخمر والنبيذ المسكر يصيب ثوبي فأغسله أو اُصلّي فيه؟ قال: صلِّ فيه، إلاّ أن تقذره فتغسل منه موضع الأثر إنّ الله تعالى انّما حرّم شربها.
والإنصاف انّها وإن كانت رواية واحدة إلاّ انّ تماميتها من حيث السند والدلالة غير قابلة للمناقشة خصوصاً بملاحظة التعليل الذي ينفي الاحتمال الذي ذكرنا من كون جواز الصلاة أعمّ من الطهارة فتدبّر ولو كانت الروايات من الطرفين منحصرة فيما ذكرنا لكان مقتضى الجمع بين هذه الرواية وبين الروايات الظاهرة في النجاسة حمل أخبار النجاسة على كون الغسل انّما هو لأجل زوال التنفّر بغسل موضع أثر الخمر ولا يكون واجباً بشهادة هذه الرواية الدالّة على انّ الغسل لأجل التقذّر ولا يكون واجباً شرطاً وحمل هذه الرواية على الطهارة بشهادة التعليل الواقع فيها وعليه يصير مقتضى الجمع بين الأخبار المتعارضة ظاهراً موافقاً للقول بالطهارة إلاّ انّه قود وردت روايتان قد فرض فيهما تعارض الطائفتين وحكم فيهما بترجيح أخبار النجاسة:
إحداهما: صحيحة علي بن مهزيار قال: قرأت في كتاب عبدالله بن محمد إلى أبي الحسن (عليه السلام): جعلت فداك : روى زرارة عن أبي جعفر وأبي عبدالله (عليهما السلام) في الخمر يصيب ثوب الرجل انّهما قالا: لا بأس بأن تصلّي فيه انّما حرّم شربها، وروى عن (غير) زرارة عن أبي عبدالله (عليه السلام) انّه قال: إذا أصاب ثوبك خمر أو نبيذ يعني المسكر فاغسله إن عرفت موضعه، وإن لم تعرف موضعه فاغسله كلّه، وإن صلّيت فيه فأعد صلاتك. فاعلمني ما آخذ به؟ فوقع (عليه السلام) بخطّه وقرأته: خذ بقول أبي عبدالله (عليه السلام).
فانّه من الواضح انّ المراد من قول أبي عبدالله (عليه السلام) الذي أمر أبو الحسن (عليه السلام)
(الصفحة 150)
بأخذه هو ما تفرّد به أبو عبدالله (عليه السلام) لا ما كان مشتركاً بينه وبين أبيه (عليه السلام) وعليه فيصير حاصل المراد الأخذ بخبر النجاسة الدال على وجوب الغسل وإعادة الصلاة، والعجب من المحقّق الأردبيلي (قدس سره) حيث قال ـ على ما حكي عنه ـ : «انّ المراد من قول أبي عبدالله (عليه السلام) هي الرواية الدالّة على الطهارة» مع انّه كما ترى واضح الفساد، وبالجملة المستفاد من هذه الرواية أمران: ثبوت التعارض بين الطائفتين أولاً وكون الترجيح مع أخبار النجاسة ثانياً فلا يبقى معها مجال للترديد والشكّ إلاّ انّ الذي يمكن أن يوهن الرواية اشتمال السند على سهل بن زياد ولكن يدفعه ـ مضافاً إلى ما اشتهر من انّ الأمر في السهل سهل ـ انّ الرواية منقولة عن علي بن مهزيار بغير طريق السهل أيضاً.
ثانيتهما: رواية خيران الخادم قال: كتبت إلى الرجل (عليه السلام) أسأله عن الثوب يصيبه الخمر ولحم الخنزير أيُصلّى فيه أم لا فإنّ أصحابنا قد اختلفوا فيه فقال بعضهم: صلِّ فيه فإنّ الله انّما حرّم شربها، وقال بعضهم: لا تصلِّ فيه؟ فكتب (عليه السلام): لا تصلِّ فيه فانّه رجس الحديث.
ولا يخفى انّ اختلاف الأصحاب قد نشأ من اختلاف الطائفتين من الأخبار فالمراد من قولهم هو القول المستند إلى الرواية وعليه فالجواب يرجع إلى ترجيح أخبار النجاسة لأنّ المراد من الرجس في الرواية هي النجاسة بقرينة التعليل في القول الأوّل فتأمّل. وهاتان الروايتان من جملة الأخبار العلاجية المختصّتان بتعارض الروايات الواردة في الخمر.
وعن الأردبيلي (قدس سره) انّ هذين الخبرين يعارضان مع أخبار الطهارة والترجيح مع تلك الأخبار لأنّ المكاتبة لا تقاوم المشافهة.
وفيه المنع عن وقوع التعارض بينهما وبين أخبار الطهارة لكونهما ناظرتين إليها
(الصفحة 151)
وبصدد علاج المعارضة بينها وبين أخبار النجاسة فهما حاكمتان على جميع الأخبار الواردة في المقام. نعم لو كان لنا خبر علاجي مفاده ترجيح أخبار الطهارة لحصل التعارض بينه وبين هاتين الروايتين كما هو واضح.
والحاصل انّه لا محيص عن حمل أخبار الطهارة على التقية وصدورها موافقة لعمل امراء العامة وسلاطينهم وحكّامهم، ولو لم يكن الخبران العلاجيان أيضاً لكان مقتضى الرجوع إلى المرجّحات بعد فرض ثبوت التعارض ـ على خلاف ما اخترناه من عدم التعارض ووجود الجمع العرفي بالنحو المتقدّم ـ الأخذ بأخبار النجاسة لأنّ أوّل المرجحات هي الشهرة الفتوائية الموافقة معها لما عرفت من ثبوت الشهرة عليها لو لم يكن في البين إجماع.
وبعض الأعلام حيث انّ مختاره انحصار المرجّحات في موافقة الكتاب ومخالفة العامّة قال: إنّ مقتضى القاعدة هو التساقط والرجوع إلى قاعدة الطهارة لعدم مرجّح لإحداهما على الاُخرى لمخالفة أخبار النجاسة لهم من حيث عملهم، ومخالفة أخبار الطهارة لهم أيضاً من حيث حكمهم ولا يوافق شيء منهما مع الكتاب الكريم إلاّ انّ هذا كلّه بمقتضى الصناعة العلمية مع قطع النظر عن صحيحة علي بن مهزيار.
واقتصاره على الصحيحة انّما هو لأجل المناقشة في سند رواية الخيران مع جهة وقوع سهل بن زياد فيه مع انّك عرفت وقوعه في سند رواية ابن مهزيار أيضاً إلاّ انّها قد رويت بطريق آخر خال عن الاشتمال على سهل فانقدح من جميع ما ذكرنا انّه لا محيص عن الحكم بالنجاسة للخبرين الواردين في العلاج.
المقام الثاني: في نجاسة غير الخمر من سائر المسكرات المايعة بالاصالة ولا إشكال في لحوقها بها من حيث الحرمة لأنّها معلّلة في بعض الروايات بالإسكار