(الصفحة 217)
وامتيازاتهم، نعم يظهر ذلك عن كتاب «الوافي» له فانّه بعد ذكر الأخبار الواردة في الباب قال ـ على ما حكى عنه ـ : «وقد مضى في باب طهارة الماء خبر في جواز الشرب من كوز شرب منه اليهودي، والتطهير من مسّهم ممّا لا ينبغي تركه» وفيه إشعار على رجحان التطهير منه لا اللزوم والوجوب.
وامّا الأخبار الواردة فما يمكن أن يستدلّ به على النجاسة منها تكون على طوائف:
الطائفة الاُولى: ما ورد في النهي عن مصافحتهم والأمر بغسل اليد إن صافحهم وهي كثيرة:
منها: صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) في رجل صافح رجلاً مجوسيّاً، فقال: يغسل يده ولا يتوضّأ. فإنّ الظاهر انّ الأمر بغسل اليد انّما هو لأجل سراية النجاسة الحاصلة بالمصافحة.
وفيه: انّه لا محيص من التصرّف في الرواية امّا بإضافة قيد الرطوبة في المصافحة أي صافح رجلاً مجوسياً مع الرطوبة ـ أي رطوبة يده أو يد المجوسي ـ ضرورة انّ المصافحة مع المجوسي مع عدم رطوبة اليد لا توجب النجاسة وإن كان المجوسي نجساً، وامّا بحمل الأمر بغسل اليد على الاستحباب، أي استحباب غسل اليد بعد المصافحة معه مطلقاً ـ سواء كانت المصافحة مع الرطوبة أو بدونها ـ فلابدّ من التصرّف بأحد الوجهين ولا ترجيح لأحدهما على الآخر لو لم نقل بكون الترجيح مع التصرّف في الأمر بالغسل لكون استعمال الأمر وما بمعناه في الندب شائعاً في لسان الأئمّة (عليهم السلام) مع انّ تقييد الأمر بالغسل وتخصيصه بالمصافحة المشتملة على الرطوبة تقييد بالفرد النادر لندرة المصافحة مع رطوبة اليد وقلّتها بالإضافة إلى غيرها.
(الصفحة 218)
وبالجملة الظاهر دلالة الرواية على استحباب غسل اليد بعد المصافحة مع المجوسي مطلقاً لإظهار التنفّر والانزجار عنهم ولأنّ الشارع لا يرضى بالمحبّة والمودّة معهم التي يشعر بها المصافحة بين المسلم وغيره، مع انّ مقتضى خواص المصافحة وآثارها التي منها شمول رحمة الله للمتصافحين ووقوع يد الله تبارك وتعالى في يديهما أو مع أيديهما، اختصاصها بالمؤمنين وكونها من خواص الاخوّة في الدين فلا يشمل مصافحة المؤمن والكافرين كما يظهر ذلك لمن تتبّع الروايات الواردة في المصافحة وتأمّل فيها، فإذا اتّفقت المصافحة مع غير الأخ في الدين فليغسل يده استحباباً تنفّراً منهم وانزجاراً عمّا يعتقدونه.
ومنها: صحيحة علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن موسى (عليه السلام) قال: سألته عن مؤاكلة المجوسي في قصعة واحدة، وارقد معه على فراش واحد، واُصافحه؟ قال: لا.
وهذه الرواية أيضاً كسابقتها لا تدلّ على نجاستهم لأنّ الرقود معهم على فراش واحد والمصافحة معهم لا يوجب نجاسة المسلم وإن كان المجوسي نجساً لأنّه يعتبر في التأثّر السراية التي لا تتحقّق بدون الرطوبة ولم يفرض وجودها في الرواية، والنهي عن المؤاكلة معهم في قصعة واحدة أيضاً لا دلالة له على النجاسة لأنّه يمكن أن يكون الطعام يابساً فالنهي عن المؤاكلة معهم والرقود في فراش واحد والمصافحة معهم انّما هو لأجل ترك المحابّة والموادّة معهم لا لأجل النجاسة كيف والنجاسة لا تقتضي النهي بوجه لأنّ غايتها السراية وهي ترتفع بالغسل فلا موجب للتحريم بل ولا الكراهة فتدبّر جيّداً.
ومنها: صحيحته الاُخرى عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال: سألته عن فراش اليهودي والنصراني ينام عليه؟ قال: لا بأس، ولا يصلّى في ثيابهما، وقال: لا يأكل المسلم مع المجوسي في قصعة واحدة ولا يقعده على فراشه ولا مسجده، ولا
(الصفحة 219)
يصافحه، قال: وسألته عن رجل اشترى ثوباً من السوق للبس لا يدري لمن كان هل تصلح الصلاة فيه؟ قال: إن اشتراه من مسلم فليصلِّ فيه، وإن اشتراه من نصراني فلا يصلّي فيه حتّى يغسله.
وهذه الرواية أيضاً لا تكون في مقام بيان نجاسة اليهود والنصارى والمجوس بل تكون مسوقة لبيان ترك الموادّة معهم، والشاهد له ـ مضافاً إلى ما عرفت في بيان مفاد الروايتين السابقتين ـ نفي البأس في هذه الرواية عن النوم على فراش اليهودي والنصراني، والنهي عن إقعاد المجوسي على فراشه أو مسجده فانّه لو كان النهي عن إقعاده عليه لنجاسته فما وجه عدم النهي عن النوم على فراش اليهودي والنصراني ولا مجال لتوهّم الفرق بينهما وبين المجوسي من جهة الطهارة والنجاسة كما انّ النهي عن الصلاة في ثيابنهما أو في ثوب اشتراه من نصراني حتّى يغسله انّما هو لأجل تنجّسه بالنجاسات الاُخر غالباً لا لأجل نجاستهما العينية مع قطع النظر عن النجاسات العرضية، وما ذكرنا من كون الرواية مسوقة لبيان ترك الموادّة معهم لا ينافي نفي البأس عن النوم على فراش اليهودي والنصراني فانّه ليس مجرّد النوم على فراشهما دليلاً على الموادّة والمحابّة لإمكان أن لا يكون مجانياً بل بطريق الإجارة أو شبهها كما انّه يمكن أن يكون بعد الاشتراء منهما كما يدلّ عليه ذيل الرواية. وبالجملة لا دلالة للرواية على ما هو محل البحث في هذا المقام من نجاسة المجوسي واليهودي والنصراني.
ومنها: رواية خالد القلانسي قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) ألقى الذمّي فيصافحني قال: امسحها بالتراب وبالحائط، قلت: فالناصب؟ قال: اغسلها.
وفي الرواية احتمالات:
أحدها: التفصيل بين الذمّي والناصب في النجاسة وعدمها.
(الصفحة 220)
ثانيها: انّها لا ترتبط بباب النجاسة والطهارة أصلاً بل نظره (عليه السلام) إلى انّه حيث كانت المصافحة المفروضة مبتدئة من جانبهما فأجبهما وصافح معهما ولكنّك اغسل يدك بعد المصافحة مع الناصبي وامسحها بالتراب أو بالحائط بعد المصافحة مع الذمّي انزجاراً وتنفّراً والفرق اختلاف مرتبتي التنفّر والانزجار الظاهر بالغسل والمسح.
ثالثها: أن تكون الرواية في مقام بيان نجاسة الذمّي أيضاً، غاية الأمر انّه لابدّ من حملها على كون المصافحة مقرونة برطوبة إحدى اليدين، والفرق بين نجاسة الذمّي ونجاسة الناصب انّ الاُولى ترتفع بالمسح بالتراب أو الحائط والثانية لا تزول إلاّ بالغسل بالماء.
والاستدلال بالرواية انّما يبتني على هذا الاحتمال الأخير وحمل الرواية عليه مشكل في نفسه وعلى تقدير العدم فلا مرجح له على الاحتمالين الأوّلين فلا مجال للاستدلال بها على المقام.
ومنها: رواية أبي بصير عن أحدهما (عليهما السلام) في مصافحة المسلم، اليهودي والنصراني، قال: من وراء الثوب، فانّ صافحك بيده فاغسل يدك.
وهذه الرواية نظير الرواية الاُولى من هذه الطائفة في انّه يلزم التصرّف فيها امّا بتقييد المصافحة بكونها مقرونة بالرطوبة في إحدى اليدين، أو بحمل الأمر بالغسل الظاهر في الوجوب على الاستحباب فلا يكشف ـ حينئذ ـ عن النجاسة، ولا مرجح للأوّل لو لم نقل بثبوت الترجيح للثاني في هذه الرواية من جهة وجود القرينة عليه وهي انّه لو كانت المصافحة مقرونة بالرطوبة وكان اليهودي والنصراني نجسين لكان اللازم غسل الثوب أيضاً فيما كانت المصافحة من ورائه مع انّه لم يؤمر بغسله في الرواية فيصير ذلك قرينة على انّ الأمر بالغسل يكون المراد به
(الصفحة 221)
هو الاستحباب لأجل التنفّر والانزجار كما انّ المصافحة من وراء الثوب تشعر بذلك.
فانقدح ممّا ذكرنا انّ هذه الطائفة من الروايات الواردة في أهل الكتاب لم تنهض لإثبات نجاستهم أصلاً.
الطائفة الثانية: ما ورد في المؤاكلة معهم وهي كثيرة أيضاً:
منها: صحيحتا علي بن جعفر (عليه السلام) المتقدّمتان في الطائفة الاُولى.
ومنها: صحيحة هارون: قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : انّي اُخالط المجوسي فآكل من طعامهم؟ فقال: لا.
وهذه أيضاً لا دلالة لها على نجاسة المجوس ولا تكون في مقام بيانها أصلاً بل تكون مسوقة لبيان ترك الموادة والمخالطة معهم بحيث ينتهي إلى المواكلة من طعامهم، فإنّ الأكل من طعامهم لا يكون مستلزماً لنجاسة الإنسان دائماً ـ على تقدير نجاستهم ـ لأنّه لا يمكن الحكم بنجاسة طعامهم مطلقاً لاختلاف الأطعمة من حيث مسّ الإنسان لها وعدمه فالنهي عن الأكل من طعامهم مطلقاً ناظر إلى ما ذكرنا من مبغوضية الموادّة والمخالطة بالنحو المذكور فتدبّر.
ومنها: حسنة الكاهلي قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن قوم مسلمين يأكلون وحضرهم رجل مجوسي أيدعونه إلى طعامهم؟ فقال: امّا أنافلا أواكل المجوسي، وأكره أن أحرّم عليكم شيئاً تصنعون في بلادكم.
وهذه الرواية أيضاً كما ترى ظاهرة في كراهة دعوة المجوسي إلى الطعام كراهة لا يرتكبها الإمام (عليه السلام) لبشاعة شركة إمام المسلمين مع مجوسي مخالف لمرامه في الأكل والجلوس على مائدة واحدة سيّما إذا كانت مسبوقة بدعوته فالرواية لا ارتباط لها بباب النجاسة والطهارة أصلاً وليس في كلام السائل إشعار بكون النظر إلى ذلك