(الصفحة 248)
الله ورسوله فهو كافر. والظاهر منها انّه كافر إذا شكّ ولو لم يظهر. ومثلها صحيحة منصور بن حازم قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : من شكّ في رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟ قال: كافر. قال: قلت: فمن شكّ في كفر الشاكّ فهو كافر؟ فأمسك عنّي فرددت عليه ثلاث مرّات فاستبنت في وجهه الغضب. والظاهر منها أيضاً كفر الشاكّ ولو لم يظهر.
ومن الطائفة الثانية صحيحة زرارة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لو انّ العباد إذا جهلوا وقفوا ولم يجحدوا لم يكفروا. فإنّ مفهومها توقّف الكفر على الجحد فقط. ورواية عبد الرحيم القصير: ولا يخرجه إلى الكفر إلاّ الجحود والاستحلال.
ومن الطائفة الثالثة التي قد جمع فيها بين الشاكّ والمنكر صحيحة محمد ابن مسلم ـ المتقدّمة ـ التي تدلّ بصدرها على انّ من شكّ في الله أو في رسول الله فهو كافر، وبذيلها على انّ الكفر متوقّف على الجحود فظاهرها التنافي بين الصدر والذيل ولا مجال لتوهّم كون الذيل قرينة على تقييد الصدر بصورة الجحود بعد كون طرف الخطاب في الصدر هو أبا بصير وفي الذيل هو زرارة فلا وجه للتقييد.
ويمكن أن يكون قوله (عليه السلام) في الصحيحة: «انّما الكفر...» بالتشديد من باب التفعيل وعليه فيمكن الجمع بين الصدر والذيل وتقرير عدم التنافي بينهما بأنّ من شكّ في الله أو في رسول الله فهو كافر بينه وبين الله، وامّاالحكم بكفره في الخارج وترتيب آثاره عليه فهو يتوقّف على جحوده وإنكاره وبهذا يمكن الجمع بين الطائفتين الأوليين بحمل الطائفة الاُولى الدالّة على كفاية مجرّد الشكّ في الكفر على الكفر بينه وبين الله وحمل الطائفة الثانية الدالّة على توقّف الكفر على الجحود على الكفر في الخارج وعند الناس وهو الذي يكون موضوعاً للآثار المترتّبة عندهم.
نعم يبقى الكلام في انّ مقتضى هذه الروايات ـ بناءً على ما ذكرنا في الجمع بينها ـ
(الصفحة 249)
هو انّ الكفر أمر وجودي يتوقّف على الجحود والإنكار الذي هو عبارة ـ بحسب الظاهر ـ عن اللفظ الدال عليه أو الأعمّ منه ومن الفعل وعلى أي تقدير فهو أمر وجودي حادث بعد الجحود الذي هو أيضاً كذلك، وقد تقدّم منّا انّ تقابل الكفر والإسلام تقابل العدم والملكة فإذا كان الإسلام عبارة عن الإقرار باللسان ـ كما حقّقناه ـ فالكفر لا محالة يرجع إلى عدم الإقرار ولا يتوقّف على الجحود ـ فكيف يجمع بين هذه الروايات والروايات التي استندنا إليها في معنى الإسلام.
ولا محيص من أن يقال إمّا بكونهما ضدّين وأمرين وجوديين سواء قلنا بثبوت الثالث لهما أو لم نقل به بل كانا ضدّين لا ثالث لهما، أو يقال بأنّ الجحود في هذه الروايات هو مجرّد عدم الإقرار الذي هو أمر عدمي أو يقال بأنّ الروايات الدالّة على توقّف الكفر على الجحود انّما يكون موردها مسبوقيّة الإسلام بدليل قوله (عليه السلام)في رواية القصير: «لا يخرجه» الظاهر في إخراج المسلم من إسلامه إلى الكفر وكذا قوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة: «لو انّ العباد...» الظاهر في كون المراد هو المسلمين، كما انّ قوله (عليه السلام) في صحيحة ابن مسلم: «انّما يكفر» لا يخلو عن إشعار بذلك لو لم ندع الدلالة. وعليه فنقول: إنّ المسلم الذي أقرّ باللسان إذا اُريد الحكم بكفره لا يتحقّق له طريق غير الجحد والإنكار فانّه ما دام لم يجحد يكون محكوماً بالإسلام بمقتضى إقراره إذ لا يلزم تكرار الإقرار دائماً فالطريق المنحصر هو الجحد والإنكار لإثبات كونه من الكفّار، وامّا الكفر غير المسبوق بالإسلام فلا يتوقّف على الجحد بل يكفي فيه مجرّد عدم الإقرار باللسان فلا ينافي روايات الجحد ما ذكرنا من كون تقابل الأمرين تقابل العدم والملكة. نعم في الكفر المسبوق لا طريق له غير الجحد.
وقد انقدح ممّا ذكرنا انّ التفصيل المتقدّم من بعض الأعلام في معنى الإسلام لابدّ من الالتزام بمثله في الكفر بالكيفية التي ذكرناها فتدبّر جيّداً.
(الصفحة 250)
ثمّ إنّه قد ظهر ممّا ذكرنا انّ عدم الإقرار بالصانع أو بالوحدانية في الذات أو في الفعل أو في العبادة يوجب تحقّق مفهوم الكفر بلا إشكال، كما انّه ظهر من الروايات المتقدّمة إنّ إنكار الرسالة أيضاً موجب للكفر وانّ الإسلام يتقوّم بالإقرار بالشهادتين ويدلّ على الثاني أيضاً قوله تعالى: (وإن كنتم في ريب ممّا نزّلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله إلى قوله تعالى: فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتّقوا النار التي وقودها الناس والحجارة اُعدّت للكافرين)(1) فإنّ ظاهرها إنّ إنكار إعجاز القرآن الملازم لإنكار الرسالة بل مجرّد الريب وعدم الإقرار موجب لتحقّق عنوان الكفر كما لا يخفى.
والظاهر انّ إنكار الخاتمية لا يكون سبباً للكفر في مقابل إنكار الرسالة بل إيجابه للكفر انّما هو من جهة استلزامه لإنكار الرسالة فانّ الخاتمية من ضروريات دين الإسلام وملازمتها له من الواضحات والقرآن معجزة خالدة أبدية ونفسه تدلّ على اتصافه بهذه الصفة فإنكار الخاتمية ملازم لإنكار الرسالة ولا دليل على استقلاله في حصول الكفر.
وامّا إنكار المعاد فلم يقع التعرّض له في كلمات الأصحاب من جهة كونه سبباً مستقلاًّ لحصول الكفر أو كونه مستلزماً لإنكار الرسالة فلا يكون مستقلاًّ في السببية؟ قال بعض الأعلام: إنّا لا نرى لإهمال اعتباره وجهاً وقد قرن الايمان به بالايمان بالله سبحانه في غير واحد من الموارد كما في قوله عزّوجلّ: (إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر)(2) وقوله تعالى: (من كان منكم يؤمن بالله واليوم
- 1 ـ البقرة : 23 .
2 ـ النساء : 59 .
(الصفحة 251)
الآخر)(1) وقوله تعالى: (انّما يعمّر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر)(2).
وفيه: إنّ صرف المقارنة بين الايمان به والايمان بالله لا دلالة له على انّ إنكاره سبب لتحقّق الكفر مستقلاًّ فانّه ـ مضافاً إلى عدم كون المقارنة في جميع الموارد كقوله تعالى: (الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة وممّا رزقناهم ينفقون إلى قوله تعالى: وبالآخرة هم يوقنون)(3) فانّك ترى عدم المقارنة في الآية ـ تكون المقارنة في بعض الآيات لأجل كونها بصدد بيان حال المؤمنين وتعريف الايمان دون الإسلام والمسلمين، وفي مقام بيان بعض الآثار التي يكون الايمان باليوم الآخر دخيلاً فيها.
وبالجملة: إنّ تلك الآيات المشتملة على المقارنة مسوقة لبيان مثل أوصاف المتّقين والعامرين للمساجد والمستحقّين لأنعُم الله في الدار الآخرة لا لبيان أركان الإسلام ـ في مقابل الكفر ـ الذي يكون من آثاره الطهارة وحقن الدماء فكيف يمكن أن يرفع اليد بسببها عن الروايات الكثيرة الدالّة على انّ الإسلام هو الإقرار بالشهادتين أو الالتزام بتقييدها بها. نعم قد عرفت انّه لا محيص عن الالتزام بكون إنكار المعاد موجباً للكفر لأنّ الاعتقاد به من ضروريات الإسلام بحيث لا يكاد يخفى على من اعتقد بالنبي ومعجزته الباهرة فإنكاره يستلزم إنكار النبوّة ولأجله يوجب الكفر فلا يكون له موضوعية أصلاً.
بقي الكلام في هذا المقام في إنكار ضروري من ضروريات الدين وانّه هل يكون سبباً للكفر مستقلاًّ فيوجب تحقّق الكفر ولو لم يلتفت إلى كونه ضرورياً
- 1 ـ البقرة: 232 .
2 ـ التوبة: 18 .
3 ـ البقرة : 3 .
(الصفحة 252)
بحيث يرجع جحوده إلى إنكار الرسالة ـ مثلاً ـ أو انّه سبب غير مستقلّ ولا يكون له موضوعية في حصول الكفر أصلاً بل انّما يوجبه في خصوص ما إذا رجع إنكاره إلى مثل إنكار الرسالة ولازمه التوجّه والالتفات إلى كونه ضرورياً في الدين؟ وجهان بل قولان نسب في مفتاح الكرامة إلى ظاهر الأصحاب انّ إنكار الضروري سبب مستقلّ للكفر بنفسه.
وقد استدلّ عليه بوجهين:
الوجه الأوّل: ما أفاده الشيخ الأعظم الأنصاري (قدس سره) من انّ الإسلام ـ عرفاً وشرعاً ـ عبارة عن التديّن بهذا الدين الخاص الذي يراد منه مجموع حدود شرعية منجزة على العباد كما قال الله تعالى: (انّ الدين عند الله الإسلام) ثمّ قال: وامّا ما دل على كفاية الشهادتين في الإسلام فالظاهر انّ المراد منه حدوث الإسلام ممّن ينكرهما من غير منتحلي الإسلام فلا ينافي ما ذكرنا من انّ عدم التديّن ببعض الشريعة أو التديّن بخلافه موجب للخروج عن الإسلام. وكيف كان فلا إشكال في انّ عدم التديّن بالشريعة كلاًّ أو بعضاً مخرج عن الدين والإسلام.
ويرد عليه أوّلاً: انّ مقتضى هذا الاستدلال ثبوت الكفر على كل منكر لأيّ حكم من الأحكام الثابتة في الشريعة ـ قاصراً كان المنكر أو مقصّراً، منجزاً كان ذلك الحكم أو غير منجّز ـ لأنّه لو كان المناط إنكار حكم من أحكام الإسلام فلا فرق فيه بين المنجز وغيره لأنّ عدم التنجّز على المكلّف لا يوجب خروج غير المنجز عن كونه من أحكام الإسلام وقواعده فلا وجه للتقييد بالمنجز، مع انّه ينافي ما قاله في ذيل كلامه ـ تأييداً لعموم كلام الفقهاء في نجاسة الخوارج والنواصب وشموله للقاصر والمقصر ـ من انّه يؤيّدها ما ذكرنا من انّ التارك للتديّن ببعض الدين خارج عن الدين. وأنت خبير بأنّ التكليف بالإضافة إلى القاصر لا يكاد