(الصفحة 257)
استحلال الحرام موجب للكفر وكذا العكس، وظاهر بعضها انّ مجرّد ترك الواجبات أو بعضها موجب للكفر.
فقيل في مقام الجمع بين الروايات انّ المراد من الترك هو ترك الضروري مع ضميمة الإنكار، ومن الحلال والحرام الضروري منهما.
وفيه: إنّه ليس في الروايات من «الضروري» عين ولا أثر ولم يقم دليل على كون المراد ذلك.
فالحقّ أن يقال: امّا بأنّ المراد من الاستحلال هو أن يقول للحرام مع العلم بكونه حراماً: هذا حلال وبالعكس، أو بأنّه لابدّ من حمل الروايات على بيان مراتب الكفر والشرك والايمان والإسلام فإنّ للمذكورات مراتب كثيرة فانّه قد يطلق المشرك ـ مثلاً ـ على المرائي ، وقد اطلق أيضاً ـ في رواية اُخرى ـ على أن يقال للنواة: هذا حصاة ، وللحصاة: هذا نواة فانّه قد ورد انّ أدنى الشرك أن يقال كذلك، وهكذا الكفر فانّ منه ما يكون مقابلاً للإسلام وهو محطّ النظر في المقام ومورد البحث والكلام، ومنه ما يكون مقابلاً للايمان بمراتبه الكثيرة فإنّ مقابل كل مرتبة من مراتب الايمان مرتبة من مراتب الكفر لا محالة.
والحاصل انّ الروايات الواردة في انّ إنكار بعض ما أمر الله أو مجرّد تركه كفر لا تكون في مقام بيان الكفر المقابل للإسلام بل الكفر المقابل للايمان.
فتلخّص ممّا ذكرنا إنّ إنكار الضروري بنفسه لا يكون من أسباب الكفر لعدم الدليل عليه ولا إجماع في المسألة بل ولا شهرة بعد إمكان حمل كلمات الأصحاب على إرادة المعاني المختلفة منه.
المقام الرابع: في نجاسة الخوارج والنواصب والغلاة وقد حكم في المتن في الأوّلين بنجاستهما مطلقاً من غير توقّف على جحودهما الراجع إلى إنكار الرسالة
(الصفحة 258)
وفصل في الأخير بأنّه إن كان الغلو مستلزماً لإنكار الإلوهية أو الوحدانية أو الرسالة فهو يوجب الكفر والنجاسة وإلاّ فلا ونقول:
امّا الخارجي: فالظاهر انّ المراد منه من خرج على إمام زمانه ولابدّ من ملاحظة انّ مطلق الخروج على الإمام (عليه السلام) هل يوجب الكفر والنجاسة، أو انّه لابدّ من ملاحظة ما هو الباعث له على الخروج، والمحرّك له على الطغيان فلو كان باعثه على الخروج الوظيفة الدينية التي قد اعتقد بها كالذين كانوا معتقدين بكفر أمير المؤمنين (عليه السلام) نعوذ بالله من مثل هذا اليقين ـ فهو من النواصب وسيأتي الكلام فيهم، ولو لم يكن الباعث له على ذلك هي الوظيفة لدينية بل طلب الجاه والرئاسة المعارضة في الملك والسلطنة كطلحة والزبير وأمثالهما فلا دليل على كونه بمجرّده موجباً للكفر لعدم ثبوت إجماع أو غيره في ذلك، وعليه فمجرّد عنوان الخارجي لا يوجب ظاهراً الكفر والنجاسة.
وامّا الناصبي فقد ورد في الروايات نجاسته وصرّح بها في موثقة ابن أبي يعفور عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال: وإيّاك أن تغتسل من غسالة الحمّام ففيها تجتمع غسالة اليهودي والنصراني والمجوسي والناصب لنا أهل البيت وهو شرّهم فإنّ الله تبارك وتعالى لم يخلق خلقاً أنجس من الكلب وانّ الناصب لنا أهل البيت لأنجس منه. مضافاً إلى انعقاد الإجماع على نجاسته وعدم ثبوت الخلاف فيها والإشكال أصلاً.
انّما الإشكال في انّ المراد من الناصب ماذا؟ وانّه هل هو مطلق من أظهر العداوة والبغضاء لأهل البيت (عليهم السلام) من دون أن يكون هناك فرق من جهة منشأ الإظهار والداعي على الاعمال أو انّ المراد بالناصب أمر آخر؟
لا مجال للاحتمال الأوّل لأنّه بناءً عليه لابدّ من الحكم بأنّ جميع المحاربين مع أمير
(الصفحة 259)
المؤمنين ـ عليه أفضل صلوات المصلِّين ـ نصاب محكومون بالنجاسة ولا يمكن الالتزام بذلك لأنّه لم ينقل مجانبة أمير المؤمنين (عليه السلام) وأصحابه عن عائشة أو طلحة أو زبير أو سائر المبغضين له من أصحاب الجمل وصفّين وكثير من أهالي الحرمين الشريفين. ودعوى: انّ الحكم لم يكن معلوماً في ذلك الزمان وانّما صار معلوماً في عصر الصادقين (عليهما السلام) الذي هو عصر انتشار الأحكام والاطّلاع عليها.
مدفوعة: بأنّه لو ثبت انّ الناصب في الموثقة ونحوها هو كلّ من أظهر العداوة والبغضاء فلا محيص عن توجيه عدم نقل المجانبة عنهم بمثل ما ذكر ولكنّه مع عدم ثبوت ذلك فلا مجال لهذا التوجيه خصوصاً مع ملاحظة انّ اجتناب الأئمّة (عليهم السلام)وأصحابهم عن جميع المخالفين والمعاندين لهم كالعبّاسيين وغيرهم بعد عصر الصادقين (عليهما السلام) أيضاً غير معلوم.
فالحقّ انّ المراد من الناصب الذي حكم بنجاسته هو من جعل النصب والعداوة لأهل البيت (عليهم السلام) جزء من دينه وفريضة من فرائضه وبه يتقرّب إلى الله عزّوجلّ وهو الذي يكون أنجس من الكلب كما صرّح به في الموثقة.
وقد يناقش في دلالة الموثّقة على النجاسة الظاهرية من جهتين:
الاُولى: انّه من الممكن أن يكون المراد من النجاسة فيها هي الخباثة وما يعبّر عنه بالفارسية بـ «پليدى» كما مرّ سابقاً في معنى «الرجس».
الثانية: انّه لو قيل بنجاسة الطوائف الثلاث الذين عطف الناصب عليهم فالظاهر ـ حينئذ ـ الحكم بنجاسة الناصب للموثقة، وامّا مع القول بطهارة تلك الطوائف فلا يمكن الحكم بنجاسة الناصب استناداً إليها كما لا يخفى.
والجواب عن الاُولى انّه لا مجال لإنكار كون الظاهر من الموثقة هي النجاسة الظاهرية لأنّ الكلب قد امتاز من بين النجاسات بأنّه قد وقع التصريح بنجاسته،
(الصفحة 260)
والمتفاهم العرفي من قوله (عليه السلام) : «الكلب نجس» ليس إلاّ النجاسة الظاهرية فلو قيل: إنّ الناصب لنا أهل البيت لأنجس منه فلا محيص من حمل النجاسة فيه أيضاً على النجاسة الظاهرية، وأنجسيته من الكلب لوجود المرتبة الفاضلة من النجاسة فيه فالمناقشة من هذه الجهة مندفعة.
وعن الثانية; أوّلاً: بأنّه مع الإغماض عن صدر الموثقة ـ بدعوى إجمالها لأجل دلالتها على نجاسة أهل الكتاب مع انّ مقتضى الروايات المعتبرة المتقدّمة هي طهارتهم أو الإعراض عنه لأجل ذلك ـ لا مجال للمناقشة في الذيل الوارد في حكم الناصب خصوصاً مع التعليل الصريح في نجاسته فإنّ ثبوت الإجمال في الصدر لا يلازم وجوده في الذيل وهكذا الإعراض فانّ المنشأ وجود روايات معتبرة صريحة في الطهارة ولم يرد شيء من هذه الروايات في الناصب أصلاً.
وثانياً: انّ صدر الرواية ليست في مقام بيان نجاسة أهل الكتاب ولا دلالة له عليها حتّى يدّعى الإغماض أو الإعراض لما مرّ سابقاً من انّ غسالة الحمّام تكون أضعافاً من الكرّ نوعاً والواردون في الحمّام لا ينحصرون بأهل الكتاب والناصب بل عدد هؤلاء قليل بالإضافة إلى المسلمين الواردين فيه وعليه فالظاهر عدم ابتناء النهي عن الاغتسال في غسالة الحمّام على نجاستها بل النهي تنزيهي منشأه عدم مناسبة وقوع الاغتسال الذي هو عمل عبادي يوجب القرب منه تعالى في الغسالة التي قد اجتمعت من غسالة اليهودي والنصراني والمجوسي وغيرهم فلا إجمال في الصدر بوجه حتّى يسري إلى الذيل ويوجب عدم جواز الاستناد إليه فالإنصاف انّ دلالة الموثقة على نجاسة الناصب بالمعنى المصطلح فيه ممّا لا ريب فيه أصلاً.
هذا وقد وردت روايات ظاهر بعضها انّ كلّ من اعتقد بإمامة الشيخين فهو
(الصفحة 261)
ناصبي، وظاهر بعضها الآخر انّه ليس الناصب من نصب للأئمّة (عليهم السلام) بل الناصب من نصب لشيعتهم، وفي بعضها الاشتمال على التعليل بأنّك لا تجد أحداً يقول إنّي أبغض محمّداً وآل محمّد ـ عليه وعليهم السلام ـ .
والإنصاف: انّها مجملة يرد علمها إلى أهلها ومصادرها ولا نفهمها نحن لأنّه لو أبغض أحد للشيعة ونصب لهم لكونهم موالين لأهل البيت (عليهم السلام) كيف يمكن أن لا يكون مبغضاً للأئمّة (عليهم السلام) ، مع انّ بغض رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعداوته لا يكون له مدخل في النصب لأنّ الناصب هو المسلم ظاهراً فما معنى قوله (عليه السلام) : «لأنّك لا تجد أحداً يقول انّي أبغض محمّداً وآل محمّد» مع انّه لا يمكن القول بأنّ كلّ عامّي ناصب فانّ النواصب طائفة مخصوصة منهم وهم الذين يتديّنون بنصبهم ويتقرّبون إلى الله بعداوتهم كما يشهد به ما في القاموس: «انّ الناصب من يبغض علياً ويتديّن بذلك» وهو المتيقّن من معاقد الإجماعات وموارد الروايات.
وامّا الغلاة فهم على طوائف:
الاُولى: من يعتقد الرّبوبية لأمير المؤمنين (عليه السلام) أو لأحد من الأئمّة المعصومين (عليهم السلام)فيعتقد بأنّه هو الله تعالى وانّه الربّ الجليل والإله المجسّم الذي نزل إلى الأرض وهذه الطائفة لو ثبت اعتقادهم بذلك فلا إشكال في كفرهم ونجاستهم لأنّه إنكار لإلوهيته سبحانه وهو من أحد الأسباب الموجبة للكفر والنجاسة.
الثانية: من يعتقد بشركة عليّ أو أحد الائمّة ـ عليه وعليهم السلام ـ مع الله تعالى في تدبير العالم وإدارته وهو أيضاً نجس لكونه مشركاً كما عرفت.
الثالثة: من اعتقد بأنّ الله تعالى قد اتّحد مع عليّ (عليه السلام) أو حلَّ فيه، وهذه الطائفة لو اعتقوا انّ علياً (عليه السلام) قد صار بعد الحلول أو الاتّحاد إلهاً في مقابل الله تعالى فهم مشركون لا إشكال في نجاستهم، ولو اعتقدوا انّ العبد قد يفنى في الله فناء الظلّ في