(الصفحة 288)
بضميمة عدم القول بالفصل.
وامّا الدليل الثالث فواضح المنع بعد عدم كون مطلق الادخال ولو لم تكن النجاسة مسرية ولا هاتكة محرماً وعدم كون الأمر بالشيء مستلزماً للنهي عن الضدّ وعدم ثبوت الأمر هنا أصلاً حتّى يكون مستلزماً للنهي وغير ذلك من المناقشات الواردة عليه.
ولكن مع ذلك لا محيص عن الالتزام باعتبار الطهارة في الطواف لخبر يونس المتمّم بعدم القول بالفصل ولا يعارضه مرسل البزنطي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قلت له: رجل في ثوبه دم ممّا لا تجوز الصلاة في مثله وطاف في ثوبه؟ فقال: أجزء الطواف فيه ثمّ ينزعه ويصلّي في صوب طاهر. وذلك لإرساله وعدم ظهوره في وقوع الطواف مع العلم بثبوت الدم في الثوب لأنّه يحتمل أن يكون العلم متأخّراً عن وقوع الطواف فيه كما لا يخفى.
ثمّ إنّ مقتضى إطلاق الأدلّة الواردة في الصلاة والطواف عدم اختصاص اعتبار الطهارة بخصوص الواجب منهما بل هي معتبرة في المندوب منهما أيضاً كما انّه لا فرق في الصلوات الواجبة بين الاداء والقضاء ضرورة عدم كون الفرق بينهما إلاّ من ناحية الزمان فقط.
وامّا اعتبار طهارة الشعر والظفر وغيرهما من توابع الجسد فمضافاً إلى انّه لم يحك الخلاف فيه من الأصحاب يدلّ عليه ما دلَّ على اعتبار طهارة البدن لأنّها أيضاً من أجزاء البدن ما دام كونها متّصلة به غير منفصلة عنه خصوصاً بالتقريب الذي استفدناه من صحيحة زرارة المتقدّمة الدالّة على اعتبار طهارة الشخص بالمعنى الذي يعمّ ثوبه أيضاً فإذا كانت طهارة الثوب دخيلة في اتّصاف الشخص بالطهارة فطهارة مثل الشعر والظفر تكون مدخليتها بطريق أولى كما لا يخفى.
(الصفحة 289)
ثمّ إنّ المراد باللباس الذي تعتبر إزالة النجاسة عنه أعمّ ممّا يكون ساتراً لعورتي المصلّي وما لا يكون بمعنى انّ ما على المصلّي من اللباس الذي يعدّ بنظر العرف كذلك يعتبر أن يكون طاهراً سواء كان واحداً أو متعدّداً، وامّا ما لا يعد من اللباس كالخيمة التي يصلّي فيها أو اللحاف الذي يكون على المصلّي فلا دليل على اعتبار طهارته. نعم في المصلّي مضطجعاً إيماء إذا فرض كون اللحاف لباساً له كما إذا لفّه مثلاً على بدنه يعتبر طهارة اللحاف لأنّه معدود ـ حينئذ ـ لباساً له من دون فرق بين أن يكون له ساتر غيره أم لا.
وامّا الاستثناء بالإضافة إلى مقدار بعض أنواع النجاسات وكذا نفس بعض الأصناف وكذا بالنسبة إلى بعض أنواع الألبسة فسيأتي الكلام فيه في بعض المسائل الآتية، كما انّ اختلاف حالات المصلّي من جهة العلم والجهل والنسيان والالتفات يأتي البحث فيه مفصّلاً ـ إن شاء الله تعالى ـ فانتظر.
المقام الثاني: في اعتبار طهارة موضع الجبهة في حال السجود في صحّة الصلاة، واعتبار طهارة خصوص موضع الجبهة هو المعروف بين الأصحاب بل عن جملة من الأصحاب دعوى الإجماع عليه لكن المحكيّ عن أبي الصّلاح اعتبار الطهارة في مواضع المساجد السبعة بأجمعها كما حكي عن المرتضى (قدس سره) اشتراطها في مطلق مكان المصلّي سواء كان من مواضع المساجد أو غيرها.
والظاهر انّ محل الكلام في هذا المقام انّما هو النجاسة غير المتعدّية إلى البدن أو اللباس ضرورة انّه مع فرض التعدّي تبطل الصلاة لأجل كونها فاقدة لشرط طهارة الثوب أو البدن وإن حكى عن الفخر (قدس سره) انّ اعتبار خلوّ المكان عن النجاسة المسرية انّما هو لأجل اعتبار الطهارة في نفس المكان وتظهر الثمرة بين القولين فيما إذا كانت النجاسة المسرية ممّا يعفى عنه في الثوب والبدن كما إذا كان أقلّ من مقدار
(الصفحة 290)
الدرهم من الدم ـ مثلاً ـ فانّه على قول الفخر تكون الصلاة باطلة لفقدانها لشرط طهارة المكان التي تكون خالية عن الاستثناء وعلى قول غيره لا تبطل الصلاة لكونها معفوّاً عنها على ما هو المفروض.
وكيف كان فالدليل على اعتبار طهارة موضع الجبهة ـ مضافاً إلى كون المسألة إجماعية لم يقع فيها خلاف بين الأصحاب وإن كان ربّما يتوهّمالخلاف من جماعة منهم المحقّق (قدس سره) حيث استجود ما حكاه في المعتبر عن الراوندي وصاحب الوسيلة من القول بجواز السجدة على الأرض والبواري والحصر المتنجّسة بالبول فيما إذا تجفّفت بالشمس مع عدم كون الشمس عندهم من المطهّرات لكن التوهّم في غير محلّه لاحتمال كون الترخيص انّما هو من جهة ثبوت العفو عن السجود في خصوص الفرض المذكور، ومن هنا لم يرخصوا في السجود عليها فقط فهو مؤكّد للإجماع على عدم جواز السجود على النجس الذي لم يثبت العفو عنه ـ صحيحة حسن بن محبوب عن أبي الحسن (عليه السلام) انّه كتب إليه يسأله عن الجص يوقد عليه بالعذرة وعظام الموتى ثمّ يجصص به المسجد أيسجد عليه؟ فكتب (عليه السلام) إليَّ بخطّه: إنّ الماء والنار قد طهّراه. فانّ ظهور السؤال في كون المنع عن السجود على النجس من الاُمور المسلّمة المفروغ عنها لدى السائل وتقرير الإمام (عليه السلام) له على هذا الاعتقاد وتصريحه بحصول الطهارة للجص بسبب النار والماء الظاهر في أنّه لولا حصول الطهارة لما جاز السجود عليه ممّا لا ينبغي أن ينكر فالصحيحة تامّة الدلالة على اعتبار طهارة موضع السجدة وقد مرّت انّ المسألة إجماعية فلا يبقى مجال للإشكال في أصل الحكم. نعم ربّما يشكل معنى الرواية وانّ الماء والنار كيف طهّرا الجصّ وما المراد بالماء والنار المطهّرين وإن كان الجهل بذلك لا يكاد يقدح في الاستدلال بالرواية على اعتبار الطهارة في موضع السجدة بعد ظهور السؤال في المفروغية
(الصفحة 291)
والجواب في التقرير والدلالة على انّه لولا الطهارة لما جاز السجود على الجص مع النجاسة كما لا يخفى على اُولي الدراية.
إلاّ انّه ربّما يقال: إنّ المراد بالنار حرارة الشمس وبالماء رطوبة الجص الحاصلة بصبّ الماء عليه لعدم إمكان التجصيص بالجص اليابس فمرجع الرواية إلى انّ الجصّ المشتمل على الرطوبة والمتنجّس بالعذرة وعظام الموتى يطهر بإشراق الشمس عليه.
ولا يخفى عدم تمامية هذا القول لأنّ حمل النار على حرارة الشمس مع عدم إشعار في الصحيحة بوقوع ذلك في محلّ تراه الشمس ويصل إليه نورها بعيد جدّاً خصوصاً مع ملاحظة انّ النار والشمس عنوانان متغايران عند العرف كما انّ حمل الماء على الرطوبة الحاصلة بصبّ الماء عليه أيضاً كذلك.
وذكر بعض الأعلام في الشرح انّ الماء والنار في الصحيحة باقيان على معناهما الحقيقي وانّ الجص قد طهر بهما لأنّ النار توجب طهارة العذرة والعظام النجستين بالاستحالة حيث تقلبهما رماداً والاستحالة من المطهّرات، وامّا الماء فلأنّ مجرّد صدق الغسل يكفي في تطهير مطلق المتنجّس إلاّ ما قام الدليل على اعتبار تعدّد الغسل فيه وخروج الغسالة وانفصالها غير معتبر فإذا صبّ الماء على الجص المتنجّس أو جعل الجص على الماء فلا محالة يحكم بطهارته وإن لم تخرج غسالته فصحّ أن يقال: إنّ الماء والنار قد طهّراه ـ كما يصحّ أن يسجد عليه ولا يمنع الطبخ عنه لأنّ الجص من الأرض ولا تخرج الأرض عن كونها أرضاً بطبخها أصلاً.
وأنت خبير بأنّ انقلاب العذرة وعظام الموتى رماداً بسبب النار انّما يوجب طهارتهما للاستحالة لا طهارة الجص المتنجّس الذي لم يعرض له الاستحالة ضرورة انّ الاستحالة تطهر معروضها لا شيئاً آخر مع عروض النجاسة له قبل
(الصفحة 292)
تحقّقها ودعوى انّ النار قد طهرت العذرة وعظام الموتى والماء قد طهّر الجص المتنجّس بهما مدفوعة بكونها خلاف ظاهر الصحيحة فانّ ظاهرها مدخلية الأمرين في تطهير الجصّ.
والإنصاف انّه لا يمكن الوصول إلى معنى الرواية لا من جهة التعليل الواقع في الجواب ولا من جهة أصل السؤال الظاهر في حصول النجاسة للجص مع انّ الجص لا يتّصف بالنجاسة في مفروض الرواية سواء كان الإيقاد عليه بنحو كان الجص في ظرف واقع على العذرة أو عظام الموتى أو بنحو كان ملاقياً لهما. امّا على الأوّل فواضح ضرورة انّ الإيقاد عليه بهذا النحو لا يوجب نجاسته، وامّا على الثاني فلأنّ الملاقاة الحاصلة بين الجص اليابس والعذرة اليابسة إذ هي التي يمكن أن توقد كيف يوجب عروض النجاسة للجص وهكذا عظام الموتى ودعوى كون العظام تشمل المخّ وفيه دهن ودسومة مدفوعة بعدم كون النظر إلى هذه الجهة وعلى تقديره فبالنسبة إلى العذرة التي هي مستقلّة في عروض الشبهة للسائل ولا مجال لإنكار كونها يابسة وإلاّ لا تكون صالحة لأن توقد لا موقع لهذا الكلام فالوصول إلى معنى الرواية وفقه الحديث غير ممكن ولكنّه لا يقدح في الاستدلال بها على المقام كما عرفت.
وامّا اعتبار طهارة سائر المواضع السبعة كما قد حكى عن أبي الصلاح فلم يظهر له وجه وربّما يستدلّ له بالنبوي: «جنّبوا مساجدكم النجاسة» نظراً إلى شمول الجميع للمساجد السبعة بأجمعها ولكن يرد عليه ـ مضافاً إلى ضعف سند الرواية وعدم معلولية الجابر له ـ انّه يحتمل قوياً أن يكون المراد بالمساجد هي الأمكنة الشريفة المعدّة للعبادة سيّما الصلاة المسمّاة بالمسجد في الكتاب والسنّة في مثل قوله