(الصفحة 324)
مجال لخروجها عن الملاك الذي كانت عليه.
نعم ربّما يقال في الوجه الثالث إنّ تصحيح العبادة من طريقه انّما يبتني على عدم كون الأمر بالشيء مقتضياً للنهي عن ضدّه الخاص ضرورة انّه مع القول بالاقتضاء لا مناص من الحكمب البطلان في مفروض المسألة.
مع انّه على هذا التقدير أيضاً تكون الصلاة صحيحة لأنّ النهي الناشئ من قبل الأمر بالضدّ ـ على تقديره ـ نهي غيري وهو لا يمتنع اجتماعه مع العبادة فانّه كما انّ الأمر الغيري لا يكون مقرّباً كذلك النهي الغيري لا يوجب تحقّق المبغوضية ومع انتفائها وصلاحية العمل للمقرّبية تقع العبادة صحيحة.
الرابع: ما هو الحقّ تبعاً لما أفاده سيّدنا العلاّمة الاستاذ الماتن ـ دام ظلّه ـ في مباحثه الاُصولية من تصوير الأمر بالأهمّ والمهمّ في عرض واحد من دون تقييد الأمر بالمهمّ بالعصيان للأمر بالأهمّ أو بالبناء عليه بل كلاهما ثابتان في رتبة واحدة ولا يلزم من ذلك محذور أصلاً وهو يبتني على مقدّمات كثيرة دقيقة مذكورة في محلّها ونتيجتها صحّة الصلاة في مفروض المسألة لعدم تفاوت بينها وبين سائر الأفراد في الجهة المرتبطة بالصحّة والعبادية أصلاً.
المورد الثاني: ما إذا كان وقت الصلاة مضيّقاً ولا خفاء ـ حينئذ ـ في تقدّمها على الإزالة لأنّه ـ مضافاً إلى عدم شمول أدلّة الوجوب ـ التي عرفت انّ عمدتها الإجماع وارتكاز المتشرّعة ـ لمثل هذا المورد الذي يستلزم الاشتغال بالإزالة ترك الصلاة في وقتها ـ يدلّ على تقدّم الصلاة ما ورد فيها من كونها عمود الدين وانّها لا تترك بحال ومثل ذلك من التعبيرات التي تكشف عن أهمّيتها بالإضافة إلى سائر الواجبات وعليه فلا إشكال في تقدّمها على الإزالة واتّصافها بالصحّة.
بقي في هذا المقام فرع: وهو انّه إذا وقع التزاحم بين الإزالة والصلاة في أثناء
(الصفحة 325)
الصلاة كما إذا تنجّس المسجد في حال الاشتغال بالصلاة والتفت المصلّي إليه أو علم في الأثناء بوقوعه قبل الصلاة أو كان عالماً به قبلها ثمّ غفل وصلّى فتذكّر في الأثناء ومثل الصورة الأخيرة ما إذا علم قبلها وصلّى مع الالتفات عصياناً ثمّ ندم وبنى على ترك العصيان في أثناء الصلاة فهل الحكم عبارة عن لزوم قطع الصلاة والاشتغال بالإزالة ثمّ إعادتها أو انّه عبارة عن لزوم الإتمام ثمّ الإزالة بعدها أو يمكن التفصيل بين الصور المذكورة؟ ومن المعلوم انّ محلّ الكلام ما إذا لم يمكن الجمع بين الإزالة والإتمام، وامّا إذا أمكن كما إذا لم تكن الإزالة مستلزمة للانحراف ولا لتحقّق الفعل الكثير القاطع لها فلا إشكال في لزوم كلا الأمرين من دون أن يكون هناك شكّ وارتياب في البين كما انّ محلّ الكلام ما إذا كان الإتمام موجباً للإخلال بالفورية العرفية، وامّا مع عدم الإخلال كما إذا كان في أواخر صلاته فلا ريب في وجوب الإتمام.
وامّا مع عدم الإمكان واستلزام الإتمام للإخلال بالفورية العرفية فالظاهر هو التخيير بين الأمرين لأنّ عمدة الدليل على كلا المطلبين هو الإجماع القائم في البين على حرمة قطع الصلاة المفروضة وكذا وجوب إزالة النجاسة بالفورية العرفية التي ينافيها إتمام اللاة وإلاّ لم يكن الاشتغال بها أيضاً منافياً وحيث لم يثبت أهمّية شيء من الأمرين ولا يجري احتمالها في خصوص واحد من الحكمين فلا محيص عن الحكم بثبوت التخيير في البين.
وإن شئت قلت بعدم شمول شيء من الإجماعين للمقام بعد ثبوت القدر المتيقّن لهما ضرورة انّ المتيقّن من الإجماع على حرمة القطع غير ما إذا كان القطع لغرض الاشتغال بواجب مثل الإزالة كما انّ المتيقّن من الإجماع على لزوم إزالة النجاسة فوراً فيتخيّر بين الإتمام والقطع والإزالة فتدبّر.
(الصفحة 326)
مسألة 2 ـ حصير المسجد وفرشه كنفس المسجد على الأحوط في حرمة تلويثه ووجوب إزالته عنه ولو بقطع موضع النجس 1.
1 ـ القول بوجوب إزالة النجاسة عن حصير المسجد وفرشه وكذا حرمة تنجيسه محكي عن الأكثر من غير نقل خلاف مع انّه ربّما يقال بعدم شمول شيء من الأدلّة له لأنّه إن كان المستند هو الإجماع فالمتيقّن من معقده هو نفس المسجد وإن كان هي الأخبار الواردة في جواز اتخاذ الكنيف مسجداً أو صحيحة علي بن جعفر المتقدّمة فمن الواضح اختصاص موردها بنفس المسجد. نعم لو كان المستند هو قوله تعالى: (انّما المشركون نجس...) أو قوله (صلى الله عليه وآله) : «جنّبوا مساجدكم النجاسة» وحمل النجس على الأعمّ من المتنجسات لكان مدلولهما وجوب الإزالة عن مثل الحصير أيضاً، لكنّك عرفت عدم تمامية الاستدلال بشيء منهما لنفس المسجد فضلاً عن آلاته، فيتحصّل من ذلك انّه لا دليل على جريان حكم المسجد من جهة النجاسة في الحصير والفرش وشبهه. نعم يمكن القول بحرمة التنجيس دون وجوب الإزالة من جهة كونه تصرّفاً في غير تلك الجهة التي أوقف لها.
هذا ويمكن أن يقال: إنّ ارتكاز المتشرّعة كما هو ثابت بالإضافة إلى نفس المسجد كذلك هو ثابت بالنسبة إلى حصيره وفرشه الذي هو محل ابتلاء المصلّي نوعاً ولا فرق عند المتشرّعة بين نفس المسجد وبين مثل حصيره فالأحوط جريان الحكمين فيه ولا فرق بين أن تكون الإزالة متوقّفة على التطهير أو على قطع الموضع ولابدّ من مراعاة الأصلح منهما وهو تختلف باختلاف الموارد.
(الصفحة 327)
مسألة 3 ـ لا فرق في المسجد بين المعمورة والمخروبة والمهجورة، بل الأحوط جريان الحكم فيما إذا تغيّر عنوانه كما إذا غصب وجعل داراً أو خاناً أو دكّاناً 2.
(2) امّا عدم الفرق بين أفراد المساجد المختلفة من جهة كونها معمورة أو مخروبة أو مهجورة فلإطلاق الدليل وشموله لها بعد عدم خروج شيء منها عن عنوان المسجدية كما هو المفروض.
وامّا ما إذا تغيّر عنوانه بالفعل كما إذا غصب وجعل داراً أو خاناً أو دكّاناً فالاحتمالات بل الأقوال فيه ثلاثة:
أحدها: جريان كلا الحكمين: وجوب الإزالة وحرمة التلويث فيه أيضاً نظراً إلى شمول الأدلّة والأخبار الواردة فيهما للمقام لأنّ موردها ما كان مسجداً واقعاً وإن لم يصدق عليه عنوان المسجدية بالفعل لأجل جعله داراً أو مثله ومن المعلوم انّ انطباق عنوان مثل الدار عليه لا يخرجه عن كونه مسجداً واقعاً ولذا لو ندم الغاصب أو استرجع من يده لا يحتاج إلى وقف جديد بل هو باق على ما كان عليه فتغيّر العنوان لا يوجب الخروج عن ذلك ومورد الأدلّة هو المسجد الواقعي، أو إلى انّ الأدلّة وإن كانت لا تشمله لأنّ موردها هو المسجد بالفعل كما هو ظاهر الأخبار الواردة في اتخاذ الكنيف مسجداً وصحيحة علي بن جعفر المتقدّمة والإجماع أيضاً غير محرز في مثل المقام إلاَّ انّ استصحاب الحكمين الثابتين فيه قبل الخروج عن كونه مسجداً فعليّاً يجري ويحكم بثبوتهما.
ثانيها: عدم جواز تنجيسه فقط لا وجوب الإزالة عنه إذا تنجّس نظراً إلى قصور الأدلّة عن الشمول للمقام ووصول النوبة إلى الأصل العملي وحيث إنّ الاستصحاب بالإضافة إلى حرمة التلويث تنجيزي وبالنسبة إلى وجوب الإزالة تعليقي لأنّه معلّق على حصول التنجّس والاستصحاب التعليقي غير جار فلا
(الصفحة 328)
محيص عن التفصيل بين الحكمين والحكم بثبوت الحرمة فقط في البين.
ثالثها: عدم جريان شيء من الحكمين لقصور الأدلّة وعدم شمولها لما لا يكون مسجداً بالفعل والاستصحاب في الأحكام الكلّية غير جار من دون فرق بين المنجز والمعلّق فالأصل الحاكم هو أصالة البراءة عن الوجوب والحرمة.
والحقّ إنّ دعوى قصور الأدلّة وعدم شمولها للمقام خصوصاً بعدما عرفت من عدم كون تغيّر العنوان موجباً للخروج عن كونه مسجداً واقعاً مشكلة جدّاً وانّ الاستصحاب الجاري في كلا الحكمين استصحاب تنجيزي فانّ الاستصحاب التعليقي مورده ما إذا كان الحكم في ظاهر الدليل معلّقاً على شيء كما في قوله (عليه السلام): «العصير العنبي إذا غلا يحرم» فانّ الحرمة قد علّقت في ظاهر الدليل على الغليان، وامّا في مثل المقام فالحكم تنجيزي غاية الأمر انّه لا موضوع له مع عدم التنجّس. وإن شئت قلت: انّه تعليق عقلي وهو خارج عن بحث الاستصحاب التعليقي وقد حقّق في محلّه جريان الاستصحاب في كلا القسمين وحجّيته في الأحكام الكلّية فالأحوط لو لم يكن أقوى جريان كل من الحكمين في مفروض المقام فتدبّر.