(الصفحة 330)
مسألة 5 ـ كما يحرم تنجيس المصحف تحرم كتابته بالمداد النجس، ولو كتب جهلاً أو عمداً يجب محوه فيما ينمحي، وفي غيره كمداد الطبع يجب تطهيره 2.
(2) قد عرفت انّ حرمة التنجيس مطلقاً ـ سواء تحقّق الهتك أم لا ـ يمكن أن يستدلّ عليها ـ مضافاً إلى وضوح أهمّية القرآن وعدم الملائمة بينه وبين النجاسة الموجبة للنفرة في الأنظار العادية مع انّه كتاب الهداية ولابدّ من الرجوع إليه للاستضائة من نوره ـ بأولويته من المسجد لأنّه أشدّ إضافة إلى الله من إضافة المسجد إليه، فحرمة التنجيس ثابتة، وعليه لا فرق بين التنجيس وبين الكتابة بالمداد النجس لو لم يكن الثاني أشدّ من الأوّل، ومع كتابته كذلك جهلاً أو عمداً لا يرتفع حكم وجوب الإزالة بل هو باق على قوّته فيجب تطهيره بأيّ نحو تحقّق، وإذا لم يتحقّق إلاّ بمحوه كما إذا كان بغير مداد الطبع ممّا ينمحي بالغسل بالماء فاللازم محوه لكن لا بخصوص الغسل بالماء فانّه لا فرق ـ حينئذ ـ بين أن يغسل بالماء فينمحي أو أن يمحى بغيره كما هو ظاهر.
وامّا في مداد الطبع فتطهيره بالماء لا يوجب انمحائه فيجب ذلك لكن هل يجوز محوه رأساً بدل التطهير بالماء فيه إشكال.
(الصفحة 331)
مسألة 6 ـ من صلّى في النجاسة متعمّداً بطلت صلاته ووجبت إعادتها من غير فرق بين الوقت وخارجه، والناسي كالعامد، والجاهل بها حتّى فرغ من صلاته لا يعيد في الوقت ولا خارجه وإن كان الأحوط الإعادة، وامّا لو علم بها في أثنائها فإن لم يعلم بسبقها وأمكنه إزالتها بنزع أو غيره على وجه لا ينافي الصلاة مع بقاء الستر فعل ومضى في صلاته، وإن لم يمكنه استأنفها لو كان الوقت واسعاً وإلاّ فإن أمكن طرح الثوب والصلاة عرياناً يصلّي كذلك على الأقوى، وإن لم يمكن صلّى بها، وكذا لو عرضت له في الأثناء، ولو علم بسبقها وجب الاستئناف مع سعة الوقت 1.
1 ـ في هذه المسألة فروع:
الأوّل: الصلاة في النجاسة متعمّداً والمراد بالمتعمّد هو العالم المتعمّد بقرينة ذكر الجاهل بعده، كما انّ المراد بالنجاسة ما تكون الصلاة مشروطة بطهارة الثوب والبدن منها وعليه فالدمّ إذا كان أقلّ من الدرهم أو الثوب المتنجّس الذي لا تتمّ الصلاة فيه خارج عن محلّ البحث لأنّه فيما لا يعفى عنه في الصلاة والحكم فيها بطلان الصلاة ووجوب الإعادة في الوقت والقضاء في خارجه والدليل عليه ـ مضافاً إلى ما عرفت من الدليل على اشتراط الصلاة بطهارة الثوب ولابدن والقدر المتيقّن منه صورة العلم والتعمّد ضرورة انّه مع إخراجه أيضاً تلزم اللغوية ـ بعض الروايات الدالّة عليه كحسنة عبدالله بن سنان قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل أصاب ثوبه جنابة أو دم؟ قال: إن كان قد علم انّه أصاب ثوبه جنابة أو دم قبل أن يصلّي ثمّ صلّى فيه ولم يغسله فعليه أن يُعيد ما صلّى. الحديث. ورواية عبد الرحمن بن أبي عبدالله قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يصلّي وفي ثوبه عذرة من إنسان أو سنور أو كلب، أيعيد صلاته؟ قال: إن كان لم يعلم فلا يعيد. وغير ذلك من
(الصفحة 332)
الروايات الدالّة عليه فلا مجال للإشكال في هذا الفرع، كما انّ تعميم الحكم بالإعادة لما بعد الوقت يدلّ عليه مضافاً إلى إطلاق حسنة ابن سنان الدالّة على وجوب الإعادة كون ذلك مقتضى بطلان الصلاة الفاقدة للشرط على ما هو المفروض. ولا مجال للتمسّك بحديث لا تعاد كما سيأتي مضافاً إلى اقتضائه عدم وجوب الإعادة في الوقت أيضاً.
الفرع الثاني: الصلاة في النجاسة نسياناً والمسألة من جهة وجوب الإعادة مطلقاً وعدمه كذلك والتفصيل بين الوقت وخارجه محلّ خلاف بين الأصحاب فالأشهر بل المشهور هو القول الأوّل، وعن الشيخ في الاستبصار والعلاّمة في بعض كتبه هو القول الأخير بل نسب إلى المشهور بين المتأخّرين وعن الشيخ أيضاً في بعض أقواله هو القول الثاني واستحسنه المحقّق في محكي المعتبر وجزم به صاحب المدارك على ما حكى ومنشأ الاختلاف، اختلاف الأخبار الواردة في حكم المسألة فطائفة منها ظاهرة في وجوب الإعادة مطلقاً وطائفة اُخرى تدلّ على عدمه كذلك، وواحدة منها ظاهرة الدلالة على التفصيل.
امّا الطائفة الاُولى فكثيرة:
منها: صحيحة زرارة قال: قلت له: أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شيء من مني فعلمت أثره إلى أن اُصيب له الماء فأصبت وحضرت الصلاة ونسيت أنّ بثوبي شيئاً وصلّيت ثمّ إنّي تذكّرت بعد ذلك؟ قال: تعيد الصلاة وتغسله. الحديث.
ومنها: حسنة عبدالله بن سنان ـ المتقدّمة آنفاً ـ فانّ موردها امّا صورة النسيان نظراً إلى انّ العالم الملتفت المريد للامتثال لا تتحقّق منه الصلاة مع النجاسة وعليه فالاستدلال به في الفرع المتقدّم انّما هو بمفهوم الموافقة فانّ الناسي إذا وجب عليه الإعادة مطلقاً فالعالم الملتفت بطريق أولى، وامّا الأعمّ من الملتفت والناسي. وكيف
(الصفحة 333)
كان فدلالته على حكم هذا الفرع ممّا لا إشكال فيه.
ومنها: مصحّحة إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال في الدم يكون في الثوب: إن كان أقلّ من قدر الدرهم فلا يعيد الصلاة، وإن كان أكثر من قدر الدرهم وكان رآه فلم يغسل حتّى صلّى فليعد صلاته، وإن لم يكن رآه حتّى صلّى فلا يعيد الصلاة. وتقريب الدلالة ما ذكرناه في دلالة الحسنة.
ومنها: رواية ابن مسكان قال: بعثت بمسألة إلى أبي عبدالله (عليه السلام) مع إبراهيم بن ميمون قلت: سله عن الرجل يبول فيصيب فخذه قدر نكتة من بوله فيصلّي ويذكر بعد ذلك انّه لم يغسلها؟ قال: يغسلها ويعيد صلاته.
ومنها: موثقة سماعة قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يرى في ثوبه الدم فينسى أن يغسله حتّى يصلّي؟ قال: يعيد صلاته كي يهتم بالشيء إذا كان في ثوبه عقوبة لنسيانه قلت: فكيف يصنع من لم يعلم أيعيد حين يرفعه؟ قال: لا ولكن يستأنف.
ومنها: حسنة محمّد بن مسلم أو صحيحته المشتملة على قوله (عليه السلام): وإذا كنت قد رأيته وهو أكثر من مقدار الدرهم فضيّعت غسله وصلّيت فيه صلاة كثيرة فأعد ما صلّيت فيه.
ومنها: غير ذلك من الأخبار الكثيرة الواردة في نسيان الاستنجاء الدالّة على وجوب إعادة الصلاة معه.
وامّا الطائفة الثانية فكثيرة أيضاً:
منها: صحيحة أبي العلاء عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يصيب ثوبه الشيء ينجسه فينسى أن يغسله فيصلّي فيه ثمّ يذكر انّه لم يكن غسله أيعيد الصلاة؟ قال: لا يعيد قد مضت الصلاة وكتبت له.
(الصفحة 334)
ومنها: رواية هشام بن سالم عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الرجل يتوضّأ وينسى أن يغسل ذكره وقد بال، فقال: يغسل ذكره ولا يعيد الصلاة.
ومنها: ما رواه عمّار بن موسى قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: لو انّ رجلاً نسى أن يستنجي من الغائط حتّى يصلّي لم يعد الصلاة.
وامّا الرواية المفصلة فهي رواية علي بن مهزيار قال: كتب إليه سليمان بن رشيد يخبره انّه بال في ظلمة الليل وانّه أصاب كفّه برد نقطة من البول لم يشكّ انّه أصابه ولم يره وانّه مسحه بخرقة ثمّ نسى أن يغسله وتمسح بدهن فمسح به كفّيه ووجهه ورأسه، ثمّ توضأ وضوء الصلاة فصلّى؟ فأجابه بجواب قرئته بخطّه: امّا ما توهّمت ممّا أصاب يدك فليس بشيء إلاّ ما تحقّق، فإن حقّقت ذلك كنت حقيقاً أن تعيد الصلوات اللواتي كنت صلّيتهن بذلك الوضوء بعينه ما كان منهنّ في وقتها، وما فات وقتها فلا إعادة عليك لها من قبل انّ الرجل إذا كان ثوبه نجساً لم يعد الصلاة إلاّ ما كان في وقت، وإذا كان جنباً أو صلّى على غير وضوء فعليه إعادة الصلوات المكتوبات اللواتي فاتته لأنّ الثوب خلاف الجسد، فاعمل على ذلك إن شاء الله.
وربّما تجعل هذه الرواية شاهدة للجمع بين الطائفتين الاُولتين بحمل الطائفة الاُولى الدالّة على وجوب الإعادة على الوقت والطائفة الثانية الدالّة على عدم الوجوب على خارجه ولكن ذلك متوقّف على اعتبار الرواية في نفسها وخلوّها عن التشويش والاضطراب الموجب للاطمئنان بعدم الصدور عن الإمام (عليه السلام)خصوصاً مع كونها مضمرة وكون الكاتب مجعول الحال وإن كان يمكن أن يقال بأنّ علي بن مهزيار لا يروي عن غير الإمام (عليه السلام) والوجه في الاضمار انّه أشار في أ وّل كتابه الذي جمع فيه أجوبة مسائل الرجال مع نفس المسائل بأنّ هذه الأجوبة من الإمام (عليه السلام) لئلاّ يحتاج إلى ذكر اسمه الشريف عند كل رواية. هذا ولكن ذلك لا يقاوم