(الصفحة 340)
ثانيها: عدم وجوب الإعادة مطلقاً وهذا هو المشهور واختاره الماتن.
ثالثها: التفصيل بين الوقت وخارجه بلزوم الإعادة في الأوّل دون الثاني وهو محكي عن المبسوط ومياه النهاية والنافع والقواعد وبعض الكتب الاُخر.
رابعها: التفصيل بين من شكّ في الطهارة ولم يتفحّص عنها قبل الصلاة فيعيد، وبين غيره فلا يعيد. وقد قوّاه في الحدائق وادّعى انّه ظاهر الشيخين والصدوق واحتمله الشهيد في الذكرى بل مال إليه في الدروس.
امّا القول المشهور فيدلّ عليه اُمور:
الأوّل: قاعدة الاجزاء المحقّقة في الاُصول في خصوص الجاهل المحتمل للنجاسة الجاري في حقّه استصحاب الطهارة أو قاعدتها بل مطلق الجاهل وحاصلها انّ المأمور به بالأمر الواقعي الثانوي أو بالأمر الظاهري يقتضي الاجزاء بالنسبة إلى الأمر الواقعي الأوّلي والوجه فيه انّ الاُصول العملية ـ مثلاً ـ ناظرة إلى المأمور به بالأمر الواقعي الأوّلي ودالّة على توسعته وعدم تقيّده بالشرط الواقعي ـ مثلاًـ بل يكفي في تحقّقه مجرّد الشك وعدم مسبوقية الخلاف فقاعدة الطهارة يكون مفاد دليل اعتبارها انّ الطهارة الواقعية لا تكون معتبرة في حق الشاك فيها بل الأعمّ منها ومن الطهارة الظاهرية وإن شئت فقل: بأنّ مفادها نفي اعتبار الطهارة في حقّ الشاكّ فصلاته مع فقدان الطهارة واقعاً تكون صلاة صحيحة مطابقة لما هو المأمور به ومنه يظهر انّ الأمر الظاهري لا يكون أمراً في قبال الأمر الواقعي بل مدلوله مجرّد التوسعة في المأمور به بذلك الأمر والتفصيل في محلّه. وعليه فصلاة الجاهل في مفروض المسألة لا يكون فيها خلل موجب للإعادة في الوقت أو في خارجه.
نعم يمكن أن يتوهّم انّ العلم بالنجاسة بعد الفراغ يكشف عن عدم جريان الأصل العملي وبطلان مثل قاعدة الطهارة ولكن هذا التوهّم فاسد فإنّ الشكّ
(الصفحة 341)
المأخوذ في مجرى الأصل العملي ليس هو الشكّ الباقي للتالي وإلاّ تلزم لغوية جعل الاُصول العملية لعدم إحراز مورده غالباً بل مجرّد الشكّ وحدوثه وان تبدّل إلى اليقين بعد زمان بل ومع العلم بالتبدّل أيضاً فانكشاف الخلاف بعد الفراغ لا يكشف عن عدم جريان القاعدة من الأوّل بل يوجب انتهاء أمدها وعدم استدامة جريانها وقد عرفت انّ جريانها بمجرّده يقتضي الاجزاء فتدبّر.
الثاني: حديث لا تعاد المعروف بناء على اختصاص الطهور الذي هو واحد من الخمسة المستثناة فيه بخصوص الطهارة من الحديث وعليه فالطهارة من الخبث باقية في المستثنى منه ولا تجب الإعادة من جهة الإخلال بها.
الثالث: الروايات الدالّة عليه وهي كثيرة:
منها: رواية أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل صلّى في ثوب فيه جنابة ركعتين ثمّ علم به؟ قال: عليه أن يبتدئ الصلاة، قال: وسألته عن رجل يصلّي وفي ثوبه جناية أو دم حتّى فرغ من صلاته ثمّ علم؟ قال: مضت صلاته ولا شيء عليه.
ومنها: رواية عبدالله بن سنان قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل أصاب ثوبه جناية أو دم؟ قال: إن كان قد ع لم انّه أصاب ثوبه جنابة أو دم قبل أن يصلّي ثمّ صلّى فيه ولم يغسله فعليه أن يعيد ما صلّى، وإن كان لم يعلم به فليس عليه إعادة، وإن كان يرى انّه أصابه شيء فنظر فلم يرَ شيئاً أجزأه أن ينضحه بالماء.
ومنها: رواية عبد الرحمن بن أبي عبدالله قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يصلّي وفي ثوبه عذرة من إنسان أو سنور أو كلب، أيعيد صلاته؟ قال: إن كان لم يعلم فلا يعيد.
ومنها: رواية العيص بن القاسم قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل صلّى في ثوب رجل أيّاماً. ثمّ إنّ صاحب الثوب أخبره انّه لا يصلّي فيه؟ قال: لا يعيد شيئاً
(الصفحة 342)
من صلاته. ومن الظاهر انّ الحكم بعدم وجوب الإعادة ليس لأجل عدم حجّية خبر صاحب الثوب بل مع فرض الحجّية لأنّه ذو اليد وقوله حجّة فالحكم بعدم وجوبها انّما هو لأجل صحّة الصلاة الواقعة في النجاسة مع الجهل بها كما لا يخفى.
ومنها: رواية أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إن أصاب ثوب الرجل الدم فصلّى فيه وهو لا يعلم فلا إعادة عليه، وإن هو علم قبل أن يصلّي فنسى وصلّى فيه فعليه الإعادة.
ومنها: ما رواه في قرب الاسناد عن عبدالله بن الحسن عن جدّه علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال: سألته عن الرجل احتجم فأصاب ثوبه دم فلم يعلم به حتّى اخذا كان من الغد كيف يصنع؟ قال: إن كان رآه فلم يغسله فليقض جميع ما فاته على قدر ما كان يصلّي ولا ينقص منه شيء، وإن كان رآه وقد صلّى فليعتدّ بتلك الصلاة ثمّ ليغسله.
ومنها: صحيحة زرارة الطويلة المعروفة المشتملة على قوله: قلت: فإن ظننت انّه قد أصابه ولم أتيقّن ذلك فنظرت فلم أر فيه شيئاً ثمّ صلّيت فرأيت فيه؟ قال: تغسله ولا تعيد الصلاة، قلت: لِمَ ذاك؟ قال: لأنّك كنت على يقين من طهارتك فشككت وليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ أبداً. الحديث. بناءً على أن يكون المراد من قوله: فرأيت فيه، هو رؤيته النجاسة التي ظنّ قبل الصلاة انّها قد أصابته فالمفروض صورة العلم بوقوعها فيها كما لا يخفى.
ومنها: رواية محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال: سألته عن الرجل يرى في ثوب أخيه دماً وهو يصلّي، قال: لا يؤذيه (لا يؤذنه) حتّى ينصرف. فانّه لو كانت الصلاة مع النجاسة واقعاً مع عدم العلم بها فاسدة لما كان الاخبار بنجاسة ثوب أخيه المصلّي إيذاءاً له بل إحساناً وتكريماً له، كما انّ النهي عن الاعلام بناء على كون
(الصفحة 343)
الصادر «لا يؤذنه» قبل الانصراف الظاهر في عدم المنع عنه بعد الانصراف دليل على صحّة صلاته مع العلم بالنجاسة بعدها.
وامّا القول بوجوب الإعادة مطلقاً فيمكن أن يستدلّ له بروايتين:
إحداهما: صحيحة وهب بن عبد ربّه عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الجنابة تصيب الثوب ولا يعلم به صاحبه فيصلّي فيه ثمّ يعلم بعد ذلك؟ قال: يعيد إذا لم يكن علم.
ثانيتهما: موثقة أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن رجل صلّى وفي ثوبه بول أو جنابة؟ فقال: علم به أو لم يعلم فعليه إعادة الصلاة إذا علم.
ولكن يرد على الاستدلال بالرواية الاُولى انّ تقييد وجوب الإعادة بما إذا لم يكن علم الظاهر في عدم الوجوب مع عدم القيد وهي صورة العلم بالنجاسة ربّما يدل على كون الصادر من الإمام (عليه السلام) هي كلمة «لا يعيد» فسقط حرف النهي سهواً من الراوي أو الناسخ.
ويحتمل ـ بعيداً ـ الحمل على الاستفهام الإنكاري كما احتمله صاحب الوسائل (قدس سره) وكيف كان فالرواية مجملة لا مساغ للاعتماد عليها.
وامّا الموثقة فتقييد وجوب الإعادة بصورة العلم وتعميم المورد لصورتي العلم وعدمه يمكن أن يكون مرجعه إلى انّ وجوب الإعادة مشروط بالعلم بوقوع النجاسة في الصلاة لأنّ العلم من شرائط تنجّز التكليف، ويحتمل أن يكون المراد تخصيص وجوب الإعادة بخصوص صورة العلم والتعميم قبله انّما هو لبيان التشقيق في المسألة وانّ لها صورتين ووجوب الإعادة انّما يختصّ بخصوص الصورة الاُولى، هذا ولكن الاحتمال الأخير بعيد جدّاً والظاهر هو الاحتمال الأوّل.
والجمع بينهما وبين الروايات المتقدّمة الصريحة في عدم وجوب الإعادة هو حملهما على الاستحباب لظهورهما في الوجوب وصراحة تلك الأخبار في عدم
(الصفحة 344)
الوجوب فيحمل الظاهر على النصّ ولا ينافي ذلك اشتمال الموثقة على بيان حكم العالم ـ بناءً على ما هو الظاهر من معناها ـ مع انّ العالم يجب عليه الإعادة قطعاً فانّ قيام الدليل على ورود الاذن في الترك بالنسبة إلى بعض مدلول الصيغة لا ينافي بقائها على ما هو ظاهرها بالإضافة إلى البعض الآخر خصوصاً لو قيل بأنّ ظهور الأمر في الوجوب انّما هو من قبيل ظهور الفعل وإلاّ فنفس الصيغة لا تدلّ إلاّ على إنشاء الطلب المشترك بين الوجوب والاستحباب.
ولو أبيت إلاّ عن ثبوت المعارضة بين الطائفتين وعدم إمكان الجمع العرفي فاللازم أيضاً الأخذ بالروايات الدالّة على عدم وجوب الإعادة لكونها موافقة لفتوى المشهور ومورداً لعمل الأصحاب فلا محيص عن الحكم بعدم الوجوب.
وامّا القول الثالث وهو التفصيل بين الوقت وخارجه فيمكن أن يكون مستنده الجمع بين الطائفتين المتقدّمتين من الأخبار بحمل إطلاق ما ظاهره الوجوب على الوقت وإطلاق ما يدلّ على عدمه على خارج الوقت.
ويرد عليه انّ هذا بمجرّده جمع تبرّعي لا سبيل إليه. نعم لو كان في البين رواية دالّة على التفصيل لكان جعلها شاهدة للجمع بمكان من الإمكان والمفروض عدم وجودها وفتوى الشيخ (قدس سره) بذلك في بعض كتبه وإن كان يمكن أن يقال بكشفها عن وجود نص في الجوامع الأوّلية شاهد على الجمع غير واصل إلينا إلاّ انّه ليس بكاشف قطعي بل ولا ظنّي لوجود الشهرة المحقّقة على الخلاف ومجرّد الاحتمال لا يقاوم الدليل.
ويمكن أن يكون مستند التفصيل ما ربّما يقال من انّ صحيحة وهب وموثقة أبي بصير المتقدّمتين وإن كان مدلولهما وجوب الإعادة مطلقاً والنسبة بينهما وبين الأخبار الدالّة على عدم الوجوب كذلك التي هي مستند المشهور هو التباين إلاّ انّ