(الصفحة 361)
بينهما بوجه ولا حاجة إلى التقييد أيضاً.
ثانيتها: قوله (عليه السلام) : «وإن لم يكن عليك ثوب غيره...» وظاهرها انّه لو لم تتمكّن من الإزالة بحيث تبقى مستور العورة فإن لم يكن الدم زائداً على مقدار الدرهم فامض في صلاتك ولا إعادة عليك، ومفهومها انّه لو كان الدم زائداً على المقدار المذكور فلا يجب عليك المضي بل تجب عليك الإعادة ، ولا يخفى انّه لا يجوز أن يكون قوله (عليه السلام) «ما لم يزد...» قيداً للجملة الاُولى أيضاً إذ ينافيه الأمر بالطرح الدال على وجوبه كما انّه بناءً عليه يكون التفصيل بين ما إذا كان عليه ثوب غيره وبين ما إذا لم يكن عليه بلا فائدة إذ يكون المدار ـ حينئذ ـ على الزيادة على مقدار الدرهم وعدمها ففي الصورة الاُولى تجب عليه الإعادة في الفرضين وفي الثانية بالعكس، فوجب أن تكون قيداً لخصوص الجملة الثانية كما هو ظاهر الرواية أيضاً.
ثالثتها: قوله (عليه السلام) : «وما كان أقلّ من ذلك...» وظاهرها انّ الدم إذا كان أقلّ من مقدار الدرهم لا يترتّب عليه أثر، سواء فيه الروية وعدمها وهذه الجملة كالتأكيد للجملة الثانية المقيّدة بالقيد المذكور وكالتقييد بالنسبة إلى الجملة الاُولى الدالّة على وجوب الطرح حيث إنّها تقيّدها بما إذا كان الدم أكثر من مقدار الدرهم كما تقدّمت الإشارة إليه.
رابعتها: قوله (عليه السلام) : «وإذا كنت قد رأيته...» والمراد انّه لو كان الدم أكثر من مقدار الدرهم وقد رأيته قبل الشروع في الصلاة وضيّعت غسله ـ والمقصود من تضييع الغسل امّا عدم الغسل أصلاً أو الغسل مع عدم المبالاة في إزالة الدمّ والالتفات إليه ـ وصلّيت فيه صلاة كثيرة تجب عليك الإعادة وقد عرفت انّ الصلاة في هذه الصورة لا تكاد تتحقّق من المكلّف القاصد للامتثال، العالم بالاشتراط إلاّ مع نسيان نجاسة الثوب فهذه الجملة متعرّضة لحكم النسيان ولا دلالة لها على حكم صورة الجهل
(الصفحة 362)
بالنجاسة أصلاً. ومن الواضح انّه لا دلالة لهذه الجمل الثلاثة الأخيرة على التفصيل المتقدّم. هذا كلّه بناءً على ما هو الموجود في نسخ الكافي التي بأيدينا.
وامّا بناءً على ما رواه الشيخ (قدس سره) في التهذيب ممّا تقدّم فالرواية أشبه بكونها صادرة من الإمام (عليه السلام) لخلوّها ـ حينئذ ـ عن التكرار. نعم مدلول الجملة الثانية الواردة فيما إذا كان الدم زائداً على مقدار الدرهم يصير مخالفاً لما عليه المشهور من بطلان الصلاة مع عدم التمكّن من إزالة النجاسة كما هو مقتضى أدلّة شرطية الطهارة.
وربّما يقال: بأنّ الجملة الثانية ـ على رواية الشيخ ـ مطلقة ومقتضى إطلاقها عدم الفرق في المضي على الصلاة بين صورة التمكّن من إزالة النجاسة ولو بإلقاء ثوبه وبين صورة العجز عن إزالتها وهو على خلاف الإجماع وغيره من الأدلّة القائمة على بطلان الصلاة في النجس متعمّداً وليس الأمر كذلك على رواية الكليني حيث انّ الجملة الثانية مقيّدة بما إذا كان الدم أقلّ من الدرهم على كل حال سواء أرجعناه إلى الجملة السابقة أيضاً أم خصصناه بالأخيرة وهذا يدلّنا على وقوع الاشتباه فيما نقله الشيخ.
وقد ظهر ممّا ذكرنا بطلان هذا القول فإنّ دعوى الإطلاق في الجملة الثانية ممنوعة جدّاً ضرورة انّ المراد من عدم وجود ثوب غيره عدم التمكّن من الإزالة فهو كناية عنه. نعم مراده من الإزالة هي الإزالة بحيث لا يبقى المصلّي مكشوف العورة فغاية مفاد الرواية تقدّم الصلاة في النجس مع عدم التمكّن من الإزالة في الأثناء على الصلاة عارياً وأين هذا من دعوى الشمول لصورة التمكّن من الإزالة مطلقاً.
وقد انقدح ممّا ذكرنا عدم نهوض الرواية للدلالة على التفصيل كما انّ الاستدلال
(الصفحة 363)
بها على ما نسب إلى المشهور في المقام من عدم وجوب الإعادة عند التبيّن في الأثناء يبتني على دعوى إطلاق السؤال في الرواية وشموله لما إذا علم بوقوع بعض الصلاة في الدم مع انّ هذه الدعوى على تقدير تماميتها لا تثبت إلاّ مجرّد الإطلاق وصحيحة زرارة الدالّة على التفصيل وغيرها صالحة للتقييد فلا مجال للاستدلال بها للمشهور.
نعم ربّما يستدلّ لهم ببعض الروايات الاُخر:
كرواية داود بن سرحان عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الرجل يصلّي فأبصر في ثوبه دماً؟ قال: يتمّ. نظراً إلى انّ مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين ما إذا كان الدم المرئي في الأثناء محتمل الحدوث فيه أو معلوم الحدوث قبل الصلاة فالرواية تدلّ على عدم وجوب الإعادة في كلتا الصورتين.
والجواب عنه قد ظهر ممّا مرّ آنفاً من صلاحية أدلّة التفصيل لتقييد مثل هذه الرواية والحكم باختصاص موردها بما إذا كان محتمل الحدوث في الأثناء مع انّه لابدّ من تصرّف آخر في الرواية ضرورة انّ الحكم بالإتمام الظاهر في الإتمام مع الدم لا يجتمع مع التمكّن من الإزالة والقدرة على تحصيل الطهارة فلابدّ امّا من حملها على الدم المعفوّ عنه في الصلاة وعليه فثبوت الإطلاق المذكور في تقريب الإستدلال لا يكاد ينفع للمستدلّ ولا حاجة إلى التقييد، وامّا من حملها على صورة عدم التمكّن من الإزالة وهو أيضاً مخالف لما عليه المشهور من بطلان الصلاة مع عدم التمكّن من الإزالة كما مرّت الإشارة إليه فالرواية على فرض لا تصلح للاستدلال وعلى فرض آخر مخالف لفتوى المشهور من تلك الجهة وعلى أي حال غير قابلة للتمسّك بها في المقام.
ورواية عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إن رأيت في ثوبك دماً وأنت
(الصفحة 364)
تصلّي ولم تكن رأيته قبل ذلك فأتمّ صلاتك فإذا انصرفت فاغسله قال: وإن كنت رأيته قبل أن تصلّي فلم تغسله ثمّ رأيته بعد وأنت في صلاتك فانصرف فاغسله وأعد صلاتك. ولا يخفى انّ موردها الدم غير المعفوّ عنه في الصلاة بقرينة الأمر بالغسل بعد الانصراف في الفقرة الاُولى والأمر بالانصراف والغسل والإعادة في الفقرة الثانية ولكن يرد على الاستدلال بها انّه يبتني على إطلاق مورد الفقرة الاُولى لما إذا علم بوقوع بعض الصلاة في الدم وعدم اختصاصه بما إذا احتمل الحدوث في الأثناء وهو وإن كان تامّاً إلاّ انّ الأخذ بالإطلاق يتوقّف على فقدان الدليل الصالح للتقييد وقد عرفت انّ مثل صحيحة زرارة صالح للتقييد فتحمل الرواية على خصوص صورة احتمال الحدوث في الأثناء وإن كانت الرواية غير خالية عن الإشعار بالاختصاص بغير هذه الصورة إلاّ انّ الإشعار لا يقاوم مع ظهور الصحيحة بل صراحتها كما انّه لابدّ من حمل الرواية على صورة عدم التمكّن من الإزالة وعلى تقديره فيلزم مخالفة فتوى المشهور من جهة اُخرى كما عرفت.
فانقدح انّه لا محيص من الالتزام بالتفصيل والحكم بوجوب الإعادة مع التبيّن في الأثناء نظراً إلى الصحيحة وغيرها من الروايات المفصّلة.
بقي في هذا الفرض أمران يجب التنبيه عليهما:
الأوّل: انّك عرفت عدم اختصاص هذا الفرض بما إذا علم سبق النجاسة على الشروع في الصلاة وشموله لما إذا علم وقوع بعض الأجزاء الماضية من الصلاة مع النجاسة ولكنّه ربّما يقال ـ كما قال بعض الأعلام في الشرح ـ باختصاص وجوب الإعادة بالصورة الاُولى وانّه لا تجب في الصورة الثانية نظراً إلى انّ مقتضى حسنة محمد بن مسلم وموثقة داود بن سرحان ورواية عبدالله بن سنان صحّة الصلاة في النجس مع العلم به في الأثناء مطلقاً سواء كان محتمل الحدوث في الأثناء أو معلوم
(الصفحة 365)
الحدوث قبل الشروع في الصلاة أو بعده قبل الالتفات والتوجّه وقد خرجنا عن إطلاقها في خصوص الصورة الثانية للأخبار المصرّحة بالبطلان فيها، وامّا الصورتان الآخرتان فهما باقيتان تحت الإطلاق على انّ التعليل الوارد في صحيحة زرارة بقوله (عليه السلام): «ولعلّه شيء أوقع عليك» يشمل الصورة الثالثة أيضاً لأنّ معناه انّ النجاسة المرئية لعلّها شيء أوقع عليك وأنت تصلّي لا وأنت في زمان الانكشاف أعني الآنات المتخلّلة التي التفت فيها إلى النجس.
وهذا القول إنّما نشأ من توهّم كون الدليل على التفصيل المتقدّم هو هذا التعليل الوارد في الصحيحة كما صرّح به في مقام بيان أدلّة التفصيل مع انّ الدليل عليه كما عرفت هو الفقرة الواقعة قبل هذه الفقرة المشتملة على التعليل ونو قوله (عليه السلام): «تنقض الصلاة وتعيد إذا شككت في موضع منه ثمّ رأيته» ومن الظاهر انّ مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين ما إذا كان الشكّ قبل الشروع وما إذا كان بعده قبل الرؤية وقد تقرّر في محلّه تقدّم إطلاق الدليل المقيّد على دليل الإطلاق كما انّه لا خفاء في انّ العلّة ظاهرة في كون المراد: لعلّها شيء أوقع عليك في هذه الحال التي هي حال الانكشاف والروية لا في حال الصلاة فهذا القول لا يمكن المساعدة عليه بوجه.
الثاني: انّ تعليق الحكم بلزوم الإعادة والاستئناف فيما لو علم في الأثناء بسبق النجاسة على سعة الوقت ظاهر في انّه مع ضيق الوقت تكون الصلاة صحيحة والدليل عليه ـ مضافاً إلى ظهور الروايات الدالّة عليه في كون موردها صورة السعة ـ وهو انّ مقتضى التتبّع والاستقراء في موارد معارضة الوقت مع سائر الشروط ترجيح مراعاة الوقت على مراعاة سائر الشروط ومرجع ذلك إلى سقوط شرطيتها عند المعارضة مع الوقت.
نعم يقع الكلام بعد ذلك في انّ المراد بسعة الوقت هل هو سعته لأن يقع فيه تمام