(الصفحة 364)
تصلّي ولم تكن رأيته قبل ذلك فأتمّ صلاتك فإذا انصرفت فاغسله قال: وإن كنت رأيته قبل أن تصلّي فلم تغسله ثمّ رأيته بعد وأنت في صلاتك فانصرف فاغسله وأعد صلاتك. ولا يخفى انّ موردها الدم غير المعفوّ عنه في الصلاة بقرينة الأمر بالغسل بعد الانصراف في الفقرة الاُولى والأمر بالانصراف والغسل والإعادة في الفقرة الثانية ولكن يرد على الاستدلال بها انّه يبتني على إطلاق مورد الفقرة الاُولى لما إذا علم بوقوع بعض الصلاة في الدم وعدم اختصاصه بما إذا احتمل الحدوث في الأثناء وهو وإن كان تامّاً إلاّ انّ الأخذ بالإطلاق يتوقّف على فقدان الدليل الصالح للتقييد وقد عرفت انّ مثل صحيحة زرارة صالح للتقييد فتحمل الرواية على خصوص صورة احتمال الحدوث في الأثناء وإن كانت الرواية غير خالية عن الإشعار بالاختصاص بغير هذه الصورة إلاّ انّ الإشعار لا يقاوم مع ظهور الصحيحة بل صراحتها كما انّه لابدّ من حمل الرواية على صورة عدم التمكّن من الإزالة وعلى تقديره فيلزم مخالفة فتوى المشهور من جهة اُخرى كما عرفت.
فانقدح انّه لا محيص من الالتزام بالتفصيل والحكم بوجوب الإعادة مع التبيّن في الأثناء نظراً إلى الصحيحة وغيرها من الروايات المفصّلة.
بقي في هذا الفرض أمران يجب التنبيه عليهما:
الأوّل: انّك عرفت عدم اختصاص هذا الفرض بما إذا علم سبق النجاسة على الشروع في الصلاة وشموله لما إذا علم وقوع بعض الأجزاء الماضية من الصلاة مع النجاسة ولكنّه ربّما يقال ـ كما قال بعض الأعلام في الشرح ـ باختصاص وجوب الإعادة بالصورة الاُولى وانّه لا تجب في الصورة الثانية نظراً إلى انّ مقتضى حسنة محمد بن مسلم وموثقة داود بن سرحان ورواية عبدالله بن سنان صحّة الصلاة في النجس مع العلم به في الأثناء مطلقاً سواء كان محتمل الحدوث في الأثناء أو معلوم
(الصفحة 365)
الحدوث قبل الشروع في الصلاة أو بعده قبل الالتفات والتوجّه وقد خرجنا عن إطلاقها في خصوص الصورة الثانية للأخبار المصرّحة بالبطلان فيها، وامّا الصورتان الآخرتان فهما باقيتان تحت الإطلاق على انّ التعليل الوارد في صحيحة زرارة بقوله (عليه السلام): «ولعلّه شيء أوقع عليك» يشمل الصورة الثالثة أيضاً لأنّ معناه انّ النجاسة المرئية لعلّها شيء أوقع عليك وأنت تصلّي لا وأنت في زمان الانكشاف أعني الآنات المتخلّلة التي التفت فيها إلى النجس.
وهذا القول إنّما نشأ من توهّم كون الدليل على التفصيل المتقدّم هو هذا التعليل الوارد في الصحيحة كما صرّح به في مقام بيان أدلّة التفصيل مع انّ الدليل عليه كما عرفت هو الفقرة الواقعة قبل هذه الفقرة المشتملة على التعليل ونو قوله (عليه السلام): «تنقض الصلاة وتعيد إذا شككت في موضع منه ثمّ رأيته» ومن الظاهر انّ مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين ما إذا كان الشكّ قبل الشروع وما إذا كان بعده قبل الرؤية وقد تقرّر في محلّه تقدّم إطلاق الدليل المقيّد على دليل الإطلاق كما انّه لا خفاء في انّ العلّة ظاهرة في كون المراد: لعلّها شيء أوقع عليك في هذه الحال التي هي حال الانكشاف والروية لا في حال الصلاة فهذا القول لا يمكن المساعدة عليه بوجه.
الثاني: انّ تعليق الحكم بلزوم الإعادة والاستئناف فيما لو علم في الأثناء بسبق النجاسة على سعة الوقت ظاهر في انّه مع ضيق الوقت تكون الصلاة صحيحة والدليل عليه ـ مضافاً إلى ظهور الروايات الدالّة عليه في كون موردها صورة السعة ـ وهو انّ مقتضى التتبّع والاستقراء في موارد معارضة الوقت مع سائر الشروط ترجيح مراعاة الوقت على مراعاة سائر الشروط ومرجع ذلك إلى سقوط شرطيتها عند المعارضة مع الوقت.
نعم يقع الكلام بعد ذلك في انّ المراد بسعة الوقت هل هو سعته لأن يقع فيه تمام
(الصفحة 366)
الصلاة أو تكفي السعة لوقوع ركعة منها فيه لا يبعد أن يقال بالثاني نظراً إلى قاعدة «من أدرك» المستفادة من النصوص الدالّة على انّ إدراك ركعة من الوقت بمنزلة إدراك جميع الوقت فبملاحظتها نحكم بوجوب الإعادة في الفرض إذا كان الزمان واسعاً لإدراك ركعة فقط أيضاً فتدبّر . هذا تمام الكلام في الصلاة في النجاسة.
(الصفحة 367)
مسألة 7 ـ لو انحصر الساتر في النجس فإن لم يقدر على نزعه لبرد ونحوه صلّى فيه إن ضاق الوقت، أو لم يحتمل احتمالاً ع قلائياً زوال العذر، ولا إعادة عليه، وإن تمكّن من نزعه فالأقوى إتيان الصلاة عارياً مع ضيق الوقت، بل ومع سعته لو لم يحتمل زوال العذر، ولا قضاء عليه 1.
1 ـ الكلام في هذه المسألة يقع في مقامين:
المقام الأوّل: فيما إذا لم يتمكّن من نزع الساتر النجس لبرد ونحوه والحكم فيه جواز الصلاة فيه مع ضيق الوقت أو عدم احتمال زوال العذر إلى آخر الوقت احتمالاً عقلائياً والدليل على الجواز ـ مضافاً إلى قيام الإجماع بل الضرورة على انّ الصلاة لا تسقط بحال وانّ المكلّف معذور فيما هو خارج عن قدرته والله تعالى أولى بالعذر في مثل ذلك، وإلى إمكان دعوى اختصاص أدلّة مانعية النجاسة بصورة عدم الاضطرار إلى لبس الثوب المتنجّس خصوصاً بعد كون الدليل هو الإنفاق والإجماع القائم في المسألة وإن كانت هناك أدلّة لفظية واردة في بعض أنواع النجاسات وقلنا بإمكان استفادة العموم من صحيحة زرارة المعروفة أو مثلها إلاّ انّك عرفت انّ العمدة كون المسألة اتفاقية والقدر المتيقّن صورة عدم الاضطرار فلا يقاس بسائر الموارد التي يكون مقتضى إطلاق أدلّتها اللفظية الشمول لكلتا الصورتين ـ الاخبار الآتية الآمرة بالصلاة في الثوب المتنجّس وهي وإن كانت مطلقة إلاّ انّ القدر المتيقّن منها صورة الاضطرار المفروضة في هذا المقام وقد أفتى جماعة بالجواز مع عدم الاضطرار أيضاً نظراً إلى إطلاق هذه الأخبار ـ وسيأتي البحث عنه إن شاء الله تعالى ـ وكيف كان فلا ينبغي الارتياب في دلالتها على حكم المقام، مضافاً إلى ورود بعض الروايات في خصوصه كما سيأتي.
وامّا عدم وجوب القضاء والإعادة عليه بعد الوقت فلأنّ موضوع القضاء
(الصفحة 368)
فوات الفريضة وهو غير متحقّق لأنّ المفروض الإتيان بها مع جميع الخصوصيات المعتبرة فيها ـ وجوداً وعدماً ـ فلا مجال لتوهّم تحقّق الفوت أصلاً خصوصاً لو قلنا بأنّ الوجه في جواز الصلاة اختصاص أدلّة المانعية بصورة عدم الاضطرار وإن كان الاستدلال لذلك بالأخبار الآتية الآمرة بالصلاة في الثوب المتنجّس أيضاً يرجع إلى ذلك ضرورة انّ حكومتها على أدلّة المانعية تقتضي اختصاصها بتلك الصورة إلاّ انّه على ذلك الوجه تصير المسألة أوضح.
وامّا عدم وجوب الإعادة عليه في الوقت فهو المعروف بين الأصحاب وعن الشيخ (قدس سره) في بعض كتبه وجوب الإعادة وعن المدارك والرياض نسبة القول بوجوب الإعادة في الوقت إلى جماعة وقد استدلّ لهم بموثقة عمّار الساباطي عن أبي عبدالله (عليه السلام) انّه سُئل عن رجل ليس عليه إلاّ ثوب ولا تحلّ الصلاة فيه، وليس يجد ماء يغسله كيف يصنع؟ قال: يتيمّم ويصلّي فإذا أصاب ماء غسله وأعاد الصلاة.
وربّما يجاب عن الاستدلال بها بكونها أجنبية عن المقام حيث انّ موردها تيمّم المكلّف للصلاة بدلاً عن الجنابة أو الوضوء مع عدم اضطراره إليه واقعاً لفرض انّه وجد الماء قبل انقضاء وقت الصلاة ومقتضى القاعدة فيه البطلان ولا دليل على كون ما أتى به مجزياً عن المأمور به وحديث لا تعاد لا ينفي الإعادة من ناحية الإخلال بالطهارة الحدثية فوجوب الإعادة في مورد الرواية للإخلال بتلك الطهارة لا الطهارة الخبثية المفروضة في المقام.
هذا والظاهر انّ ظهور الرواية في كون منشأ وجوب الإعادة هو فقدان الطهارة الخبثية لا ينبغي أن ينكر فانّ قوله (عليه السلام) : فإذا أصاب ماء غسله وأعاد الصلاة ظاهر في ذلك من جهة الحكم بلزوم الإعادة عقيب لزوم الغسل ومن جهة عدم التعرّض